شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
متى ينتهي كورونا وكيف؟... جدل النهاية الطبية vs النهاية الاجتماعية حسب تاريخ الأوبئة

متى ينتهي كورونا وكيف؟... جدل النهاية الطبية vs النهاية الاجتماعية حسب تاريخ الأوبئة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 12 مايو 202004:18 م

متى ينتهي وباء كورونا؟ وكيف؟ سؤالان طرحتهما الكاتبة المتخصصة بالشؤون العلمية والطبية جينا كولاتا في تقرير طويل نشرته في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

قد يبدو السؤالان اعتياديين نظراً لتكرارهما كل يوم على ألسنة الناس، لكن العبرة في التفاصيل التي اختبأت في طيات تحليلات وتفسيرات رصدتها الكاتبة حول نهاية الوباء الطبية ونهايته الاجتماعية.

لم يقتصر جهد كولاتا في العثور على جوابين مقنعين عن هذين السؤالين المتعلقين بالجانب الصحي وبتبعات انتهاء أزمة كورونا، بل رصدت تجارب سابقة لأوبئة اجتاحت العالم على مر القرون لتسليط الضوء على فكرة نهاية الوباء، والفرق بين نهاياته المختلفة.

هنالك نوعان لنهايات الأوبئة، حسب الكاتبة، هما: النهاية الطبية أي بعد انخفاض معدلات الإصابة والوفيات، والنهاية الاجتماعية التي تهم الناس حين يتعبون من الخوف والقلق ومن الإجراءات المصاحبة لانتشار الوباء.

هذا ما ظهر، كما تنقل كولاتا عن المؤرخ في جامعة "هارفرد" آلان برانت، لدى الحديث عن عجلة الاقتصاد وعودة الحياة إلى طبيعتها، إذ هناك عدة أسئلة تتعلق بالغايات والشعور لا تجد أجوبة عنها في البيانات والتقارير الطبية، بل لدى البحث في تأثيرها على البعد الاجتماعي.

من هذا المنطلق، يُطرح السؤال الفعلي "بالنسبة إلى من يمكن أن ينتهي الوباء، ومن يعلن نهايته فعلاً؟".

وفق المؤرخ المختص بعلوم الطب جيرمي غرين، فإن الناس، عندما يرددون السؤال: متى ينتهي الوباء؟ يسألون، وإن لم يكونوا مدركين، عن النهاية الاجتماعية للوباء، فالخوف والضيق اللذان يسيطران عليهما يتعديان نهاية أي مرض أو وباء بشكل فعلي.

تعود كولاتا إلى ذاكرة التاريخ الوبائي على مر العقود، وتبدأ بالتجارب الأحدث. ففي الأشهر السابقة توفي أكثر من 11000 شخص في غرب إفريقيا بسبب إيبولا المرعب والشديد العدوى في كثير من الأحيان. هو آخذ في التضاؤل اليوم، لكن الخوف من هذا المرض كان ملموساً في المناطق التي اجتاحها.

وتستشهد المؤرخة سوزان موراي، بحسب تقرير جينا، بأمثلة عن حالة الذعر التي تسبب بها إيبولا لدى الناس، فـ"لو كان لون الجلد غير طبيعي لديك فإن ذلك أمر كفيل بجعل عيون الناس الملأى بالرعب من حولك في الحافلة أو القطار تنظر بخوف إليك".

مثال آخر طرحته موراي بشأن الأثر النفسي الذي شاع في المناطق التي انتشر فيها إيبولا، عندما عاد شاب من بلد يعاني ذلك المرض في يوم ما، ودخل إلى غرفة الطوارئ لأحد المستشفيات، اختبأت الممرضات خوفاً منه وهدد الأطباء بمغادرة المكان.

وحدها موراي تجرأت على علاج ذلك الشاب، لكن تقدم مراحل إصابته بمرض السرطان أدت إلى وفاته. وفق التقرير الطبي بعد وفاته، تبين أنه لم يكن مصاباً بإيبولا، كما استخلص طبيبه. بعد وفاة الشاب بثلاثة أيام، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن وباء إيبولا قد انتهى.

استندت الكاتبة إلى نص كانت موراي قد كتبته، وخلاصته: "إذا لم نكن مستعدين لمحاربة الخوف والجهل لا نستطيع محاربة أي فيروس، فمن الممكن أن يسبب الخوف ضرراً رهيباً للأشخاص الضعفاء، حتى في الأماكن التي لا يضؤل فيها احتمال واحد من وصول عدوى تفشي المرض. ويمكن وباء الخوف أن تكون له عواقب أسوأ بكثير خصوصاً عندما يختلط هذا الخوف بحالات التمييز على أساس العرق واللغة بحق أولئك الأشخاص الضعفاء".

كيف انتهت أوبئة أخرى؟

استكمالاً لاستعراض الكاتبة للتاريخ الوبائي، تعود بالذاكرة إلى مرض "الطاعون الدبلي أو الدُمّلي" الذي اجتاح العالم أكثر من مرة في الـ2000 سنة الماضية، وهذا ما أسفر عن مقتل الملايين من الناس وتغيير مسار التاريخ.

من كورونا عودة إلى إيبولا والطاعون والجدري والإنفلونزا... نقاش حول الفارق بين النهاية الطبية للوباء حسب المتخصصين، والنهاية الاجتماعية التي تحصل بفعل "تعب الناس" حتى قبل إيجاد اللقاح

علماً أن ثلاث موجات صاحبت مرض الطاعون، بحسب المؤرخة ماري فيسيل: طاعون جستنيان في القرن السادس عشر، وطاعون القرون الوسطى، وطاعون القرن الرابع عشر، بالإضافة إلى الطاعون الذي ضرب العالم في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

"من المستحيل على اللسان البشري أن يروي الحقيقة الفظيعة التي حدثت في القرن الرابع عشر"، كتب المؤرخ أنغنودي مرة، وفق رصد كولاتا، وقد اعتبر أن الذي لم يشهد على تلك الفظاعة فإنه شخص "مبارك"، وذكر أن المصابين كانوا "ينفخون تحت إبطهم، ويسقطون على الأرض أثناء الحديث".

انتهى وباء الطاعون، بحسب كولاتا، وليس محسوماً السبب الذي جعل الطاعون الدبلي يزول، فيما أكد بعض العلماء أن الطقس البارد قتل البراغيث الناقلة للأمراض.

ربما كان سبب انحسار الطاعون هو التغيير الذي طرأ على الفئران الناقلة له، حسبما تذكر الكاتبة. في مطلع القرن التاسع عشر، لم يكن الطاعون محمولاً من الفئران السوداء بل من الفئران البُنّية التي تعيش بعيداً عن البشر.

ثمة نظريات أخرى، تقول إحداها إن البكتيريا أصبحت أقل فتكاً، أو إن تصرفات البشر، مثل إحراق بعض القرى، ساعدت في القضاء عليها.

أصبح الطاعون ذكرى، لكن بشاعة القصص المتصلة به ما زالت تثير الرعب في حال تسجيل حالة إصابة واحدة به.

تعود الكاتبة لتسلط الضوء على نهايات اجتماعية لأوبئة أخرى.

تشير كالوتا إلى النهاية الطبية التي حصلت لمرض الجدري. تقول: "من الأمراض التي حققت نهاية طبية كان الجدري الذي كان مرضاً مروعاً أودى بحياة ثلاثة من كل عشرة من ضحاياه بعد معاناة هائلة.

"إذا كنتم تقولون إن الحديث عن نهاية غير وارد حالياً، فما الذي تقدمونه في المقابل؟ وعلى أي أساس تقولون إنها ليست النهاية؟"

ساعد اللقاح الفعال في حماية الناس مدى الحياة، كما أن غياب المضيف الحيواني للجدري جعل القضاء على المرض لدى البشر يعني القضاء التام عليه، إضافة إلى أن أعراضه واضحة، وهذا ما سمح بالحجر الصحي الفعال وتتبع المخالطين. الحالة الأخيرة المسجلة للجدري كانت عام 1977 لشاب من الصومال، شُفي منها تماماً ثم قضى لاحقاً عام 2013 بالملاريا.

تُذكّر كالوتا أيضاً بإنفلونزا 1918 التي عُرفت بـ"الإنفلونزا الإسبانية" وبقيت في ذاكرة الأوبئة التي غيّرت مجرى التاريخ.

وتنقل وصف المؤرخ ييل سنودن لنهاية الإنفلونزا: "الأمر كان أشبه بالنار. أحرقت الخشب المتاح وما يمكن إحراقه بسهولة، ثم انتهت"، حتى أن المرض، وفق الكاتبة، انتهى اجتماعياً. فالحرب العالمية الأولى انتهت معه أيضاً، وبدأ الناس بالاستعداد لبداية جديدة وعصر جديد، وحرصوا على وضع كابوس المرض والحرب وراءهم.

"على أي أساس تقولون إنها ليست النهاية؟"

حتى وقت قريب، كانت إنفلونزا عام 1918 منسية إلى حد كبير، حسب الكاتبة التي لفتت إلى أن هذا الفيروس لا يزال حاضراً باِسم الانفلونزا الموسمية، لكن برغم موت أشخاص بسببه قلما يتم التذكير بمساره المدمر وبالخوف الذي صاحبه.

هل يحدث ذلك مع كوفيد-19؟ تكرر الكاتبة السؤال، وتجيب عنه مستعينةً بإجابات لمؤرخين يرون أنه من المحتمل أن ينتهي اجتماعياً بسهولة قبل أن ينتهي طبياً، فقد يُرهق الناس ويستنزف قواهم من جراء القيود التي فرضها الفيروس برغم استمراره في الانتشار وعدم إيجاد اللقاح المناسب له.

"قد تأتي لحظة يرفع فيها الناس الصوت: كفى، نحن نستحق العودة إلى حياتنا العادية"، تقول المؤرخة ناعومة روجرز. وهو ما يحدث بالفعل في بعض المناطق في العالم بعد تخفيف القيود. وقد بدا تحدياً لمسؤولي منظمة الصحة العالمية.

هذا النوع من الصراع بين نهاية كورونا الاجتماعية ونهايته الطبية، أشارت إليه روجرز، موضحة أن لدى منظمة الصحة العالمية نهاية طبية للفيروس، لكن فريقاً كبيراً من العلماء يرى أن هناك نهاية اجتماعية له.

التحدي اليوم هو أنه لن يكون هناك نصر مفاجئ على الوباء، كما أن البحث عن تحديد نهاية فعلية له مهمة شاقة.

"من يمكنه المطالبة بنهاية اجتماعية؟" سألت روجرز، مشيرة إلى الصراع القائم بين النهاية الطبية التي يتحدث عنها خبراء الصحة، والنهاية الاجتماعية. وطرحت على الخبراء سؤالين هما: "إذا كنتم تقولون إن الحديث عن نهاية غير وارد حالياً، فما الذي تقدمونه في المقابل؟ وعلى أي أساس تقولون إنها ليست النهاية؟".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image