قد تكون رائحة "الطبيخ" العربي من أبرز العلامات للحكم على الطعم، وكلما كانت قريبة من رائحة "طبيخ الأمهات" حجزت مكاناً في قلب من يشتمّها، فيحملها معه ويشتاقها أينما حلّ.
كرست الثقافة العربية قاعدة ثابتة هي أن لا طعم يشبه طعم طبخ أمهاتنا، حتى لو كان المذاق غير مستحسن أحياناً، لكن ذلك حقيقة تربينا عليها تماماً مثل حقيقة "شعور الأم تجاه أولادها، هم ليسوا مجبرين على حبها لكن من واجبها أن تحبهم" كما ورد في فيلم "طعام، صلاة، حب" لإيلزابيث جيلبرت.
في دول عديدة، حجزت مطاعم تقدم مأكولات عربية مكاناً لها بفضل الطلاب العرب المغتربين الذين يجذبهم الحنين دوماً إلى المطبخ العربي. سدّت هذه المطاعم جزءاً من حنين هؤلاء، لكن، مع ذلك، ما الحب إلا للطبق الأول المُعدّ بأيدي الأمهات تحديداً.
هذا ما أظهره فيديو انتشر أمس على مواقع التواصل الاجتماعي لأستاذة أكاديمية في إحدى الجامعات الأمريكية. مدته ثلاث دقائق وبضع ثوان كانت كفيلة بإظهار مشاعر الحنين، والاشتياق، والتعاطف، حتى المشاعر المتعلقة بالعروبة.
بطلة الفيديو مغتربة أردنية اسمها نانسي خوري تحدثت عن تجربة مرت بها في الجامعة حيث تدرّس طلبة عرباً، وذكرت أنه يمنع على الأساتذة استخدام اللغة العربية أمام الطلاب العرب، الذين لم يكونوا متيقنين من أنها تتكلم العربية.
في إحدى المرات، استرقت السمع إلى حديث دار خلال المحاضرة، وللحال تجاوزت الشروط الأكاديمية ووضعت مشاعرها كأم أولاً وكسيدة عربية ثانياً في الأولوية.
بدأ صوت خوري يتغيّر شيئاً فشيئاً خاصة عندما وصلت إلى فقرة وصف حالة طلابها بعدما حضّرت لهم مفاجأة في غرفة الاستراحة. اختنقت بالبكاء وهي تصفهم، وهم ينظرون إلى طنجرة "المقلوبة" ثم إليها، بينما يتسائلون: "إنت عربية؟"
أشارت خوري في الفيديو الذي حصد رواجاً واسعاً إلى أن حديث الطلاب أثناء تلك المحاضرة ذهب نحو أن أحدهم اشتاق لطبخة من أمه تحتوي على أرز ولحم ضأن، ورد عليه زميله بأنه يشتهي التبولة، وينتهي الحديث بمداخلة زميل ثالث اشتاق لطعم الحمص.
"شغلت السيارة وقبل ما أروح على البيت فكرت شو الطبخة اللي ممكن تجمع بين الي اشتهوه الطلاب؟"، قالت نانسي في الفيديو، وكانت أكلة "المقلوبة" الخيار الأنسب. اتجهت إلى السوبر ماركت وجلبت مستلزماتها والمقبلات الأخرى التي تتصدرها التبولة والحمص.
عندما أعدّت "المقلوبة" صباح اليوم التالي، ذكرت أنها وضّبتها بـ "حرام"، وهذه عادة الأمهات للدلالة على "حنانهن" لدى الاحتفاظ بطبخة ما لفلذات أكبادهن.
عقب دقيقتين من سرد التجربة، بدأ صوت خوري يتغيّر شيئاً فشيئاً خاصة عندما وصلت إلى فقرة وصف حالة طلابها بعدما حضّرت لهم مفاجأة في غرفة الاستراحة. اختنقت بالبكاء وهي تصفهم، وهم ينظرون إلى طنجرة "المقلوبة" ثم إليها. كادت تختنق عندما حكت كيف بدأوا يتسائلون: "إنت عربية؟ إنت عربية؟"، وردت عليهم: "عربية أردنية وأفتخر".
حصد الفيديو تفاعلاً واسعاً بعدما وصل عدد مشاهداته إلى حوالى مليون ونصف المليون، وبيّن مدى أهمية الطبخ المنزلي والحنين إليه لا سيما في فترة التباعد الاجتماعي وحظر التنقلات، وبعث برسالة أرادتها خوري ذات مغزى إنساني، هي: "طلاب عرب من عدة دول وعدة أديان صرنا بفضل المقلوبة روح واحدة. يا ريت، نحن العرب، مو بس بالغربة نكون روح واحدة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومينمقال أكثر من رائع. قمة الإبداع والرقي. شكرا.
Salim Abdali -
منذ 3 أياماتابع يومياتك الأليمة، وشكرا يا شاعر لنقلك هذه الصور التي رغم الالام التي تحملها، الا انها شهادات تفضح غياب الضمير الانساني!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامماذا لو أن النبي بداية منذ أواخر سنواته الشريفات وحتى اليوم كان محروماً من حقوقه في أمته مثلما أن المرأة قد حرمت حقوقها وأكثر؟ وأنه قد تم إيداعه "معنوياً" في غرفة مقفلة وأن كل من تصدر باسمه نشر فكره الخاص باسمه بداية من أول يوم مات فيه النبي محمد؟ إن سبب عدم وجود أجوبة هو انحصار الرؤية في تاريخ ومذهب أو بالأحرى "تدين" واحد. توسيع الرؤيا يقع بالعين على مظلومية محمد النبي والانسان الحقيقي ومشروعه الانساني. وجعل القرءان الدستور الذي يرد اليه كل شيء والاطلاع إلى سيرة أهل البيت بدون المزايدات ولا التنقصات والتحيزات يرتفع بالانسان من ضحالة القوقعة المذهبية إلى جعل الإنسان يضع الكون كاملاً والخليقة أمام عينيه ولا يجعله يعشق التحكم في الآخر.
إن وصف القرءان للنساء بأنهم نساء منذ طفولتهن بعكس الرجال الذين هم بنين ثم يصيرون رجالاً هو وصف بأن المرأة منذ الصغر تولد أقرب بكثير للتقوى الذي هو النضج وكف العدوان بينما للرجل رحلة طويلة في سبيل التقوى التي هي كف العدوان وليس فقط تدوير المسبحات في الأيدي.
مشروع محمد لم يكتمل لأن "رفاقه" نظروا له على أنه ملك ويجب وراثته والتعامل مع تراثه كملك. أما الذين فهموا مشروعه وكانوا أبواب المشروع الانساني فقد تم قتلهم وتشريدهم وفي أحسن الاحوال عزلهم السياسي والثقافي حتى قال الإمام علي أنه يرى تراثه نهباً أي منهوب.
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياماوجدتي أدلة كثيرة للدفاع عن الشر وتبيانه على انه الوجه الاخر للخير لكن أين الأدلة انه فطري؟ في المثل الاخير الذي أوردته مثلا تم اختزال الشخصيات ببضع معايير اجتماعية تربط عادة بالخير أو بالشر من دون الولوج في الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والمستوى التعليمي والثقافي والخبرات الحياتية والأحداث المهمة المؤسسة للشخصيات المذكورة لذلك الحكم من خلال تلك المعايير سطحي ولا يبرهن النقطة الأساسية في المقال.
وبالنسبة ليهوذا هناك تناقض في الطرح. اذا كان شخصية في قصة خيالية فلماذا نأخذ تفصيل انتحاره كحقيقة. ربما كان ضحية وربما كان شريرا حتى العظم ولم ينتحر إنما جاء انتحاره لحثنا على نبذ الخيانة. لا ندري...
الفكرة المفضلة عندي من هذا المقال هي تعريف الخير كرفض للشر حتى لو تسنى للشخص فعل الشر من دون عقاب وسأزيد على ذلك، حتى لو كان فعل الشر هذا يصب في مصلحته.
Mazen Marraj -
منذ 5 أياممبدعة رهام ❤️بالتوفيق دائماً ?
Emad Abu Esamen -
منذ 6 أياملقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي