أرخت أزمة وباء فيروس كورونا مؤخراً بظلالها على العالم بأسره، واحتار العلماء في كيفية التخلص من هذا الوباء وفي معرفة أسراره وخفاياه، ولذلك وجدت الحكومات في الحظر الصحي وقاية مؤقتة ريثما تصل إلى حلول ناجعة للخلاص، وبالتالي بات العالم وجهاً لوجه أمام حقيقة واحدة: "البقاء في البيت".
"بات يتدخل في طريقة تربيتي للأولاد، مرة يتهمني بأنني دللتهم زيادة عن اللزوم، ومرة يتهمني بالقسوة في معاملتهم، احترت معه وكرهت حياتي بسببه".
البقاء في البيت كلمة بسيطة جداً في منظورها العام وقد فرح البعض بفحواها في البداية، وظن أنها إجازة يستمتع فيها بالنوم والطعام ومشاهدة التلفزيون، ولكن بعد مدة قصيرة بدأ الضجر والتأفف من حياة رتيبة مملة لا جديد فيها، وفوق هذا وذاك، الأسرة كلها مجتمعة في مكان واحد تستخدم المرافق المنزلية في الوقت ذاته، الزوج الذي اعتاد الخروج كل يوم وترك أعباء البيت ومسؤولية الأولاد على عاتق زوجته، صار ملزماً بتحمل الضجيج وصخب الأطفال، المرأة التي اعتادت الخروج للعمل وإرسال الأولاد إلى المدرسة صار عليها واجب تحملهم طوال اليوم، بالإضافة إلى تحمل تأفف زوجها الذي كان يصل إلى البيت في معظم الأحيان بعد نوم أطفاله.
"يتهمني بالغباء"
"لا يكفي أننا في الحجر الصحي، لا خروج ولا دخول ولا زيارات ولا رحلات، وفوق كل ذلك يتأفف البيك ولا يعجبه العجب، يتدخل في كل شاردة وواردة في المنزل، وأتحمل سخطه مقدرة الظروف، لكن أن يتدخل في حديثي مع صديقاتي على الهاتف، ويتهمني بالكذب والمحاباة فهذا كثير جداً"، هذا ما قالته عن زوجها منال (اسم مستعار)، 47 عاماً، وهي ربة منزل مقيمة في مدينة ديسلدورف الألمانية.
وأضافت: "لقد اكتشفت بعد عشر سنوات زواج، أن زوجي يكره طريقتي في الأكل ويحاول تعليمي طرق جديدة لكيفية الجلوس على المائدة بطريقة (أكابرية) كما يقول، وينتقد طريقتي في الحديث على الهاتف، ويتهمني بالفوضوية والغباء، تخيلي الآن فقط لاحظ كل تلك الأشياء!".
انهيت منال حديثها ملوحة بالطلاق: "لا بأس، تنتهي هذه الأزمة ويفرجها الله".
البقاء في البيت كلمة بسيطة جداً في منظورها العام وقد فرح البعض بفحواها في البداية، وظن أنها إجازة يستمتع فيها بالنوم والطعام ومشاهدة التلفزيون، ولكن بعد مدة قصيرة بدأ الضجر والتأفف من حياة رتيبة مملة لا جديد فيها، وفوق هذا وذاك، الأسرة كلها مجتمعة في مكان واحد... فكيف أثر هذا الواقع على بعض العلاقات الزوجية؟
الخرس الزوجي هو الحل
تضحك أم عبد الله، 44 عاماً، والتي تقيم في برلين وتتحدث عن زوجها فتقول: "لم أعد أهتم بكلامه، فبعد شهر واحد من هذه العطلة الإجبارية، اكتشفت أننا يجب أن نعتاد الصمت. سمعت كثيراً عن مصطلح الخرس الزوجي لكني لم أكن أعرفه، ولم أكن قد جربته، لكنني الآن فهمته تماماً ووجدت أنه الحل السحري لإيقاف الحرب الكلامية الشرسة، تصوري الآن فقط اكتشف زوجي أنني قصيرة وممتلئة، وراح يحاسبني على لقمة الأكل، وحجته أنه يريد مصلحتي كي لا يزيد وزني أكثر خلال فترة الحظر الصحي!".
تتابع أم عبد الله كلامها: "الأكثر إيلاماً، أنه بات يتدخل في طريقة تربيتي للأولاد، مرة يتهمني بأنني دللتهم زيادة عن اللزوم، ومرة يتهمني بالقسوة في معاملتهم، احترت معه وكرهت حياتي بسببه".
وتتابع: "أعجبتني عبارة كتبتها صديقتي على فيسبوك (النساء دوماً يشتكين من أن أزواجهن سُرقن من فلانة أو علانة، يا عمي زوجي موجود تعالوا أسرقوه) بعد هذه الأزمة صرت أتمنى أن تسرقه امرأة وأتخلص من نكده".
هوس جنسي
تزوجت رندا (اسم مستعار)، 21 عاماً، وهي تدرس اللغة الألمانية ومقيمة في كولن، قبل عدة أشهر من أزمة كورونا، وكانت سعيدة جداً مع زوجها كما تقول، ولكن مع توقف زوجها عن العمل وجلوسه الدائم في المنزل، تغيرت الأمور وصار يتأفف من كل شيء، وغير مستعد لعمل أي شيء في البيت غير عمله في السرير ليلا نهاراً، حتى "كرهت نفسها"، حسب تعبيرها.
"إنه شخص طيب جداً وكريم لكن الحظر الصحي وتوقفه عن العمل جعلاه يشعر بالضيق والغضب".
تتابع رندا حديثها قائلة: "أحب زوجي كثيراً، وقد تزوجنا بعد قصة حب دامت ثلاث سنوات، كنت في بداية حياتي سعيدة معه، صباحاً نخرج من المنزل معاً هو لعمله وأنا إلى مدرسة اللغة ونلتقي مساء، لم يكن لدينا أية مشاكل، طبعاً ماعدا بعض النقاشات البسيطة حول تعامل حماتي معي أو عدم اتقاني لفنون الطبخ، لكن الآن صرت أتهرب منه، وكأن كورونا لعنة حلت بنا، فقد اكتشفت كم هو اتكالي ولا مبالي، ولمست بخله العاطفي وهوسه الجنسي، ولا يهمه رأيي بالعلاقة الحميمة وإن كنت بمزاج يسمح بذلك أم لا، وإذا اعترضت يغضب ويتهمني بالبرود".
أضافت رندة بحزن كبير: "أشعر بأن علاقتنا على كف عفريت إذا استمر الحظر الصحي مدة أطول".
لا مساجد في رمضان ولا تراويح
"مع بداية شهر رمضان في ظل وباء كورونا، تعقدت علاقتنا أكثر وبدأت تزداد وتيرة العصبية، خصوصاً مع الصيام وإغلاق دور العبادة والمساجد التي كان يمضي فيها الرجال كثيراً من الوقت"، هذا ما تحدثت عنه أم تامر، وهي ربة منزل في الخمسين من عمرها، تقيم في أمستردام مع أسرتها.
وتابعت بغضب: "صدقيني أخاف من غضبي تجاهه، فهو يتدخل في كل شيء حتى الجلي والطبخ، ولا تتصوري كم أكره دخول الرجل إلى المطبخ لأنه يقلبه رأساً على عقب، لم أعد أجد أغراض الطبخ وأدوات المطبخ".
وتضيف أم تامر: "تباً لكورونا اللعين الذي حبس الرجال في البيوت وأغلق حتى المساجد، ستكبر المشكلة أكثر في رمضان، إذ لا صلاة تراويح ولا دروس دينية، وبلا سيجارة وفنجان قهوة يعني سيزيد خلقه ضيقاً أكثر وعليّ التحمّل، لا أحب التشكي ولكني اختنقت".
"كأن كورونا لعنة حلت بنا، فقد اكتشفت كم هو اتكالي ولا مبالي، ولمست بخله العاطفي وهوسه الجنسي، ولا يهمه رأيي بالعلاقة الحميمة وإن كنت بمزاج يسمح بذلك أم لا، وإذا اعترضت يغضب ويتهمني بالبرود"... نساء يتحدثن عن تأثير الفيروس على علاقاتهن الزوجية
نادمة على الطلاق
في الحظر الصحي صار الوقت أطول والليالي أكثر وحشة، فكان لابد من مراجعة حياتية وإحصاء إيجابيات وأخطاء السنوات الماضية.
"مع أزمة كورونا والحظر الصحي والتزام البيت مع الأولاد شعرت كم الوحدة صعبة، وبصراحة هذه المحنة جعلتني أفكر كثيراً بقصة طلاقي من زوجي وأشعر بالندم"، قالت سحر (اسم مستعار)، 39 عاماً، مقيمة في مدريد، وتعمل نادلة في أحد المطاعم العربية.
تابعت سحر كلامها: "اكتشفت أنني خربت بيتي بدون أسباب موجبة، رغم أني في وقتها كنت أراها كبيرة جداً، ولا يمكن تحملها".
وأضافت: "ليته معي الآن نختلف ثم نتصالح... أين المشكلة إن غضب قليلاً أو تأفف؟ كان بإمكاني استيعابه والتخفيف عنه، أعترف لك أنني كنت كلما رفع صوته يرتفع صوتي أكثر، وهكذا تكبر المشكلة أكثر فأكثر، حتى وصلنا إلى طريق مسدود، خاصة مع تدخل الأهل والأقارب".
أردفت سحر قائلة: "ليته معي الآن وليغضب كما يشاء، أتوق الآن لوجوده وغضبه، أتوق لمصالحته لأضع رأسي على صدره فأشعر بالأمان وأغفو قربه".
"مع أزمة كورونا والحظر الصحي والتزام البيت مع الأولاد شعرت كم الوحدة صعبة".
شرقية موجعة
وكما يبدو فإن فيروس كورونا كشف الغطاء عن المفاهيم المتأصلة في هوية الإنسان، والتي كان يجمّلها أو يخفيها أحيانا بشعارات براقة سقطت عند أول امتحان.
"فقدانه لعمله بسبب جائحة كورونا غير طباعه كثيراً، فصار حاد المزاج غاضباً من كل شيء، يضرب الأولاد لأتفه سبب، يلعن كل شيء، يركل بقدمه كل ما يعترض طريقه، وأحياناً ألمح الدموع في عينيه"، تقول لامار (اسم مستعار)، 28 عاماً، وهي ممرضة تعمل في مستشفى خاص، بالقرب من مدينة روتردام الهولندية.
وتتابع: "إنه شخص طيب جداً وكريم لكن الحظر الصحي وتوقفه عن العمل جعلاه يشعر بالضيق والغضب، خاصة لأنني ما زلت أذهب للعمل، ويضطر هو للبقاء في البيت مع الأولاد، يجهز لهم الطعام ويغير ملابسهم ويتحمل خلافاتهم مع بعضهم، فهذه أطول فترة يمضيها معهم، وأول مرة يبقى في البيت وأنا خارجه، يبدو أن شرقيته أوجعته كثيراً".
تضحك لامار وهي تختم حديثها: "ليس بيدنا كل ما يحدث معنا، الوضع أكبر مني ومنه، وعلينا الصبر حتى تمر هذه الفترة العصيبة، لذلك أحاول ضبط النفس قدر استطاعتي، فأنا أحبه كثيراً ومقدرة لحالته النفسية، ولا أستطيع القول إلا كان الله بعوننا جميعاً".
ما بين إيجابيات الحظر الصحي الذي ساهم بتخفيف التلوّث الهوائي في العالم، وما بين سلبياته التي افقدت ملايين البشر وظائفهم، تبقى العلاقات الزوجية مثار جدل بين صدّ ورد: هل كان للفيروس دور إيجابي أم سلبي في تلك العلاقات، وهل سيشهد العالم بعد تلك الأزمة انقلاباً كلياً للمفاهيم والأعراف الاجتماعية؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...