يهلّ شهر رمضان المبارك من كل عام، ليبدأ كالعادة موسم الدراما العربية في البث عبر شاشات التلفزيون، والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكل عام ما يميزه، وكانت للدراما الفلسطينية بصمتها هذا العام، في إنتاج مسلسل يحمل اسم "عنقود".
عن الفكرة العامة للمسلسل، يقول مخرج العمل الفلسطيني حسام أبو دان، والذي يعمل في مجال صناعة الأفلام الوثائقية الدرامية، لرصيف22: "تدور فكرة المسلسل حول مجموعة من أهالي حارة معينة، تقطن الحدود الشرقية للقطاع، يتم حصارهم داخل عيادة طبية بعد نشوب حرب برية بشكل مفاجئ، ما يضطرهم مرغمين على المكوث بداخلها لمدة ستة أيام دون علم أحد، ويعيشون ظروفاً صعبة وقاسية، وتنتهي الأمور باحتلال العيادة، وتحريرهم بطريقة معينة، وهي قصة مستوحاة من أحداث حقيقية".
ويشير أبو دان إلى أنهم ركزوا في عملهم على "الجانب الإنساني"، في محاولة لتعويض ما لا تستطيع نشرات الأخبار والتقارير الصحفية أن تعرضه، متمثلاً في واقع قطاع غزة كما يعيشه سكانها في يومياتهم، والحصار المفروض منذ 14 عاماً، ظروفهم في الحرب، حالة التلاحم بينهم، هجرة الشباب، وإظهار جوانب الحياة اليومية في الأمل والحزن والحب.
"شاهدت أول خمس حلقات من "عنقود"، رأيت وجوهاً قديمة من الفنانين في المسلسل، وشخصيات شابة جديدة، شعرتُ بالفخر، هذا العمل من إنتاج غزة"
وعن اسم المسلسل، يحمل أبو دان نظرة خاصة لـ"عنقود"، فهو "يشير لمعنى حشد أو تجمّع أجزاء صغيرة مع بعضها، فكانت الفكرة من تجمّع الناس المحاصرين داخل العيادة باختلاف أفكارهم وميولهم، فشكَّلوا بتوحدهم تجمعاً أشبه بالعنقود، حيث كان الاسم نكرة دون أل التعريف لإبرازه، وتفرد تفاصيل أحداثه عن أي عنقود نقابله في الحياة".
"صوّرنا في البيوت والشوارع"
"الممثلون الذين جسّدوا الأدوار في المسلسل هم من الممثلين الغزيين القدامى، الذين مّر عليهم فترة من الزمن دون إبرازهم، ودُفنت إبداعاتهم بسبب قلة الإنتاج الدرامي في فلسطين، وبشكل خاص في غزة، فوجدنا شخصيات نجومية لديها إمكانية التمثيل والأداء، في غزة المليئة بالمواهب والفنانين، لكن الفرصة كانت لم تأتهم بعد"، يقول أبو دان.
وشاركت في العمل الفنانة الفلسطينية دلال أبو آمنة، في شارة المسلسل، وهي منتجة ومغنية بارزة في الأعمال التراثية والشعبية، ومعروفة باهتمامها بالقضية الفلسطينية، وقد عبَّرت عن فرحها الشديد بمشاركتها في شارة مسلسل "عنقود" عبر صفحتها على موقع "فيسبوك": "لي كل الشرف أن أكون جزءاً من هذا العمل الفلسطيني الغزاوي العظيم، وأن أغنى بلسان أبناء غزة المحاصرة، في مسلسل رائع يحكي قصة حقيقية مؤثرة وقعت خلال الحرب".
#عنقود
#كليب_جديد
#غزة
لي كل الشرف ان اكون جزءا من هذا العمل الفلسطيني الغزاوي العظيم <3
وأن اغني بلسان ابناء غزة...
Posted by Dalal Abu Amneh - دلال أبو آمنة on Saturday, 25 April 2020
من جهة أخرى، يشكو أبو دان المشاكل والصعوبات التي واجهتهم خلال تصوير المسلسل، وهو عدم توفر أماكن مخصصة للإنتاج السنيمائي، وعدم وجود مدينة للإنتاج الاعلامي أو مساحات واسعة، حيث كان التصوير يتم في البيوت والشوارع العامة، بين الغزيين في ظل الحياة الطبيعية، وكان ذلك يتطلب وقتاً وجهداً أكبر في العمل من حيث التجهيز والتنسيق، وكان التحدي الأكبر لفريق العمل أن تتواجد كاميرات أقرب للسينما وإكسسواراتها، مثل: عدسات السينما، وجهاز فولو فوكس.
يقول أبو دان: "من الصعب أن تأتي هذه المعدات إلا من خارج غزة، لكن التغلب على الحصار المفروض على القطاع والمعابر، كان أقوى لإنتاج هذا العمل الفلسطيني الدرامي، والتكيف مع المعدات الموجودة في غزة".
وحاز المسلسل على إعجاب بعض من المغردين على موقع تويتر، معبرين عن آرائهم في الحبكة، الأداء التمثيلي، استخدام الهندسة الصوتية، التصوير وإخراج شكل جديد للدراما الفلسطينية.
"نقلة في الدراما الفلسطينية"
اعتبرت وسام ياسين، إعلامية وممثلة فلسطينية، المسلسل "نقلة نوعية في الدراما الفلسطينية"، وأعربت عن أسفها لعدم استطاعتها المشاركة بسبب عدم تواجدها في القطاع أثناء التصوير.
تقول ياسين لرصيف22: "المسلسل وصل مراحل عالية في تقنية التصوير والكوادر وأداء الممثلين، والمثل يقول "الجواب بيبان من عنوانه" فعندما نفتح في البداية شارة المسلسل، وبمشاركة الفنانة الفلسطينية دلال أبو آمنة، من كلمات الأغنية وألحانها، وطريقة عرض الشارة التي أخذت من مشاهد خاصة، وليست من المسلسل، فهي معبرة ورائعة جداً مقارنة بنظيراتها اللبنانية مثلاً".
وتتابع ياسين: "من خلال مشاهدتي للحلقة الأولى، كتبت عبر صفحتي على فيسبوك منشوراً أفتخر فيه بهذا العمل الفلسطيني والمستوى الراقي".
تابعت الحلقة الأولى من مسلسل #عنقود الفلسطيني والذي أنتج ونفذ في قطاع غزة
حقيقة كلي فخر بمستوى المسلسل بداية من شارة...
Posted by Wesam Yasin on Saturday, 25 April 2020
وعن وجهة نظرها الفنية في المسلسل، تشرح ياسين أكثر: "رغم عدم تواجد مدربين للممثلين، إلا أن أكثر شيء لفت نظري هو الكوادر الواسعة في التصوير، مثل السماء ومشاهد السيارات حتى في الأماكن الضيقة والبيوت، فكانت المشاهد مأخوذة بطريقة صحيحة، مثل وجه الممثلة واضح في المرايا الصغيرة التي كانت بين يديها، تفاصيل جميلة جداً، وعندما نسمع الموسيقية التصويرية، التتر والكلمات واللحن والكوادر والاخراج والتنوع في وجود عنصر نسائي في المسلسل، واستخدام لغة يفهمها المثقفون في بعض المشاهد".
وطرح وجهات نظر الشباب المتعلقة بالحرب والمقاومة في المسلسل، أثار إعجابها أيضاً، واعتبرته مشرفاً للإنتاج الفلسطيني.
"لمن تقدمون المسلسل؟"
يختلف المخرج الفلسطيني عبد الرحمن صباح (38 عاماً) في رأيه عن المسلسل مع ياسين، يقول: "افتقر مسلسل عنقود لصناعة الحوار الذي كان يكمل المشهد، وليس أساس المشهد، ويفتقر أيضا إلى الارتقاء لكل فئة من المشاهدين حسب الرسالة التي تريد أن تصل، فكان التشتت واضحاً خاصة في الحلقات الأولى، التي يجب أن تكون العمود الرئيسي للمسلسل، وعدم مراعاة اختيار الشخصيات المناسبة للأدوار".
وينتقد صباح أيضاً "الإبهار البصري" الذي صنع حالة تجذب المشاهد، ولكن تنسيه تفاصيل هامة في المشهد، وكذلك عدم وعي صناع المسلسل بالجمهور المعني بالعرض، يتساءل: "لمن سوف يقدم المسلسل، هل هو العمل محلي أو يخاطب فيه العالم العربي؟ هل قدمت شيئاً جديداً أو قدمت الواقع كما هو؟".
ويستدرك صباح في حديثه لرصيف22، متفهماً الوضع والسياق الذي جاء فيه المسلسل، قائلاً: "بالرغم من ذلك لا ننسى مهاجمة القضية الفلسطينية من خلال صناعة السينما بشكل عام، حيث كان أكثر من خمسة آلاف فيلم ومسلسل يتناول الصراع العربي، دائما فلسطين هي الجلاد، واتهامنا بأننا شعب عنصري وقتلة لا يوجد لدينا إنسانية، ونحن نعاني في الوسط الفني الفلسطيني أننا غير قادرين على التنافس مع الغرب في الاتجاه الدرامي، لكن في ظل انتكاسة الوسط الفني والإنتاج المحلي في شهر رمضان، وشُحّ الامكانيات لصناعة السينما".
"شعرت بالفخر والسعادة"
انتاب عماد أبو شاويش (34 عاماً)، صحفي حر، شعوراً بالفخر عندما شاهد مسلسلاً فلسطينياً، ورأى فيه وجوهاً معروفة وأخرى شابة، يقول لرصيف22: "شاهدت أول خمس حلقات منه، ورأيت وجوهاً قديمة من الفنانين في المسلسل، وشخصيات شابة جديدة، شعرت بالفخر، هذا العمل من إنتاج غزة، خاصة في ظل ترهل وعدم وجود سينما".
لم يستطع أبو شاويش أن يمنع عن نفسه مشاعر السعادة الغامرة في كل مرة يشاهد المسلسل، منذ بداية التتر، يقول: "بدأت بمشاهدة المسلسل، فكانت البداية جميلة عندما وجدت شارة المسلسل من غناء الفنانة دلال أبو آمنة، ابنة فلسطين، ومن كلمات وألحان أبناء غزة، ثم المشهد الثاني عندما كان الدكتور يتكلم مع ضميره في المسلسل، شعرت بالسعادة بأن قضيتُنا أصبحنا نشاهدها عبر الدراما الفلسطينية".
وينهي صباح حديثه قائلاً: "استطاع أحد الغزيين إنتاج هذا المسلسل بفكرته وإخراجه بشكل جيد، فلن تنتج الأعمال الصادقة إلا من أصحاب القضية، ولا ننتظر من أحد أن يروي قصتنا عبر المسلسلات والأفلام سواء العربية أو الغربية، نحن فقط بحاجة إلى من يدعم السينما والدراما الفلسطينية لأنها قادرة على الإنتاج والإبداع".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...