من بين 24 مسلسلاً مصريّاً ضمن سباق الدراما الرمضانيّة في 2019، لا تجد ناهد سمير، عملاً دراميّاً جيّداً، فقرّرت العودة إلى دراما الثمانينيات والتسعينيات.
ناهد ليست وحدها، هناك آخرون عزفوا عن مشاهدة مسلسلات رمضان 2019، بعضهم قرّر مشاهدة أعمالٍ قديمة، والبعض الآخر قرّر اللجوء إلى منصّات المشاهدة الإلكترونيّة كـ"نتفليكس" ومتابعة أعمالٍ أجنبيّة، فما الأسباب التي دفعت هؤلاء إلى مقاطعة دراما هذا العام؟
ناهد سمير، مدير محتوى في شركة إنتاج، لا تشاهد أيّاً من أعمال رمضان 2019، وإنما تشاهد مسلسل "أرابيسك" الذي عُرض لأوّل مرّة في عام 1994، وهو من بطولة الفنان صلاح السعدني وهدى سلطان.
تقول سمير لرصيف 22 إن سبب اتجاهها لمشاهدة أعمالٍ دراميّةٍ قديمة، هو سوء وضعف الدراما الرمضانيّة المصريّة هذا العام، "لأنه في منتِج عامل احتكار للمسلسلات وفي لجنة دراما بتقول كلام عجيب".
يُشار إلى أن شركة سينرجي، تنتج وحدها 15 مسلسلاً من إجمالي 24 عملاً يُعرضون على الشاشات الفضائيّة المصريّة، وهي تتبع مجموعة "إعلام المصريّين" التي تمتلك أغلب شبكات القنوات الفضائيّة المصريّة، مثل "سي بي سي" و"الحياة"، و"أون إي"، إضافةً إلى مواقع إلكترونيّةٍ وصحفٍ ومحطاتٍ إذاعيّة.
أعمال مثل "أرابيسك"، و"ليالي الحلميّة"، و"عيون"، تعيش لسنوات في الذاكرة، لأن صنّاعها كانوا يعرفون "يعني إيه دراما".
وتتبع مجموعة "إعلام المصريين" لشركة إيجل كابيتال للاستثمارات الماليّة، وهي شركة مساهمةٍ مصريّةٍ تأسّست في العام 2016، وتشير تقارير صحفيّةٍ محليّة إلى أنها تتبع جهةً حكوميّةً سياديّة.
ولا يوجد، بحسب ما ترى سمير، أعمال مثل "أرابيسك"، و"ليالي الحلميّة"، و"عيون"، تعيش لسنوات في الذاكرة، ولهذا مشاهدة مسلسلات قديمة "باقية وهتبقى"، حسبما تقول، لأن صنّاعها كانوا يعرفون "يعني إيه دراما".
بجانب "أرابيسك" تشاهد "سمير" المسلسل الكوميدي "عيون" وهو إنتاج العام 1980، ومن بطولة الفنان فؤاد المهندس، ومسلسل "وإنت عامل إيه" وهو مسلسل كوميدي أيضاً من إنتاج العام 1997، بطولة الفنان محمد هنيدي، وعلاء ولي الدين، وهالة فاخر.
"الفرجة على المسلسلات الأجنبي بتخلّيك متعوّد على مستوى عالي من المحتوى الدرامي".. هكذا يبرّر محمود حافظ، مهندس وروائي مصري (27 عاماً) عدم مشاهدته للمسلسلات المصريّة التي تبثّها القنوات الفضائيّة في رمضان، حيث يرى أنها "دون المستوى".
يعترف مؤلّف رواية "بنت نبي" بأنه كان ينوي مشاهدة مسلسل "زلزال" لكنه غيّر رأيه عندما قرأ بياناً أصدره الروائي والسيناريست عبد الرحيم كمال، اشتكى فيه من عدم التزام المخرج بنصّه وتدخّلاته "بشكلٍ سافرٍ وغير فنّي"، ما أضرّ بشكل ومضمون الموضوع الأصلي للعمل وصياغته.
"زودياك" مغامرة شبابية بتكلفة محدودة
لجأ حافظ إلى إحدى منصّات المشاهدة لمتابعة مسلسل "زودياك"، وهو مسلسل مصري تكلفته الإنتاجيّة محدودة وأبطاله من الشباب ولا يحسب ضمن قائمة مسلسلات رمضان 2019، حيث لا يُذاع على أيّ قناةٍ فضائيّة، وإنما على إحدى منصّات المشاهدة الإلكترونيّة.
"الفرجة على المسلسلات الأجنبي بتخلّيك متعوّد على مستوى عالي من المحتوى الدرامي".. هكذا يبرّر محمود حافظ، مهندس وروائي مصري (27 عاماً) عدم مشاهدته للمسلسلات المصريّة التي تبثّها القنوات الفضائيّة في رمضان
ويتتبع "زودياك" مغامرة مجموعةٍ من الشباب الذين يقعون ضحيةً للعنةٍ فرعونيّةٍ قديمة، وهو مقتبس عن مجموعة قصصية للكاتب المصري الراحل أحمد خالد توفيق تحمل اسم "حظّك اليوم".
يشير حافظ إلى أن المسلسل مكوّن من 15 حلقة، ويتابعه لأنه يحبّ أعمال الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، ولأن العمل "مبذول فيه جهد عالي"، رغم بعض أخطاء الكتابة وبعض المشاكل في حركة الكاميرا.
أحمد عبده، 23 عاماً، كان ينتظر مشاركة الفنان يوسف الشريف في السباق الدرامي هذا العام إلا أن نجمه المفضل لم يشارك، لا يتابع أيّاً من مسلسلات رمضان 2019، وقرّر متابعة المواسم الثمانية من مسلسل صراع العروش "Game of thrones" دفعةً واحدة، بالتزامن مع حالة الزخم التي يشهدها العالم بعد عرض الموسم الأخير من المسلسل.
ويشير عبده إلى أن استحواذ شركة إنتاجٍ واحدة، لها توجّه سياسي داعم للنظام على دراما رمضان هذا العام، دفعه لعدم مشاهدة أيّ مسلسلاتٍ مصريّة خلال هذا العام.
استحواذ شركة إنتاجٍ واحدة، لها توجّه سياسي داعم للنظام على دراما رمضان هذا العام، دفعه لعدم مشاهدة أيّ مسلسلاتٍ مصريّة هذا العام.
أما عبد الله إبراهيم، طالب بإحدى كليّات الإعلام، فيرى أنَّ الفترة الأخيرة شهدت انحدار القيمة الفنيّة والمضمون، ما خفض من شغفه لمتابعة مسلسلات رمضان مثلما كان يتابعها في السابق.
ويقول إبراهيم، البالغ من العمر 22 عاماً، إنه لو كان يشاهد بعض الأعمال على موقع يوتيوب "من باب التسلية" فالآن أصبح الأمر غير متاحٍ مع عدم عرض غالبية مسلسلات رمضان 2019 (المسلسلات التي تنتجها شركة سينرجي) على اليوتيوب وعرضها على منصّةٍ جديدة باشتراكٍ شهري.
يتابع إبراهيم خلال شهر رمضان بعض المسلسلات الأجنبيّة وهي Breaking Bad، Prison Break، والموسم الأخير من game of thrones.
كانت الشركة المتحدة المملوكة لمجموعة "إعلام المصريين" قد أطلقت تطبيق "واتش إت" لمشاهدة المسلسلات الرمضانيّة مقابل اشتراكٍ شهري، بهدف التصدّي لسرقة حقوق الملكيّة الفكريّة للأعمال الفنيّة، وبالتزامن مع ذلك حجبت السلطات المصريّة مواقع المشاهدة التي تعرض المسلسلات الرمضانيّة، لكن التطبيق تعرّض لاختراقٍ من قبل قراصنةٍ إلكترونيين في الأيام الأولى من إطلاقه.
"لن ندفع أموالنا لمنتج سيء"
وفي تصريحات لموقع "BBC" اعتبر محمود عزت، ممثل ومخرج مصري، حجب المواقع التي تعرض المسلسلات الدراميّة عن المستخدمين وعرضها حصرياً مقابل مبالغ من المال هي "فكرة تجاريّة ليس لها علاقة بالفنّ".
عبد الله إبراهيم وكذلك ناهد سمير أكّدا أنهما لن يدفعا أموالاً لمشاهدة الأعمال المعروضة على تطبيق "واتش إت"، التي لا تقدّم، بحسب رأي سمير، محتوى مثل "Netflix"، لذا فالأفضل مشاهدة عملٍ جيّدٍ وممتع حتى لو كان هذا العمل "قديماً".
محمد مختار، منتج وممثل مصري، دخل عالم الإنتاج السينمائي في العام 1980، يرى أن عزوف نسبةٍ كبيرةٍ من الجمهور عن مشاهدة مسلسلات رمضان 2019 واتجاه بعضهم لمتابعة أعمالٍ قديمةٍ أو مسلسلاتٍ أجنبيّة، سببه كون الأعمال الدراميّة في هذا العام دون المستوى.
ويقول مختار، الذي كان قبل دخوله عالم التمثيل والإنتاج الفنّي يعمل دبلوماسيّاً في جامعة الدول العربيّة، لرصيف 22، إن مستوى مسلسلات هذا العام غير جيّد، والأعمال متشابهة، ولا يوجد تنوّع، فيما كان هناك عددٌ أكبر وتنوّع أكثر في السنوات السابقة، معتبراً أن إنتاج شركةٍ واحدةٍ لمعظم أعمال 2019 سببٌ في ذلك.
لا يشاهد منتج أفلام "الباطنية" و"مهمّة في تل أبيب" و"بونو بونو" سوى مسلسلين فقط في رمضان 2019، حيث يقول: "مش بشوف غير "ولد الغلابة" و "زي الشمس"، موضّحاً أنه لا يشاهدهما لأنهما الأفضل، ولكن لأنهما يعرضان في وقتٍ مناسبٍ له لمشاهدتهما.
رقابة صارمة واحتكار إنتاجي
منتج آخر فضّل عدم ذكر اسمه، أرجع عزوف المشاهدين عن مشاهدة مسلسلات 2019 إلى تحكّم جهة إنتاجٍ واحدةٍ في سوق الدراما المصريّة لهذا العام، وقال إن "تحكّم جهةٍ واحدةٍ ظاهرةٌ غير صحيّة"، مشيراً إلى أن هذا التحكّم أدى إلى وجود أعمالٍ متشابهةٍ وغياب عددٍ كبيرٍ من النجوم كنا نشاهدهم في السباق الرمضاني كلّ عام، مثل الفنانة نيلي كريم، التي قدّمت أعمالاً رمضانيّة منذ العام 2013.
وأضاف المنتج الذي سبق وقدّم عدداً من الأعمال الفنيّة الناجحة: "لما يكون عندك جهة واحدة بتنتج، بتتحكّم في المحتوى المعروض" تكون النتيجة أعمالاً رديئة، موضّحاً أن هذه الجهة تضع شروطها في الأعمال التي ستتكفّل بإنتاجها، ولهذا كانت النتيجة أن معظم الأعمال متشابهةٌ ولا يوجد تنوّع في الأعمال.
أما السيناريست الشاب محمد أبو السعد، أحد مؤلّفي مسلسل "الزوجة 18" الذي يعرض في رمضان 2019، فيرى أن اتجاه شريحة من الجمهور لمتابعة أعمالٍ سابقةٍ قد يرجع إلى "النوستالجيا" التي تسيطر على نسبة من هؤلاء، مضيفاً: "مش شرط مسلسلات السنة دي مش عجباهم".
وأشار أبو السعد إلى أن الهجوم على المسلسلات قبل عرضها وتوجيه النقد لها والحديث عن أنها دون المستوى سبب أيضاً في عزوف شريحةٍ من الجمهور عن متابعة الدراما الرمضانيّة.
وتحدّث مؤلف مسلسل "الزوجة 18" الذي يقوم ببطولته الفنان حسن الرداد، إلى أن طول مدّة الفواصل الإعلانيّة تدفع البعض إلى العزوف عن مشاهدة التلفاز والاتجاه إلى تطبيقات ومواقع المشاهدة على الإنترنت ومتابعة المتاح على هذه المنصّات، معترفاً بأن "الإعلانات مُملّة" لكنها في نفس الوقت "وسيلة الربح للقنوات".
ويوضح أبو السعد أنه يشاهد المسلسل الذي شارك في تأليفه على أحد تطبيقات الهواتف المحمولة، لافتاً إلى أن "الاتجاه نحو نتفليكس والمواقع المشابهة هو المستقبل" لذا من الطبيعي أن نرى الآن نسبةً من الجمهور تعزف عن مشاهدة التلفزيون وتتجه لمشاهدة أعمالٍ على هذه المنصّات في شهر رمضان.
"مصر تفقد جزءاً من قوّتها الناعمة"، هذا ما يراه السيناريست والصحفي المصري هشام أبو المكارم، في تصريحاتٍ نقلها موقع "روسيا اليوم".
يشرح أبو المكارم وجهة نظره أكثر: الدولة قلّصت هذا العام عدد المسلسلات التي يتمّ إنتاجها، ومنحت شركةً واحدةً تابعة لها احتكار غالبية هذه الأعمال، بل وتدخّلت في المحتوى بدعوى الحفاظ على القيم والأخلاق، وهو ما يعد ردّة عما حقّقه الفنّ المصري خلال السنوات الماضية وفرضاً للوصاية على الإبداع.
ويعتقد أبو المكارم أن ما حدث هذا العام يعود بالفنِّ المصري خطواتٍ إلى الخلف ويفقد مصر جزءاً آخر من قوّتها الناعمة التي كانت تتمتع بها، من ثمّ لا بدّ من إعادة النظر في المنهج الذي تتبعه مصر حالياً، بحيث تُترك العمليّة الإنتاجيّة للمنافسة الحرّة بين شركات الإنتاج، وترفع رقابتها الصارمة المفروضة حالياً على الإبداع، وفي مقدّمته الفنّ السينمائي والتلفزيوني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...