أقيمت وليمة عبّاسيّة في فندق البريستول في بيروت عام 2016 عاين فيها نحو مائة مدعوٍ من نخبة المثقّفين والأكاديميّين العرب والأوروبيّين والأميركيّين كيف كان يأكل الخلفاء والأمراء العبّاسيّون. هي رحلة عبر العصور فريدة من نوعها. رعى الحفل يومها الأكاديميّة العربيّة الألمانية للباحثين الشباب AGYA: Arab-German Young Academy وإدارة فندق البريستول.
لكلّ طبق قصّة وتاريخ حافل ينمّ عن حضارة غنيّة أدبًا وذوقًا وفنًّا
واللذّات كثيرة: الطعام والشراب واللباس والطيب والسماع وغيرها، لكنّ أشرفها وأعلاها مرتبةً على الإطلاق هو الطعام. هكذا يخبرنا محمّد بن الحسن الكاتب البغدادي (ت 1239م) في مقدّمة كتاب الطبيخ ومعجم المآكل الدمشقية. يرتبط الطعام يرتبط بهذه الملذّات أو أنها تحيل بشكلٍ أو بآخر إليه، ولذا هو أعلاها مرتبةً. وقد وصلنا عدد لا بأس به من كتب الطبيخ في التراث العربيّ بعضها يعود إلى الفترة العبّاسيّة، (وصفات من أطعمة عصور الخلافة وأشربتها) وتطالعنا كتب الأدب والتاريخ بمئات القصص والأشعار والأخبار المتعلّقة بالطعام وولائم الخلفاء(ولائم هارون الرشيد الأسطورية).
تعرّف المدعوّون إلى أكثر من عشرين طبقًا تاريخيًّا من الثقافة العربيّة الإسلاميّة كالسكباج والمضيرة والجذابة واللوزينج والفالوذج. تحضر هذه الأطباق في كتب التاريخ والأدب العربيّين وقد شغلت بال الدارسين والمتذوّقين على مدى قرون طويلة. أعدّت الوليمة الطباخة العالميّة والباحثة بريجيت كالاند، وقد تخصّصت كالاند في تحضير الأطباق التاريخيّة من الحضارة البابليّة القديمة وحتّى بدايات العصر الحديث. وقد أشرفت كالاند على إعداد لائحة الأطباق والتنقيب عن الوصفات وطرق التحضير الأنسب في كتب التاريخ. حاولت كالاند قدر الإمكان المحافظة على المكوّنات وطرق التحضير التاريخيّة مع مراعاة الذوق الحديث.
عُرضت الأطباق بطريقة يُظهر المنافسة التاريخيّة بينها، كالمنافسة التاريخيّة بين اللوزينج والفالوذج والمنافسة بين المضيرة والسكباج. لكلّ طبق قصّة وتاريخ حافل (من مضيرة معاوية إلى عاشوراء الأيوبيين) ينمّ عن حضارة غنيّة أدبًا وذوقًا وفنًّا.
اللذّات كثيرة: الطعام والشراب واللباس والطيب والسماع وغيرها، لكنّ أشرفها وأعلاها مرتبةً على الإطلاق هو الطعام. هكذا يخبرنا محمّد بن الحسن الكاتب البغدادي (ت 1239م) في مقدّمة كتاب الطبيخ ومعجم المآكل الدمشقية... اخترنا منه وصفات لأطباق عبّاسية كالسكباج والمضيرة والجذابة واللوزينج والفالوذج
حَيْس
يؤخذ الخبز النقي اليابس أو الكعك ويُدَق جيدًا، وليكن منه رطل، ومن التمر الآزاذ أو المكتوم نصف أو ربع رطل، وليكن منزوع النَّوى، ومن لُبِّ اللوز أو الفستق المدقوقَين ثلاث أواقٍ، ويُمرس الجميع باليد مرسًا جيدًا قويًّا، ثم يُخلع من الشَّيْرَج أوقيتان وتُسكب عليه، ولا يزال يُمعك باليد حتى يختلط، ويُعمل منه كبب وتُرمل في السكر المدقوق ناعمًا، ومن أراد جُعل عوض الشَّيْرَج سمنًا، وهذا يصلح للمسافرين.
قريشة
يؤخذ ماء الجبن إذا عُصر، فيُجعل في قدر يوقد تحته بنار ليّنة، ويُرشّ عليه من اللبن الحليب على كلّ رطل أوقيتين، وتنزله عن النار، وتأخذ الصفوة عن وجهه، وترمي بالباقي، فإنّه قريشة طيّبة.
مزوّرة
تُأخذ قرعة طريّة فتقشّرها تقشيرًا حسنًا وترمي بداخلها وما فيها من الحبّ وتقطّعها أمثال الفصوص وتلقيها في قدر نظيفة وتقطّع عليها بياض بصل، ويسير ملح حلو، وعود دارصيني، وتصبّ فيها من الشيرج المقشور شيء صالح، وتلقي فيها أوقيّة من سلق مسلوق مدقوق، وأوقيّتين ماء طيب، وتُلقي فيها كزبرة ودارصيني مدقوقة، وتخثرها بلباب الخبز، وتقدّمها، إن شاء الله.
باذنجان بوران
بوران هذه هي ابنة الحسن ابن سهل وهي زوجة الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد، وسميت الكثير من الأكلات الموجودة التي تعود إلى العصر العباسي باسمها ربما لأنها طبخت أولاً في مطابخ قصرها.
صنْعته: أن يؤخذ الباذنجان فيُسلق في ماء وملح سلقةً خفيفة ثم يُخرج ويُنَشَّف ساعة، ثم يُقلى بالشَّيْرَج الطري حتى ينضج، ويُقشَّر من قشره ويُترك في صحن أو قدح كبير ويُضرب بملعقة جيدًا حتى يصير مثل الخبيص، ويُلقى فيه يسير من ملح وكُسْفَرَة يابسة، ثم يؤخذ اللبن الفارسي ويُخلط به الثوم، ويُلقى على ذلك الباذنجان ويُخلط جيدًا به، ثم يؤخذ اللحم الأحمر ويُدَق ناعمًا ويُكَبَّب صغارًا، وتُسلى الأَلْيَة الطرية ويُشرَّح اللحم فيها ويُحرَّك حتى يتورد، ثم يُغمر بماء ويُسلق حتى ينشف الماء ويعود إلى دهنه، ويُجعل على وجه الباذنجان، ويُذَر عليه الكمُّون والدارصيني مدقوقَين ناعمًا ويُستعمل.
هريسة
صنْعتها: أن يؤخذ من اللحم السمين ستة أرطال فيُقطَّع قطعًا مستطيلة وتُلقى في القِدْر مغمورة بماء، ويوقد تحتها حتى تقارب النضج، ثم تُخرج فيُزال اللحم عن العظم ويُنسل ويعاد إلى القِدْر، ويؤخذ من الحنطة الجيدة النقية المقشورة المنقَّاة المدقوقة المغسولة أربعة أرطال فتُطرح عليها، ثم يوقَد تحتها وقودًا متصلًا في أول الليل إلى الربع ولا يزال يُحرَّك ثم تُترك على نار جيدة، ويُطرح فيها دجاج مُقطَّع على مفاصله وعيدان دارصيني وتُترك إلى نصف الليل، ثم تضرب ضربًا جيدًا حتى تنعقد انعقادًا سلسًا (فإن شدة الانعقاد عيب فيها) ويُلقى فيها من الملح حسب الحاجة، وإن احتاجت إلى ماء زِيدت ماء حارًّا، وتُترك إلى الفجر ثم يعاد ضربها، ثم تُرفع وتُسلى الأَلْيَة الطرية وتُجعل على وجهها إذا عُرِّقت، ويُلقى عليها أيضًا الكمُّون والدارصيني المدقوقَين ناعمًا كل واحد بمفرده، وتؤكل بالمُرِّيِّ العتيق وماء الليمو الطري، وعملها في التنُّور خير من عملها على كانون.
الفالوذج
يؤخذ رطل سكر وثلث رطل لوز، فيُدَق الجميع ناعمًا، ثم يُطيَّب بالكافور، ويؤخذ ثلث رطل سكر فيذاب بنصف أوقية ماء ورد على نار هادئة ثم يُرفع، فإذا أفترت حرارته طُرح عليه السكر واللوز المدقوق، وعُجن به، فإن احتاج إلى تقوية زِيد سكرًا ولوزًا، ثم يُعجن عجنًا قويًّا ويُعمل منه أوساط ويُطبخ وشوابير وغير ذلك، ثم يُصَف في صحن أو طبق ويُستعمل.
لوزينج
يؤخذ رطل سكر فيُسحق ناعمًا، ويؤخذ ثلث رطل لوز مُقَشَّر فيُسحق أيضًا ناعمًا، ويُخلط مع السكر ويُعجن بماء الورد، ثم يؤخذ من الخبز المرقَّق كخبز السنبوسك، وإن كان أرقَّ فهو أجود، فيُبسط الرغيف من ذلك الخبز ويُجعل عليه اللوز والسكر المعجون، ثم يُطوى كالسير ويُقطَّع قطعًا صغارًا ويُصَف، ويُخلع الشَّيْرَج الطريُّ حسب الحاجة، ويُجعل عليه، ثم يُغمر بالجلَّاب الذي قد أُضيفَ إليه ماء الورد، ويُنثر عليه الفستق المدقوق ناعمًا.
المَضِيرَة
صنْعتها: أن يُقطَّع اللحم السمين أوساطًا «مع الأَلْيَة، وإن كان فيه فراخ قُطِّعت على مفاصلها»، ثم يُجعل في القِدْر مع يسير ملح وغمرة ماء، ثم يُغلى وتُزال رغوته، فإذا قارب النضج يؤخذ البصل الكبار والكُرَّاث النبطي الكبار أيضًا فيُقشَّر، وتُقطَّع أذنابه ثم يُغسل بماء وملح ويُنَشَّف ويُطرح في القِدْر، ويُطرح عليه الكُسْفَرَة اليابسة والكمُّون والمُصْطَكَى والدارصيني المدقوقة ناعمًا، فإذا نضج ونشف الماء منه ولم يبقَ سوى الدهن غُرِف في صحن، ثم يؤخذ من اللبن الفارسي قدر الحاجة فيُلقى في القِدْر «ويُجعل فيه الليمو المملوح والنعنع الطري» ويُترك حتى يُغلى غلية، ثم تُسكن النار عنه ويُحرَّك، فإذا سكن غليانه أعيد ذلك اللحم والتوابل إليه، ويُغطى رأس القِدْر، وتُمسح جوانبها وتُترك حتى تهدأ على النار وتُرفع.
سنبوسج
وأما السنبوسج فهو أن يؤخذ اللحم الموصوف في عمل المقلوبة ويُقطَّع الخبز الرقيق المتَّخَذ لذلك، ويُحشى باللحم المذكور بعد أن يُقطَّع سيورًا ويُعمل مُثَلَّثًا، ثم يُلصق بيسير عجين، ويُلقى في الشَّيْرَج ثم يُرفع.
وأما الذي يُسمَّى «المكَلَّل» فهو أن يُحشى عوض اللحم بالسكر واللوز المدقوقَين ناعمًا المعجونَين بماء الورد، أو بالحلواء الصابونية ويُقلى، ومن الناس من يخرجه من الشَّيْرَج فيجعله في الجلَّاب، ثم يرفعه منه ويُتركه في السكر المدقوق ناعمًا المطيَّب بالمسك والكافور لمن أراده.
شوابير
يؤخذ مقلًى مدوَّر قائم الجانب، ويُلقى فيه قدر أوقيتين شَيْرَجًا، فإذا أُغلي طُرح عليه قدر ثلاث أواقٍ عسلًا، ثم يؤخذ نصف رطل دقيقًا سميذًا محمَّصًا، فيُخلط به من اللوز المحمَّص والفستق والبندق مُقَشَّرة مدقوقة ناعمة أوقيتان، وسكر مدقوقًا ناعمًا أوقيتان، ثم يُذَر على العسل ويُحرَّك إلى أن ينعقد وتفوح رائحته، وإن احتاج إلى تقوية زِيد من الدقيق الموصوف، ثم يُرفع حتى يبرد ويُقلب على بلاطة ناعمة، ويُقطَّع شوابير وتُغمس في الجُلَّاب، ثم يُذَر عليها السكر المدقوق ناعمًا المطيَّب، وتُرفع.
السِّكْبَاج
وصنْعته أن يُقطَّع اللحم السمين أوساطًا، ويُجعل في القِدْر، وغمرُه ماءً، وكُسْفَرَة خضراء، وعود دارصيني، وملح قدر الحاجة، ثم إذا غلى تُخرج رغوته وزبَده بالمغرفة ويُرمى، ثم يُجعل عليه كُسْفَرَة يابسة وتُنحَّى عنه الخضراء، ثم يؤخذ البصل الأبيض والكُرَّاث الشامي والجزر (إن كان أوانه)، أو الباذنجان، ويُقشَّر الجميع ويُشَق البذنج صليبًا ويُسلق في قِدر أخرى في ماء وملح نصف سلقة، ثم يُنشف من مائه ويُترك في القِدْر فوق اللحم، «وتُلقى عليه الأبازير ويُعدَّل ملحه»، فإذا قارب النضج يؤخذ خلُّ خمرٍ ودِبس، ومَن أحب جعل العسل، إلا أنها بالدِّبس أليق، وتُمزج مزاجًا معتدلًا في الحموضة والحلاوة، ثم يُصبُّ في القِدْر فتُغلى ساعة، فإذا أراد قطع النار أخذ من المرقة قليلًا ودافَ فيه قدر الحاجة زعفرانًا وصبَّه في القِدْر، ثم يؤخذ لوز مقشَّر حلو مفرد بنصفين، ويُترك في رأس القِدْر مع يسير عُنَّاب وزبيب وتين يابس، وتُغطى ساعة حتى تهدأ على حموة النار، وتُمسح جوانبها بخِرقة نظيفة، ويُرش على رأس القِدْر ماء ورد، فإذا هدأت على النار رُفعت.
طرق تحضير هذه الأطباق مقتبسة عن كتاب الطبيخ وإصلاح الأغذية المأكولات وطيّبات الأطعمة المصنوهات لابن سيّار الوراق (بيروت: دار صادر، 1964) وكتاب الطبيخ ومعجم المآكل الدمشقية لمحمّد بن الحسن البغدادي (بيروت: دار الكتاب الجديد، 1964). نشكر البروفيسور بلال الأرفه لي الذي أمدّنا بالمعلومات والصور لهذا المقال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...