شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"ألو ألو هل تذكرني"... لماذا يرغب البعض في التواصل مع الحبيب السابق خلال كورونا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 29 أبريل 202006:34 م

"أعترف أنني اشتقت إليه أكثر من أي وقت مضى، ولا أبالغ إن أخبرتك بأنني قررت الاتصال به عدة مرات قبل أن أبدل رأيي في آخر لحظة، فمن جهة أقول في نفسي: ماذا سيحصل لو كسرت هذا الحاجز بيننا واتصلت به؟ بالطبع لن تكون نهاية العالم، فأنا أريد فقط أن أسمع صوته وأخبره عن أحوالي والحزن الذي أعيشه بعد أن خسرت وظيفتي مؤخراً بسبب كورونا، لعلّ هذه المحادثة الهاتفية تعيد لذة الوقت الجميل الذي أضعناه بالمكابرة... الحياة قصيرة ولا داعي لأن نعيشها بالحقد، ولكن من جهة أخرى يرهقني الشك: ماذا لو أقفل الخط في وجهي، أو لم يرد أصلاً على مكالمتي وتجاهلني بطريقة مستفزة... من الآخر كورونا رح تجيب أجلي".

هذا بعض ما جاء على لسان صديقتي أثناء محادثتنا الهاتفية، فالحجر المنزلي أعاد تقليب صفحات الماضي وجعلها ترغب في التحدث مع حبيبها السابق، بالرغم من أن علاقتهما انتهت منذ قرابة عام ونصف.

لا شك أن الأيام والليالي الطويلة التي نقضيها في الحجر المنزلي، تجعلنا نقوم بأشياء لم نكن نتخيّل يوماً أن نقوم بها، فالبعض لم يدخل يوماً إلى المطبخ إلا لتناول الطعام، أما اليوم فبات "يتفنن" في إعداد مجموعة من الوصفات التي رآها على الإنترنت، والبعض الآخر لم يمارس يوماً الرياضة، إلا أن الشعور بالملل الناجم عن الجلوس لفترة طويلة على الكنبة جعله ينضم إلى صفوف رياضة "أونلاين"....

والحقيقة أنه أثناء الحجر المنزلي قد نفعل أي شيء للتغلب على الشعور بالوحدة، حتى لو كان هذا الشيء هو الحديث إلى الـEX أي الحبيب/ة السابق/ة، فما هي الأسباب التي تقف وراء رغبتنا في التواصل مع هذا الشخص بالتحديد خلال الحجر المنزلي؟ لماذا نشتاق إليه وننسى الأذى الذي يمكن أن يكون قد تسببه لنا في الماضي، وكيف يمكن التعامل مع هذه "المشاعر المفاجئة"؟

استعادة الماضي

في الواقع إن أزمة كورونا وأعراض القلق، الخوف، التعب والوحدة المصاحبة لها، تجعل أغلبية الأشخاص يعيدون تقييم خياراتهم في الحياة، يفكرون في الماضي وينظرون بعين الريبة إلى المستقبل، كل هذا يؤدي إلى بروز ظاهرة جديدة تجتاح العالم وهي: استعادة العلاقات العاطفية السابقة، أو على الأقل، محاولة استرجاع اللحظات الجميلة التي قضاها المرء برفقة شريكه السابق.

أثناء الحجر المنزلي قد نفعل أي شيء للتغلب على الشعور بالوحدة، حتى لو كان هذا الشيء هو الحديث إلى الـEX أي الحبيب/ة السابق/ة

فقد كشف مسح جديد أجراه موقع OnBuy على 1204 شخص عازب، بالإضافة إلى 1492 شخصاً يعيشون في العزل المنزلي مع شريكهم، أن الشعور بالوحدة أثناء الحجر المنزلي أمر شائع، واللافت أن 38% من المشتركين كشفوا أنهم تلقوا رسائل نصية من شركائهم السابقين، أثناء إجراءات العزل والإغلاق.

وأوضح المسح أن الأسباب الثلاثة الرئيسية وراء هذه الرسائل المفاجئة هي: الاطمئنان عليهم (45%)، الإعراب عن مدى افتقادهم لهم (32%) وإرسال رسالة نصية الى الشخص الآخر عن طريق الخطأ (22%).

وبحسب المسح، فإن ظاهرة التواصل مع الشريك السابق لم تطل فقط الأشخاص العازبين، فقد اعترف واحد من أصل 4 أزواج، أنهم تفقدوا هاتف شريكهم في السر، مشيرين إلى أنهم كانوا قلقين من أن يقوم شريكهم الحالي بالاتصال بالشريك السابق خلال الحجر المنزلي.

تعليقاً على هذه المسألة، قال الأخصائي في علم النفس، هاني رستم، لموقع رصيف22، إنه خلال هذه الفترة الصعبة التي نمر بها جميعاً بسبب تفشي فيروس كورونا في العالم أجمع، فإن "الهشاشة النفسية تكون أعلى من المعتاد تماماً كحال الحساسية العاطفية، بالإضافة إلى أن إجراءات التباعد الاجتماعي جعلتنا في مواجهة أكبر مع ذاتنا".

وبحسب رستم، فإن هذه العوامل المتداخلة "قد تفتح أبواب الماضي على مصراعيها، وتزيد من الحاجة إلى التصالح مع هذا الماضي بشكل أو بآخر، والتعامل مع الذاكرة الفردية التي نحملها".

من هنا أوضح هاني أن إعادة التواصل مع الشريك السابق يأتي من منطلق "فتح ملفات قديمة" والتعامل مع "مشاعر عالقة"، مشدداً على أن هذه الخطوة المفاجئة التي يقوم بها البعض، تهدف لخلق مساحة للعتاب والمصالحة مع الحبيب السابق، والتواصل مع "جزء" كان في يوم من الأيام جميلاً ومحطة مشرقة في حياتنا.

"وسائد نفسية"

في مقال ورد في Psychological inquiry، شرحت كل من سوزان أندرسن، ريجينا ميرندا وتامي إدواردز، أن "الذات في الأساس تتكون عبر التواصل بين الأشخاص"، فعلى الرغم من حقيقة أننا نعتبر أنفسنا هويات فريدة ومتميزة، فإننا غالباً ما ننظر إلى ذاتنا ونبني رفاهيتنا من خلال الأشخاص الذين نحبهم ونتفاعل معهم.

وفي مقال آخر، اوضحت كل من سوزان أندرسن و س. أديل ساريباي، أن "الحاجة إلى الرضا تتحقق عندما يكون المرء قادراً على التعبير عن تصوراته، أفكاره ومشاعره وأن يقوم بتطوير كفاءاته مع الاستمرار بالتواصل مع الآخرين".

ونظراً لكون الاتصال البشري هو حاجة إنسانية أساسية للغاية، من باب الشعور بالانتماء، الدفء، القبول والاستجابة العاطفية، بالإضافة إلى فكرة أن الأشخاص الذين نقضي الوقت معهم يساعدوننا على بناء إحساسنا بذاتنا، فإنه من المنطقي أن يقوم الناس في خضم جائحة عالمية مثل وباء كورونا، بالتواصل مع أي شخص قريب، أو أي اسم يندرج على قائمة أرقام الهاتف.

وبالنسبة للأشخاص العازبين، أو الذين يمرون بأوقات عصيبة في علاقتهم العاطفية الحالية، فإن أي مصادر سابقة للراحة أو الاتصال قد تكون بمثابة "وسائد نفسية" في الوقت الحالي، بمعزل عمّا حدث من مشاكل بينهم وبين الشريك في السابق.

وحدي مع أفكاري

لم تشعر خبيرة العلاقات والأخصائية في علم النفس، نيكول ماكينس، بالاستغراب على الإطلاق حين سمعت أن الشركاء العاطفيين السابقين "ينزلقون" مرة أخرى إلى صناديق البريد الخاصة بالحبيب القديم، خلال هذه الفترة من التباعد الجسدي، إذ يمثل هذا النوع من التواصل واحدة من الطرق الملموسة الوحيدة التي نتخيل أنها تمكننا من مواجهة حالة عدم اليقين التي تسود حياتنا.

وتعليقاً على هذه النقطة، قالت ماكينس: "مع قيام كوفيد 19 بإغلاق جميع الخدمات، فإن جميع استراتيجياتنا التي نلجأ إليها عادة للتأقلم، سواء كانت الذهاب إلى النادي الرياضي، احتساء المشروبات وغيرها، أصبحت الآن بعيدة المنال"، وأضافت: "أصبح معظم الناس في المنزل لوحدهم ويجلسون بصحبة أفكارهم، وهذا ليس بالشيء الجيد عادةً".

وأوضحت نيكول، أنه في ظل أزمة كورونا بات لدى الناس المزيد من الوقت للتفكير ومعالجة أحداث حياتهم السابقة أكثر من أي وقت مضى: "ربما يستعيدون رشدهم بشأن أشياء مهمة سابقة، وقد يقيِّمون الأحداث التي مرّت عليهم، ويريدون أن يبدو مستقبلاً مختلفاً عن ماضيهم، بعدما أدركوا أن الحياة قصيرة".

قرار خاطىء؟

في حديثها مع موقع نيويورك بوست، تحدثت خبيرة العلاقات في مانهاتن، إيمي تشان، عن المشاعر التي قد تنتاب البعض خلال فترة الحجر المنزلي: "سيقنعكم دماغكم بفعل أي شيء تريدونه خلال هذا الوقت. ستأكلون شريحة إضافية من الكعكة، تحصلون على جرعة من التيكيلا".

وأكدت تشان أن التواصل مع الحبيب السابق هو أمر مفهوم في مثل هذه الظروف الصعبة التي نعيشها، لكنه يشكل خطوة خاطئة، وفق رأيها: "عندما نشعر بالقلق، الملل والوحدة، فإننا نفعل أي شيء من أجل تهدئة الذات"، وأضافت: "سيكون شريككم السابق في هذه الحالة مثل (تاجر مخدرات)".

واللافت أنه في هذا الصدد هناك تفسير علمي وراء ذلك: عندما نستسلم لإغراء مثل إرسال رسالة نصية إلى الحبيب السابق، يمكن بذلك تنشيط نظام المكافأة في الدماغ وإطلاق مواد كيميائية تحفز على الشعور بالسعادة، مثل الأوكسيتوسين والدوبامين.

إعادة التواصل مع الشريك السابق يأتي من منطلق "فتح ملفات قديمة" والتعامل مع "مشاعر عالقة" بهدف خلق مساحة للعتاب والمصالحة والتواصل مع "جزء" كان في يوم من الأيام جميلاً ومحطة مشرقة في حياتنا

ولكن لسوء الحظ، ليست كل الأشياء التي تبدو أنها جيدة تكون مفيدة لكم، بحسب إيمي تشان، والتي حثّت الأشخاص العازبين على إيجاد طرق أخرى للشعور بالاتصال دون التواصل مع الشركاء السابقين، معتبرة أن قوة الإرادة وحدها لا تكفي وستنفد بسرعة.

سيكون شريككم السابق في هذه الحالة مثل "تاجر مخدرات"

من هنا تنصح تشان جميع الأشخاص الذين يشعرون بالحاجة الملحة للاتصال بحبيبهم السابق، بالتواصل مع صديق مقرّب يثقون به، أو بالكتابة عن علاقتهم السابقة وأسباب عدم نجاحها، قائلة: "من الصعب تجاهل صفحة من الحقائق الصارخة، والتي من شأنها أن تعيد تركيز مشاعركم وطاقتكم".

في الختام من المهم أن تتذكروا أن الحجر المنزلي هو مجرد محطة عابرة في حياتكم، والأهم أن تعتنوا بأنفسكم وأن تستفيدوا من هذه الفترة التي تقضونها مع ذاتكم، لكي تتعلموا كيفية معالجة مشاعركم بطريقة صحيحة، فكروا فيما بعد الحجر الصحي، هل ستفخرون بما تفعلوه الآن أم لا؟ الأمر لا يتعلق بحبيبكم السابق بل بكيفية إدارة مشاعركم، إذ إن التفكير بالتواصل مع الشريك القديم هو مجرد وسيلة قد تعتمدونها لتشتيت ذهنكم عما يحصل حالياً، ولكن الأجدر بكم أن تنكبّوا على ذواتكم وتفكروا فيما هو أفضل لكم الآن وفي المستقبل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image