بفارق ساعات قليلة بين القرارين، أعلنت السلطات السعودية وقف تنفيذ عقوبتي الجلد وإعدام المدانين الذين ارتكبوا جرائم وهم قصر، في خطوة وُصفت بـ"المهمة جداً" على صعيد الاتساق مع مبادئ حقوق الإنسان العالمية. لكن الأمر لم يخلُ من تساؤلات وشكوك.
وذكرت هيئة حقوق الإنسان السعودية المدعومة حكومياً، في بيان صادر في 26 نيسان/أبريل، أنه بناء على أمر ملكي، لن تطبق المملكة بعد الآن عقوبة الإعدام على الأشخاص الذين ارتكبوا الجرائم المستحقة بهذه العقوبة، وهم قُصّر.
ونقل البيان عن رئيس الهيئة عواد بن صالح العواد أن "الأمر الملكي يعني أن أي شخص حُكم عليه بالإعدام في جرائم ارتكبها عندما كان قاصراً (أقل من 18 عاماً) لم يعد يواجه الإعدام. بدلاً من ذلك، سيتم الحكم بسجن الفرد مدة لا تزيد على 10 سنوات في منشأة احتجاز للأحداث".
السجن عوضاً عن الإعدام للقصر
العواد الذي وصف الأمر الملكي بأنه "يوم مهم للسعودية"، لفت إلى أنه "يساعد على صوغ قانون للعقوبات أكثر عصرية ويُظهر التزام المملكة بمواصلة تنفيذ إصلاحات أساسية في جميع قطاعات بلدنا".
وفي نيسان/أبريل من العام الماضي، أعدمت المملكة 37 رجلاً شيعياً، بينهم ثلاثة على الأقل كانوا قصراً حين وقوع الجرائم المنسوبة إليهم، عقب إدانتهم بارتكاب جرائم إرهابية. ويتعارض تطبيق عقوبة الإعدام على أشخاص أدينوا بارتكاب جرائم وهم قصر مع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي سبق أن وافقت عليها الرياض.
يُذكر أن السعودية تُعدّ من أكثر دول العالم تنفيذاً لعقوبة الإعدام، إذ وثّق تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية أن 184 شخصاً أعدموا عام 2019 في المملكة، بينهم شخص واحد كان قاصراً لدى وقوع الجريمة المتهم فيها.
اللافت أن وسائل الإعلام السعودية الرسمية لم تتناول الخبر، كما لم تُشر إليه الهيئة الحقوقية المحلية عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي أو موقعها الرسمي. وليس واضحاً أيضاً موعد بدء سريان تنفيذه.
وقف "الجلد" أيضاً
وكانت وثيقة اطلعت عليها وكالة رويترز، في 24 نيسان/أبريل الجاري، قد أظهرت أن المحكمة العليا السعودية قررت إلغاء الجلد من العقوبات المعمول بها في البلاد.
"كيف تقول السلطات السعودية إنها تجري إصلاحات حقوقية بينما عبد الرحيم الحويطي يُقتل رمياً بالرصاص، وعبد الله الحامد يُترك ليموت بالإهمال الطبي في سجنه، وعقوبات قطع يد السارق وقطع الرأس وغيرها ما تزال متبعة؟"
وورد في الوثيقة التي لفتت إلى استبدال الجلد بالسجن أو الغرامة أو كليهما معاً أو بأي عقوبة بديلة، أن القرار "يضاف إلى الإصلاحات والتطورات المتحققة في مجال حقوق الإنسان في المملكة، والتي جاءت بناءً على توجيهات من الملك سلمان بن عبد العزيز وبإشراف ولي عهده الأمير محمد بن سلمان".
وكانت عقوبة الجلد قد طُبّقت على عدد كبير من الجرائم، مع حرية واسعة للقضاء في إصدار الأحكام المستمدة من الشريعة الإسلامية، في ظل عدم وجود نظام قانوني حاسم للبلاد.
وفي قضايا سابقة، حُكم على أشخاص بالجلد في اتهامات تتعلق بالتدوين والسكر العلني وفق ما وثقته منظمات حقوقية.
وفيما رحبت هيئة حقوق الإنسان السعودية بإلغاء الجلد في "الجرائم التعزيرية"، اعتبره رئيسها "خطوة مهمة إلى الأمام في برنامج المملكة لحقوق الإنسان، وواحداً من الإصلاحات الكثيرة في المملكة".
ردود وتساؤلات
في سياق متصل، أوضح معلقون سعوديون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن إلغاء الجلد يقتصر على الجرائم التي لم يرد بشأنها نص واضح في القرآن أو السنّة وليس "الحدود الشرعية المقررة للجلد مثل الزنى والقذف وشرب الخمر".
وقال آدم كوجل، وهو نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن إلغاء الجلد هو "تغيير موضع ترحيب، ولكن كان ينبغي أن يحدث ذلك قبل سنوات"، مشيراً إلى أنه "لا شيء يقف الآن في طريق المملكة العربية السعودية لإصلاح نظامها القضائي غير العادل".
"مثل هذه القرارات ′الإصلاحية′ تستدعي طرح تساؤلات حول إلغاء عقوبة الجلد في البلاغات الكيدية، وإلغاء بلاغات العقوق والتغيب ومصير فتيات دار الرعاية، وإلغاء عقوبة الجلد تماماً"
ورأى المدون والمدافع عن حقوق الإنسان وليد سليس أن القرار القاضي بإلغاء الجلد يظل "خطوة رائعة تُبقي للقاضي سلطة الحكم بالجلد فقط في ما يتصل بالحدود المفترضة، علماً أن مجالها ضيق جداً جداً، أي أننا سنشهد انخفاض عقوبة الجلد بشكل كبير جداً".
غير أن ناشطين آخرين، منهم الناشطة النسوية سارة اليحيى، أعربوا عن اعتقادهم بأن مثل هذه القرارات "الإصلاحية" الأخيرة تستدعي طرح تساؤلات بشأن "إلغاء عقوبة الجلد في البلاغات الكيدية، وإلغاء بلاغات العقوق والتغيب ومصير فتيات دار الرعاية، وإلغاء عقوبة الجلد تماماً"، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات مهمة لإصلاح القضاء السعودي، من أبرزها "تعيين خريجي القانون قضاة كبداية إصلاح القضاء، والاعتماد على القوانين وليس العرف".
واستغرب فريق منهم تأخر صدور قرارات مماثلة بشأن قرارت تتعلق بقوانين متجذرة تحكم وضع المرأة السعودية مثل "العضل" وتزويج المرأة نفسها من دون الحاجة إلى ولي.
وشكك مغردون في صدق نيات القيادة السعودية بـ"اتباع معايير حقوق الإنسان العالمية" وإصلاح نظامها القانوني والحقوقي، في وقت يُقتل عبد الرحيم الحويطي رمياً بالرصاص، ويموت فيه الإصلاحي المعارض عبد الله الحامد معتقلاً بسبب الإهمال الطبي، ويستمر تطبيق أشكال أخرى من العقاب البدني مدانة حقوقياً، مثل قطع يد السارق أو قطع الرأس في جرائم القتل والإرهاب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون