شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"أكل أموال يتامى" و"اختلاسات" و"رشاوي"... اتهامات تلاحق الجمعيات الخيرية في غزة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 24 أبريل 202011:20 ص

بين فترة وأخرى، يتجدد الحديث داخل قطاع غزة عن آليات عمل الجمعيات الخيرية، وكيفية إدارتها للأموال الهائلة التي تحصل عليها كتبرعات من الخارج، لا سيما أنّ عدداً من مؤسسي تلك الجمعيات صاروا اليوم من أصحاب الثروات الكبيرة، ولديهم عقارات وشركات داخل وخارج القطاع، بعد أن كانوا سابقاً من أصحاب الرزق البسيط.

ويعمل أصحاب الجمعيات على توظيف المقرّبين منهم، ومنحهم صلاحيات عليا تُخوّلهم تنفيذ أنشطة "فاسدة"، وفقاً لحديث بعض المتابعين الذين قالوا إنّ ذلك يتم وسط رقابة ضعيفة من قِبل الجهات الرسمية التي تتبع بشكلٍ مباشر لحركة "حماس".

"جمعية الفلاح" التي أسسها رمضان طنبورة، قبل عدّة سنوات، هي من بين الجمعيات التي يدور نقاش حول عملها، مع الحديث عن اتساع عملها بطريقة جنونية، في مناطق داخلية وخارجية خلال الأعوام الماضية، ومع إثارتها الجدل مرات كثيرة حين ظهر مسؤولوها وموظفوها وهم يرددون الدعاء للمتبرعين بالقرب من الكعبة.

كما نشر أولئك المسؤولون في عدّة مناسبات فيديوهات وأغانيَ تهدف إلى جمع التبرعات، واستمالة عواطف أصحاب الأموال في دول الخليج، بطرق وصفها كثيرون بأنّها "تسوّل"، وتحمل إهانة للشعب الفلسطيني.

ضجّة كبيرة عاشتها منصات التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية، بسبب الحديث عن أنشطة "مشبوهة" لتلك الجمعية، خاصّة بعدما خرج مسؤولوها لمواجهة المنتقدين واتهموهم بالخيانة والتعامل مع جهات المعادية، وهددوهم بمحاكمة عشائرية وقضائية.

وقابل النشطاء ذلك بتشديد حدّة الانتقادات لها، وتوسعوا في الحديث عن ممارساتها "الفاسدة"، ونشروا لإثبات اتهاماتهم وثائق ومحادثات سرية مسربة، وبعض الشهادات لمواطنين، وتساءلوا عن سبب صمت الجهات الرسمية تجاه تلك التصرفات.

قصة "جمعية الفلاح" جددت الحديث عن الجمعيات الخيرية العاملة في قطاع غزة، وعن التمويل الذي تتلقاه ومصادره، والرقابة الحكومية التي يحتكم لها، لا سيما أنّ كثيراً منها هي ذات خلفية إسلامية، ويقوم عليها أشخاص متنفذون محسوبون بشكلٍ أو بآخر على حركة "حماس"، أو الأحزاب الإسلامية بشكل عام.

أكل أموال اليتامى

قبل عدّة سنوات، عاش الطفل اليتيم "أحمد" البالغ من العمر 11 سنة، وأخواته الثلاث، تجربةً سيئة مع إحدى الجمعيات الخيرية التي تكفلت بتقديم كفالة مالية شهرية لهم تبلغ قيمتها 400 دولار أمريكي، بواقع 100 دولار للطفل الواحد، يدفعها أحد المتبرعين في دولة الكويت، بعد أن فارق والدهم الحياة، قبل أربع سنوات، وتركهم بلا معيل.

تروي الوالدة التي رفضت الإفصاح عن اسم عائلة أبنائها خوفاً من انقطاع الكفالة عنهم، لرصيف22، أنّها ظلّت لشهور طويلة تتسلم الكفالة من الجمعية التي يقع مقرها شمال قطاع غزة، بذات القيمة المذكورة.

ولكن قبل عامين، اتصل بها الكفيل الكويتي ليسألها عن الكفالة وكفايتها لهم وعن احتياجاتهم، وحين طال الحديث معه، فهمت منه السيدة أنّه يحوّل شهرياً 150 دولاراً للطفل الواحد.

استغربت الوالدة الأمر حين سمعت ذلك الرقم، ولم تشأ لفت انتباه الكفيل له، قبل الاستيضاح من الجمعية، لأنّها أخذت الموضوع بدايةً بحسنِ نية، فلم تكن تتوقع أنّ جمعية يقوم على إدارتها عدد من الشخصيات الإسلامية، يمكن أن تمارس استغلالاً وجشعاً، أو أن تأكل أموال اليتيم التي حرّمها الله في أكثر من آية قرآنية.

وتكمل قصتها وتقول إنّها ذهبت في اليوم التالي إلى المدير وفتحت معه حديثاً حول ما علمته من الكفيل، فأجابها بأن اقتطاعهم جزءاً من الأموال أمر قانوني وحقٌ لهم، وأنّ ما يحصلون عليه هو للمصاريف التشغيلية ورواتب العاملين، وطلب منها عدم فتح هذا الحديث مع الكفيل أو مع أيّ شخص آخر، لأنّ ذلك سيفقدها على الأقل الكفالة الشهرية.

تفاجأت من ذلك الرد الذي بدا فيه أسلوب الاستعلاء واستغلال الحاجة، ولكنها قررت الصمت إزاء تلك السرقة والانتهاك لحقوق أطفالها، لأنّ حياتهم مرتبطة بالمبلغ المالي الذي تقدمه الجمعية، وبدونه لن تتمكن من الإيفاء بمتطلباتهم، أو إكمال تعليمهم.

"نهب" بطرق مختلفة

حالة أخرى وصل لها رصيف22 تقيم في منطقة النصيرات، وسط قطاع غزة، ومفادها أنّ إحدى الجمعيات الخيرية كانت على مدار سنوات طويلة تقدّم خلال شهر رمضان 500 قسيمة شرائية، قيمة كل واحدة 40 دولاراً، ويتم صرفها من أحد المحلات التجارية في المحافظة على المواد الغذائية، بمبلغ إجمالي يصل إلى 20 ألف دولار، وتقول الجمعية إنّها تجمعها من أهل الخير في دولة "قطر".

ولكن قبل سنتين، نشب خلاف بين صاحب المتجر والجمعية، وسحبت الأخيرة صلاحيات صرف القسائم الشرائية منه، واتجهت نحو متجر آخر، وحينها خرج الرجل ليتحدث بين أهل المنطقة عن فساد الجمعية التي كانت تستلم منه فواتير قيمتها تصل إلى أكثر من 30 ألف دولار، في حين أنّها لا تدفع له سوى 20 ألفاً فقط.

وفي عام 2009، شاعت بين المواطنين قصة شهيرة كشفتها مؤسسة الرؤية العالمية في رفح، جنوب القطاع، والتي كانت تشرف على توزيع كفالات أيتام ضمن مشروع مموَّل من مؤسسات إغاثية إسلامية دولية.

ففي نيسان/ أبريل من تلك السنة، طلبت سيدة المساعدة من مؤسسة الرؤية، واتضح لهم أنها تستفيد من برنامج الكفالة عبر جمعية محلية ترسل لها أموال الكفالة، لكنها تحصل على مبلغ شهري بقيمة 30 دولاراً فقط.

بين فترة وأخرى، يتجدد الحديث داخل قطاع غزة عن آليات عمل الجمعيات الخيرية، وكيفية إدارتها للأموال الهائلة التي تحصل عليها كتبرعات من الخارج، لا سيما أنّ عدداً من مؤسسي تلك الجمعيات صاروا اليوم من أصحاب الثروات الكبيرة

وبعد أن قام موظفو المؤسسة بالاتصال بالمكفولين الموجودين في سجلاتهم، والتي حصلوا عليها من الجمعية المحلية الشريكة، للتأكد من المبالغ التي يحصلون عليها من الجمعية التي تصلها مبالغ الكفالات، ظهر أنّ غالبية كفلاء وأسر الأيتام يحصلون على مبلغ 30 دولاراً من أصل مبلغ قد يصل إلى 250 دولاراً للأسرة، وعلى أثر ذلك توقفت "رؤية" عن تمويل المؤسسة المحلية.

الرقابة القانونية والرسمية

في حوار صحافي سابق، قال مدير عام الشؤون العامة والمنظمات غير الحكومية في وزارة الداخلية في غزّة، أيمن عايش، إنّ أمر كفالات الأيتام الذي تقوم عليه بعض الجمعيات الخيرية في قطاع غزة، يتم التحكم به من خلال طرق رئيسية، الأولى تخضع لقاعدة الاتفاق بين الممول والجهة المنفّذة والمستفيد "اليتيم"، وتعود نسبة منها إلى حسابات الجمعية لكن بشرط رضى المانح، مع تقديم الكشوفات الدورية، وعليها لا تستطيع وزارة الداخلية محاسبة الجمعية.

أمّا الثانية، فتقوم الجهة المنفّذة باقتطاع نسبة من مبلغ الكفالة للمصاريف التشغيلية بدون علم الكفيل، وهذه تعتبر مخالفة ونوعاً من الخداع للمانح.

وبالنسبة للطريقة الثالثة التي تقتطع بها الجمعيات من أموال الكفالات، فهي تقوم على فكرة سرقة المال، إذ ظهر، خلال السنوات الماضية، عدد من القضايا التي تندرج تحت هذا النوع، وفي إحداها تبيّن سرقة إحدى الجمعيات لمبلغ كفالة مخصص لأكثر من 50 يتيماً.

والجدير ذكره أنّ هناك عرفاً سائداً بين الجمعيات الخيرية في قطاع غزة، لكنّه غير قانوني، ويقوم على اقتطاع الجمعيات 10% من قيمة الكفالة، لاستعمالها كعمولة لإدارة الكفالات وأعمال الجمعية، ولا تستطيع وزارة الداخلية اتخاذ إجراء تجاه هذا السلوك، في حال قامت الجمعية بالإعلان عن الأمر وتوثيقه بالمستندات الرسمية، وفقاً لقول عايش.

قبل سنتين، نشب خلاف بين صاحب متجر وجمعية خيرية، فسحبت الأخيرة منه صلاحية صرف قسائم شرائية توزعها على محتاجين، فخرج الرجل ليتحدث عن فساد الجمعية التي كانت تستلم منه فواتير قيمتها 30 ألف دولار، في حين أنّها لا تدفع له سوى 20 ألفاً

وأوضح أنّ وزارته تفتح أبواب الرقابة على مثل هذه القضايا بين الفترة والأخرى، كما أنّها على استعداد لاستقبال أيّ شكوى، بهذا الخصوص من الممولين الخارجيين ومن المستفيدين داخلياً، منوهاً إلى أنّهم يتعاملون مع الشكاوى في إطار القانون، ويعملون على إرسال فرق تحقيق وتفتيش، لتبحث في شبهات الفساد والتجاوزات القانونية.

وقبل نحو ثلاثة أعوام، اتهمت وزارة الداخلية بعض الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني بممارسة الفساد بأشكاله المتنوعة، والتي تشمل السرقة والاختلاس، والرشوة، والتمييز بين المستفيدين على أساس العرق واللون والخلفية الفكرية، وأشارت على لسان رئيس قسم المتابعة والتفتيش في الشؤون العامة فيها، رأفت الأشقر، إلى أنّ التمييز في التعيينات الوظيفية هو فساد أيضاً، "وعلى الرغم من الالتزام ببعض الأمور القانونية، إلا أن هناك جزءاً من الفساد في هذا الأمر".

ولفتت الداخلية إلى أن وجود بعض ملفات الفساد لدى بعض الجمعيات الخيرية لا يعني أن جميعها فاسدة، فهناك الكثير من الجمعيات الوطنية، وذات الصفحة المشرقة البيضاء، ولا يشوبها إلا بعض الأخطاء الإدارية أو المالية البسيطة التي تحدث في جميع المؤسسات سواء المحلية أو الدولية.

أموال هائلة تطير هباءً

يبلغ عدد الجمعيات المسجّلة لدى وزارة الداخلية في قطاع غزة 914 جمعية تقريباً، منها 823 جمعية محلية، إضافة إلى 91 جمعية أجنبية، وتُقدّر الميزانية التي تصرفها تلك الجمعيات بنحو مليار و500 مليون شيكل سنوياً (نحو 400 مليون دولار)، وهو يُعتبر نصف المبلغ الذي كانت تضعه حكومة حماس كميزانية لكل المناحي الحياتية في القطاع، حين كانت تحكم قطاع غزة بشكلٍ مباشر قبل عام 2014.

هذا الأمر يطرح تساؤلات كثيرة عن طبيعة الإنفاق الحقيقي والمشروع لتلك الجمعيات، وذلك لأنّ عدداً من المراقبين يرون أنّ المبالغ التي تصرفها يمكن أن تساهم في إحداث تنمية شاملة داخل القطاع في غضون سنوات قليلة، بما يقضي على البطالة والفقر اللذين تزداد نسبتيهما باضطراد.

وقال رئيس شبكة المنظمات الأهلية في القطاع، وهي تجمع "تمثيلي" يضم عدداً من ممثلي الجمعيات الأهلية، أمجد الشوا، إن وزارة الداخلية تقوم بالتدقيق المالي على الجمعيات الأهلية فقط، وأضاف في تصريح سابق: "نحن حريصون على المال العام، وهناك الكثير من جهات الرقابة على هذه الجمعيات سواء داخلية على مستوى الجمعية، أو من أعضاء الجمعية العامة، ومن المدقق المالي والمانحين وكذلك الوزارة المختصة والإعلام والمجتمع وغيرهم".

وأشار إلى أنّهم مع محاسبة الفاسدين سواء في الجمعيات أو في غيرها، في إطار القانون، وهناك مدونة سلوك تنظم عمل الجمعيات، كما أن هناك أنظمة داخلية للجمعيات، يمكن الالتجاء لها في التحكيم.

ووفقاً للقانون الفلسطيني، يمكن تصنيف الممارسات الفاسدة في عمل جمعيات خيرية على أنّها جريمة "خيانة أمانة"، ويعاقَب عليها بالسجن لمدّة سبعة سنوات. كما ينص قرار وزير الداخلية رقم 61 للعام 2013 المتعلق بالنظام المالي للجمعيات، في الفقرة الخامسة من المادة السادسة، على أن التبرعات للجمعيات يجب أن تنفق لما خصصت له حسب الاتفاق مع المتبرع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image