شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"قليل البخت عضّه كلب في الزحمة"... أو قصتي مع الجنسية الهولندية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الأربعاء 22 أبريل 202001:03 م

أقمت الدنيا ولم أقعدها حين حصلت أخيراً على الجنسية الهولندية، والتي استلمتها في بداية شهر آذار/ مارس الماضي، خلال حفل بسيط أقامته بلدية مدينة روتردام التي أعيش فيها.

لم أهتم لمراسم الحفل ولا تواضعه، مقارنة بالطقوس الفخمة التي حضرتها عندما استلمت ابنتي جنسيتها الهولندية، في حفل التجنيس العالمي الذي أقيم في مطلع هذا العام، والذي حضره عمدة المدينة، أحمد أبو طالب، المنحدر من أصول عربية، ورهط كبير من الشخصيات الاجتماعية.

المهم أن فرحي بحصولي على جنسية أوروبية فاق كل حدّ، فمنذ ولادتي لم أشعر بمواطنتي، خاصة أثناء وجودي في سوريا، وكبر شعور الغربة داخلي أكثر بعد رحلة اللجوء الشاقة التي قطعتها براً وجوّاً ونهراً للوصول إلى بر الأمان، فصرت بعد بطولتي هذه، لاجئة فوق بلاط هولندي.

صحيح أن الشعب الهولندي طيّب بمجمله، ولكننا كنا نلمس بعض التأفف من وجودنا كجالية سورية، اكتسحت الأسواق وتربعت على عرش سوق العمل الهولندي بجدارة وأبدعت فيه، وكادت تتحوّل الدولة الهولندية إلى سوريا مصغرة، فقد انتشرت حرفة صياغة الذهب وبيعه، محال الحلويات الشرقية، المطاعم، تجارة الجملة، محال الألبسة الخاصة بالمحجبات والأدوات المنزلية التي يجد فيها المرء كل شيء.

المهم أن فرحي بحصولي على جنسية أوروبية فاق كل حدّ، فمنذ ولادتي لم أشعر بمواطنتي، خاصة أثناء وجودي في سوريا، وكبر شعور الغربة داخلي أكثر بعد رحلة اللجوء الشاقة التي قطعتها براً وجوّاً ونهراً للوصول إلى بر الأمان، فصرت بعد بطولتي هذه، لاجئة فوق بلاط هولندي

في الحقيقة، لقد أبدع السوري، ليس في مجال العمل فقط، بل تميّز من خلال الفنون المختلفة والإبداع الثقافي، وانتشرت المكتبات، معارض الكتب، الحفلات الفنية، الأمسيات الثقافية وعروض المسرح والسينما أيضاً.

لعل كل ما سلف سبب حالة من الغيظ والغضب لدى اليمين المتطرف الذي اعتبرنا غزاة جدداً لبلاده، وتزعم تلك الاحتجاجات النائب اليميني المتطرف، فيلدرز، والذي كرر دعواته مراراً بطردنا من هولندا، وكنا نضع أيادينا على قلوبنا عند كل دورة انتخابية للبرلمان الهولندي، خوفاً من صعود اليمين، وبالتالي تصبح قضية طردنا محققة لا محالة. لكن، والحمد لله، لم ينجح ذلك الحزب، رغم ازدياد عدد مقاعده في كل دورة جديدة، ولكن وحسب توقعات الشارع السوري في هولندا، فإن "فيلدرز" سيخبو نجمه قريباً وستتقلص مهامه مع تزايد عدد الحاصلين على الجنسية الهولندية من اللاجئين، وخاصة السوريين، بالإضافة لذلك، فقد منحتنا الحكومة الهولندية ما يشبه جواز السفر "وثيقة سفر" لعلمها بأن مراجعة السفارة السورية في بروكسل أحد أكثر الأشياء خطراً بالنسبة للسوري المعارض للنظام، وبالتالي فإن الحصول على جواز سفر سوري قد يكون من المعجزات، أضف إلى ذلك تفاهة ذلك الجواز الذي لا يخول حامله الدخول إلّا إلى معتقلات النظام، إذ امتنعت السفارات العالمية والعربية عن منح السوري حق السفر إلى أي مكان، بتهمة حمله لجواز سفر سوري.

استطاعت وثيقة السفر الهولندية حل بعض المشاكل العالقة، مثل إمكانية التجوال في أوروبا بكل حرية، ولكن من أجل السفر إلى إحدى الدول العربية، على حامل هذه الوثيقة التي تشير وبقسوة إلى أنك لاجئ سوري، الحصول على تأشيرة دخول من السفارات العربية وقنصلياتها في هولندا، والتي معظمها يرفض منح تلك التأشيرة من خلال حجج واهية، وأحياناً بدون حجة، كما فعلت السفارة المغربية وجارتها التونسية.

إن حصولي على الجنسية الهولندية أشعرني بالحرية والأمان، فوعدت نفسي بالسفر إلى كل الدول العربية التي منعتني من السفر سابقاً، سأدخلها الآن بكل عنجهية وعجرفة، متجاوزة جميع السفارات العربية التي سأستغني عنها للأبد

بسبب كل ما ذكرته، فإن حصولي على الجنسية الهولندية أشعرني بالحرية والأمان، فوعدت نفسي بالسفر إلى كل الدول العربية التي منعتني من السفر سابقاً، سأدخلها الآن بكل عنجهية وعجرفة، متجاوزة جميع السفارات العربية التي سأستغني عنها للأبد.

لقد كانت أحلام يقظتي طويلة جداً وممتعة، إذ أخذتني إلى المغرب فتونس ثم الأردن ولبنان وووو...، ولم يبق لتحقيق تلك الأحلام إلّا الحصول على جواز السفر الهولندي، الذي يصدر عادة بعد حفل التجنيس بأسبوع تقريباً، ولكن وقبل الحصول عليه ببضعة أيام، أغلقت جميع الدول مطاراتها وأوقفت شركات الطيران رحلاتها، إذ تعاظمت أزمة فيروس كورونا وأرخت بظلالها على العالم كله، فتساوت بذلك جميع جوازات السفر بفقدانها لأهميتها، لذلك عندما استلمت الجواز الأحمر قلبته باستهزاء وقلت لنفسي: "قليل البخت عضّه كلب في الزحمة".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image