شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"خائفة من الفقر والفيروس ومحرومة حتى من الهواء"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

العالم العربي وكورونا

الأربعاء 22 أبريل 202005:48 م

الساعة تشير إلى حوالي الخامسة ونصف مساء، المكان مدينة الدار البيضاء، الجميع يترقب خبراً بشأن تمديد الحجر الصحي من عدمه، والذي بات يخضع له المغاربة منذ شهر مارس الماضي، أي بعد أسابيع قليلة من رصد أول إصابة بفيروس "كوفيد-19"، في البلاد.

لا شك أنّ الحجر الصحي غيّر من عادات عيش المغاربة، وبات أمراً مفروضاً عليهم، وواقعاً يجب تقبله.

"أرجو عدم الإعلان عن تمديد المدة الزمنية للحجر الصحي، على الرغم أن كل المؤشرات تدل على العكس"، تقول نعيمة، سيدة في عقدها الخامس، وتسكن في الدار البيضاء، وهي تحاول جذب أطراف الحديث مع كل شخص يصعد إلى سطح المنزل، لعلها تكسر من إحساسها بالضجر.

أمسى سطح المنزل ملجأ العديد من المغاربة الذين يخضعون إلى الحجر الصحي للأسابيع، حيث في ظل الحجر، يمكن أن ترى مشاهد غير معتادة لدى المغاربة، مثل شباب يمارسون الرياضة أو رجال فضلوا كسر الملل بتنظيف "الزاربي"، وغسل الملابس على السطوح.

تقول نعيمة وهي تنظر إلى السماء تارة، كأنها تشكي همها إلى الله، وتارة تخفض عينيها نحو الأرض، وكأنها ترفض البوح بعوزها إلى أحد: "رمضان قادم، ولم أتوصل بالمساعدات التي وعدتنا بها الحكومة، ولا أتوفر على ثمن الرغيف"

"واش أعلنوا عليه؟ هل أعلنوا عن تمديد الحجر الصحي؟"، تسأل نعيمة باهتمام أحد الشباب، وهو يتمشى على سطح المنزل المجاور لمنزلها.

أجابها الشاب:" نعم للتو، أضافوا شهراً آخر من الحجر".

"شهر آخر"، تعلق نعيمة في استنكار، يجيبها الشاب: "نعم خالتي شهر إضافي آخر".

"الله ياربي، كيف سأمضي شهراً آخر داخل المنزل"، تقول نعيمة لرصيف22.

تتابع حديثها باستسلام: "حرمنا من الهواء، ولا أتوفر على الكثير من الكمامات، ولا أخرج إلا للضرورة، متى سينتهي هذا الوباء؟".

تستطرد نعيمة وهي تنظر إلى السماء تارة، كأنها تشكي همها إلى الله، وتارة تخفض عينيها نحو الأرض، وكأنها ترفض البوح بعوزها إلى أحد: "شهر الفضيل لم يبق له سوى أيام معدودة، ولا أتوفر على ثمن الرغيف، لم أتوصل بالمساعدات التي وعدتنا بها الحكومة، فعلت كل ما هو المطلوب مني، لكني لم أتوصل بأي شيء، من الممكن أن يعاودوا الاتصال بي، على أي حال سأستفسر من السلطات في يوم الغد حول هذا الموضوع".

تضيف نعيمة: "لم أتزوج ولم أرزق بأطفال، بعد وفاة شقيقي بحادث سير، أعيش لأطفاله فقط، أتعب وأشقى لأجلهم".

"قبل زمن كورونا، كنت أطبخ الفطائر وأبيعهم، لكن الآن لا أستطيع، فأنا مسجونة في المنزل".

"الهواء محرومون منه"

تصمت نعيمة، وتنظر إلى السماء مرتدية كمامة، ونسيم الهواء الربيعي يتطاير من حولها، تحاول نعيمة الاستمتاع به لكن بدون جدوى، فالكمامة التي ترتديها تحول دون ذلك، تضيف مسترسلة، "يا إلهي حتى الهواء حرمنا منه، أرجو من الله أن يرفع عنا هذا الوباء في أقرب وقت".

نعيمة ليست وحدها من تتألم بصمت، هي عينة من نساء كثيرات في المغرب، تسببت لهن حالة الطوارئ الصحية بتغييرات جذرية في طريقة عيشهن، ومسّت بشكل مباشر قوت يومهن.

إذ وجدت بعض الأسر، لا سيما النساء المعوزات، أنفسهن من دون أجر، سواء المطلقات أو الأرامل أو الأمهات العازبات.

وقد وجهت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، قبل أيام، انتقادات للمسطرة المعتمدة لتوزيع الدعم على الأسر المتضررة من جائحة انتشار فيروس كورونا المستجد.

"النساء هن الأكثر عرضة، وبشكل مقلق، لمخاطر تبعات الأزمة الناتجة عن الحجر الصحي".

وأوضح المكتب المركزي للجمعية في تقريره، أن المعطيات المتوفرة خلال الفترة التي مرّت من الحجر الصحي، تؤكد أن النساء هن الأكثر عرضة، وبشكل مقلق، لمخاطر تبعات الأزمة الناتجة عن الحجر الصحي.

واعتبرت الجمعية أن التدابير الخاصة المستجدة لمكافحة وباء كورونا، لم تأخذ بعين الاعتبار مقاربة النوع الاجتماعي، عند تحديد المساطر المتبعة لتوفير الدعم، حيث تم استثناء النساء المتزوجات، ولو كن معيلات لأسرهن، والنساء الأرامل، كما تم استثناء المطلقات بمبرر تحمل الطليق لنفقة أبنائه، كما أن المنحة المؤقتة المخصصة للعاملين في القطاع غير المهيكل، مشروطة بتقديم رب الأسرة للطلب، وبتقنيات تواصلية ليست بالضرورة في متناول فئات عريضة من النساء.

"أُجبِرنا على العمل فأُصِبنا"

إن كانت السيدة نعيمة سئمت من المكوث داخل المنزل بسبب الحجر أو بسبب الحاجة، فإن سمية ترغب بشدة الخضوع له خوفاً من كورونا، إلا أنها لا تستطيع ذلك، بسبب مشغلها الذي أصر على استمرارها في العمل، على الرغم ما يشكله ذلك من خطورة عليها وعلى باقي زملائها.

سمية (35 سنة)، تعمل مستخدمة في إحدى المعامل في الوحدة الصناعية في الدار البيضاء، تحكي لرصيف22 عبر الهاتف، أنها أصيبت بفيروس كورونا، جراء مخالطتها لإحدى العاملات بالشركة التي تشتغل فيها.

سمية التي تتابع علاجها في إحدى المستشفيات المتواجدة في الدار البيضاء، تحكي بمعنويات مرتفعة، أنها أصيبت بالفيروس، ومعها أكثر من مائة عاملة.

"أصبت بكورونا مع أكثر من مائة عاملة".

تضيف: "صاحب الشركة أصر على العمل، عملنا ونحن مرعوبات من إصابتنا بالفيروس، لكن لم يكن بيدنا حيلة سوى العمل، طرف الخبز صعيب"، بحسب تعبيرها.

يشهد المغرب ارتفاعاً متزايداً في عدد الحالات المصابة بهذا الفيروس الشديد العدوى، وذلك راجع بالأساس إلى ظهور بؤر عائلية، وفي بعض الوحدات الصناعية والإنتاجية.

إذ أصيب، حسب منابر إعلامية مغربية، عدد كبير من النساء ممن يشتغلن داخل شركة متخصصة في المواد والأجهزة شبه الطبية، بمنطقة عين السبع بالدار البيضاء، وتأكد إصابة فتاة وافتها المنية بحي المباركي بمدينة العرائش، شمال المغرب، حيث أفادت التحاليل إصابتها بفيروس كورونا، وهي التي كانت تشتغل بوحدة صناعية بالعرائش، بالإضافة الى إصابة عشر نساء من نفس المصنع الذي يضم أكثر من 3 آلاف عاملة.

"سلامة النساء أولوية"

تقول سميرة موحيا، ناشطة حقوقية في فيدرالية رابطة لحقوق النساء، في حديثها لرصيف22، إن منظمتها راسلت محمد أمكراز، وزير التشغيل والإدماج المهني، بشأن حماية النساء العاملات في المصانع والضيعات الفلاحية من فيروس "كوفيد -19"، وضمان شروط السلامة لهن في مقرات العمل.

"صاحب الشركة أصرّ على العمل، عملنا ونحن مرعوبات من إصابتنا بالفيروس، لم يكن بيدنا حيلة سوى العمل، طرف الخبز صعيب" عاملة مغربية مصابة بكورونا لرصيف22 

وأضافت سميرة أن الجمعية تطالب وزير الشغل بالتدخل العاجل بمعية القطاعات المعنية، لاتخاذ كافة التدابير اللازمة من أجل حماية النساء العاملات بمختلف القطاعات الصناعية، الفلاحية والتجارية، للحد من تفشي فيروس كرونا، وضمان شروط السلامة لهن ولعائلاتهن من هذا الوباء.

وشددت سميرة على "ضرورة اعتبار سلامة النساء أولوية على تحقيق الأرباح الاقتصادية في القطاعات الصناعية والفلاحية"، داعية إلى "اتخاذ كافة التدابير والإجراءات والعقوبات في حق المشغلين، الذين ثبت في حقهم التلاعب بحياة وسلامة العاملات/ وخرق قانون الطوارئ، أو ثبت استغلالهن وابتزازهن".

إلى ذلك، انتقد حقوقيون استمرار العمل في العديد من المؤسسات الإنتاجية، التي تعرف تمركزاً كبيراً لليد العاملة النسائية، وفي الغالب يتم فيها العمل في شروط لا توفر وسائل الحماية من العدوى، سواء في وسائل النقل أو في مكان العمل، ما يشكل خطراً على حياة العاملات اللواتي أصيب العديد منهن بالعدوى.

سمية أو نعيمة أو غيرهن من النساء العاملات في المصانع أو داخل الحقول، أو في قطاع غير مهيكل، يعدّ الحجر الصحي بالنسبة لهن مرادفاً للخوف، سواء من انقطاع الرزق أو من التقاط الفيروس.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard