يمرّ العالم هذه الأيام باشياء لا يمكن السيطرة عليها؛ أشياء تترتب عليها تغيرات كبيره في مختلف مناحي الحياة. وقد منعت هذه التغيراتُ الكثيرين من الخروج من المنزل إلا للضروة القصوى، وحدّت من الحرية في التنقل، وأشعرتنا بالقلق حول التأثير المحتمل لهذا الفيروس علينا، علاوة على التأثير الاقتصادي، لاسيما عندما نذهب إلى السوبر ماركت لشراء احتياجاتنا فنجد الرفوف فارغة.
شعورنا بالقلق هو أمر طبيعيّ في هذه الظروف التي نعيشها، وقد يكون من الصّعب عدمُ الشعور بالقلق والتوتّر، خصوصاً مع همجة التحديثات عبر شاشات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي. لكن التوتر يتسبب في اضطراب الأجهزة الحيوية بالجسم، ممّا يؤثر على الوظائف الرئيسية لتلك الأجهزة، ويتضرّر الجهاز المناعي؛ أمر يُعدّ من ضمن الأسباب التي تجعلنا عرضة للإصابة بفيروس كورونا.
ولهذا يقدّم معلّمو التأمل واليوغا مساراً آخر للتعامل مع الأحداث الخارجة عن سيطرتنا، ويوصون بتوخي الحذر وليس الذّعر، وأن نستغلّ هذه الفترة لأخذ قسط من الراحة، فالبكادّ يقضي الكثير منا وقتاً مع نفسه. لذلك ليس هناك وقت أنسب من الوقت الحالي للانطلاق في رحلتنا الداخلية عبر أي طريقة من طرق التأمل المختلفة والتي تشترك جميعها في شيء واحد، وهو تهدئة العقل ومساعدتنا على التحكم في التوتر والقلق بشكل أكثر فاعلية.
يقول عنتر كيراد، أحد معلمي التأمل في مركز "أوشو سانغام" في ناجبور وسط الهند لرصيف22: "أنا لستُ قلقاً من فيروس كورونا المستجد. يجب ألا نقلق! لقد مرّ العالم بالعديد من الأزمات السابقة كالكوليرا، والطاعون، وأنفلونزا الخنازير، وإيبولا، وغيرها، وقد تمّ القضاء على جميعها. لذلك لا تقلقوا! هذا الوباء سوف يزول إن لم يكن اليوم فغداً، علينا فقط أن نقوي جهازنا المناعي، ولذلك أنا هنا بمفردي بعد أن رحل الجميع إثر فرض الحكومة الهنديه الإغلاقَ التامّ من أجل منع انتشار فيروس كورونا".
يمكننا أن تتخيل أن الهواء الذي نستنشقه هو عبارة عن ضوء. نستنشق ضوءاً، ليخرج مع الزّفير بكلّ ما نحمله من نوايا طيبة، وكأننا نرسله لكلّ شخص حيّ موجود على الأرض
ويضيف عنتر: "هنا في (أوشو سانغام) لا يوجد تلفزيون، لا نشرات إخبارية، ولا صحف، أستمع إلى اغاني الطبيعة، تغاريد الطيور، أصوات حيوانات الغابة، زأسقي النباتات؛ أتناول طعاماً صحياً أطهوه بنفسي؛ وأمارس اليوغا والتأمل. وجودي في (أوشو سانغام) وسط الغابة هو أفضل عزلة يمكن أن أحصل عليها في عام كوفيد 19 المرعب".
ولا يختلف الحال مع محمد سيف من مصر، مؤسس مجموعة "وادجت بوينت للتدريب والتنمية البشرية"، وصاحب منهج تأمل العناصر الأربعة بأسلوب مصر القديمة الذي انتقل من مدينة الإسكندرية إلى دهب منذ خمس سنوات ليمارس حياته اليومية بعيداً عن الضوضاء وازدحام المدينة.
يقول محمد سيف لرصيف 22: "لقد اتّخذت لحياتي مساراً مختلفاً من حيث ممارساتي اليومية لتمارين التأمل وفائدتها الهامة جداً من ناحية ضبط هرمونات الجسم ووظائف الغدد وتقوية جهاز المناعة. وقد ساهمت هذه العادة الجيدة بشكل إيجابي في الحدّ من تأثير فيروس كورونا المنتشر حديثاً، حيث أن ذبذبات الجسم تكون في حالة قوية إن ساهمت في مقاومة البكتيريا والجراثيم والفيروسات، والحمد للّه لم تسجّل أيّ إصابة في دهب إلى الآن".
لقد اتّخذت لحياتي مساراً مختلفاً من حيث ممارساتي اليومية لتمارين التأمل وفائدتها الهامة جداً من ناحية ضبط هرمونات الجسم ووظائف الغدد وتقوية جهاز المناعة
ويشرح لنا محمد سيف ثلاثَ خطوات تقنية بسيطة من تقنيات التأمل لنمارسها في المنزل بمفردنا. يقول محمد: "قبل أي شيء يجب الجلوس في أي وضع مريح للجسم، ويستحسن أن نكون جالسين القرفصاء على الأرض، ثمّ نبدأ الخطوة الأولى بالتنفس شهيقاً عن طريق المعدة، بمعنى أن نملأ المعدة بالهواء، وهذا لكي نفسح مجالاً أكثر للرئتين لتتّسع لأكبر كمية من الأكسجين، وهذا بدوره سيحسن وظائف القلب ويضبط الضغط والدورة الدموية، ثمّ نتنفس زفيراً، وهنا نقوم بشفط البطن للداخل والتخلص من كلّ الهواء في المعدة والرئتين. ونقوم بتكرار هذه العملية قدر المستطاع." وينصح محمد بالتنفس بهذه الطريقة خلال اليوم، وفي أي وقت، وليس أثناء ممارسة التأمل وحسب.
الخطوة الثانية هي التركيز على تأمل أنفاسنا وهي تدخل وتخرج إلى ومن أجسامنا فقط، ومحاولة تأجيل التفكير في أي شيء يخطر على البال في تلك اللحظة؛ التنفس فقط. وهذا يساعد العقل والجسم في إعادة ترتيب وتنظيم طاقة الجسم وخاصة الجهاز العصبي".
أما الخطوة الثالثة فهي التخيل؛ وهنا بعد أن أمضينا وقتاً مسترخين ومتأملين في أنفاسنا التي تدخل وتخرج من وإلى أجسامنا، وحصولنا على تركيز وصفاء جيد لا تتخللهما أي أفكار، يمكننا أن تتخيل أن الهواء الذي نستنشقه هو عبارة عن ضوء. نعم، ضوء! نستنشق ضوءاً، ونتخيله ينتشر في أرجاء أجسامنا، ويخرج مع الزفير بكلّ ما نحمله من نوايا طيبة، وكأننا نرسله لكلّ شخص حيّ موجود على الأرض؛ كأننا مصدر الضوء، وكلّ ما يخرج منّا هو خير وحبّ للكون كلّه. ونستمر في استنشاق النور وإخراجه بالزفير على قدر المستطاع. ويستحسن أن نقوم بهذا التدريب من مرتين في اليوم إلى ثلاث مرّات في الصباح وعند الغروب والمساء".
ويختم محمد: "لا أقول هنا إن التأمل سوف يحمينا، لكنه أحد الأسباب التي تقلل من مستويات التوتر، وتخفف من القلق بشأن فيروس كورونا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...