شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"عشت ما لم أعشه في أهرامات الجيزة"... التأمل في "وادي الهرم" الهندي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب

الأحد 19 يناير 202005:47 م

كانت المرة الأولى في حياتي التي أذهب فيها إلى أهرامات الجيزة بعد منتصف الليل، عندما دعاني أحد الأصدقاء الهنود المقيمين في مصر، لمرافقة مجموعة قادمة من الهند، بغرض زيارة الهرم وممارسة التأمل، ومصاحبة أحد المعلمين الروحانيين ويدعى براهمارشي باتريجي، مؤسس "وادي الهرم" بالهند.

كان علي أن أكون في الهرم الساعة الرابعة فجراً، لأنهم قد أخذوا تصريحاً لمدة ساعتين، كنت أنا المصرية الوحيدة بين المجموعة، وعرفت لاحقاً أنه غير مسموح للمصريين زيارة الهرم في هذا الوقت، إلا برفقة أجانب.

دخول الهرم في الساعة الرابعة فجراً تجربة مثيرة ومخيفة، وخصوصاً عندما طلب المعلم من الحارس إطفاء الأنوار، هل يمكن أن تتخيلوا وجودكم داخل هرم الملك خوفو الساعة الرابعة فجراً دون أنوار، دون سماع أي صوت حولك سوى صوت أنفاسك، ثم يهمس المعلم قائلاً: اصمتوا، اختبروا الصمت، الصمت فقط؟

بعد انتهاء الساعتين بسرعة البرق، وأثناء خروجنا من الهرم، سألني المعلم كيف كان شعوري، أجبته: "إنها كانت تجربة مهيبة وعميقة، المرة الأولى بحياتي التي اختبرت فيها الصمت المطلق والعتمة، وأنني أرغب بتكرار هذه التجربة مرة أخرى، ولكن للأسف غير مسموح للمصريين بالتواجد في هذه الأوقات هنا".

أجابني المعلم: "تعالي إلى وادي الهرم في الهند، واحضري معنا هذا العام المؤتمر السنوي "المهرجان العالمي للعلوم الروحية"، الذي يضمّ نخبة من العلماء الروحيين، وخبراء اليوغا، والتاي تشي، والأكل الصحي من أنحاء العالم، وزوري هرمنا".

"توت عنخ آمون" في الهند

كان مقرراً لي أن أسافر الى الهند لإتمام بعض الأعمال الخاصة بوظيفتي، وقررت أن أمر على "وادي الهرم" ورؤية المعلم، في مدينة بنغالور في ولاية كارناتاكا، والذي يبعد حوالي 76 كم عن مطار بنغالور، وعلى طريق بنغالور – كولار السريع في الطريق الى "وادي الهرم"، رأيت من على بعد كيلومتر تمثالاً عملاقاً، لم تتبين لي ملامحه بعد، لكنه كان ملفتاً للنظر بسبب حجمه العملاق، وعندما اقتربنا منه، وجدته تمثالاً للملك توت عنخ آمون، واقفاً عند مدخل منتجع يحمل اسم "جولدن آمون".

توت عنخ آمون في الهند! يبدو أن صاحب المكان مصري، سألت السائق الهندي، لكنه فاجئي بإجابته التي كانت عكس توقعي: "لا! صاحبه هندي".

وأخبرني السائق أنه أكبر تمثال مصري في العالم بارتفاع يبلغ 66 قدماً، صُمم كتحية من المالك لواحد من أقوى وأشهر الملوك المصريين الذين حكموا مصر.

 هل يمكن أن تتخيلوا وجودكم داخل هرم الملك خوفو الساعة الرابعة فجراً دون أنوار، دون سماع أي صوت حولكم سوى صوت أنفاسكم، ثم يهمس المعلم قائلاً: اصمتوا، اختبروا الصمت، الصمت فقط؟

يقع هذا المنتجع ذو الخمس نجوم وسط ضاحية هادئة، بعيدة عن صخب المدينة، وعرفت أيضاً أن المالك لديه شغف بالحضارة المصرية، فليس تمثال توت عنخ آمون هو التمثال الوحيد في المنتجع، بل يوجد بداخل المنتجع العديد من التماثيل الأخرى الأصغر حجماً، وأطلق على قاعة المؤتمرات اسم "قاعة أنوبيس"، لقد كانت بداية لطيفة أن أرى هذا المنتجع بعد خروجي من المطار، وأنه ليس له علاقة بـ"وادي الهرم".

بعد حوالي ساعتين وجدت نفسي أخيراً عند مدخل الهرم، كان المكان مزدحماً بالسيارات، وبمجرد خروجي من السيارة وجدت نفسي وسط أشخاص من أصول مختلفة، ومتطوعين، يقودون كل مجموعة الى مكان إقامتهم للتعرف على المكان.

وبدأت بالسير مع مجموعة نحو الهرم الذي كان يتراءى من بعيد، لقد كان هرماً أكبر مما تخيَّلت، ولا عجب أنَّ بناءه استغرق أربع سنوات، استخدم فيه البنَّاؤون المبادئ المعمارية لهرم الجيزة، لإيمانهم بأن الأهرامات هي مخازن للطاقة، وعندما يتم التأمل داخل الهرم (والذي يعرف باسم التأمل الهرمي)، وبالتالي فهو أقوى ثلاث مرات عن التأمل العادي.

وهم يطلقون عليه في المنتجع اسم هرم مايتريا – بوذا، وهو عبارة عن هيكل رمادي قائم على ارتفاع 102 قدم، وقاعدة تبلغ مساحتها 25000 متر مربع، ويستوعب حوالي 5000 متأمل.

ورغم أن الهرم مبني بنفس مبادئ أهرامات الجيزة إلا أنه يبدو مختلفاً، فجداريات الهرم هنا تعرض عناصر مختلفة من الطبيعة: الشمال يصور الهواء، الجنوب يصور النار، الشرق يصور الماء، بينما الغرب يمثل الأرض.

"معزولة عن العالم الخارجي"

سرنا وسط طريق مرصوفة على جانبيه الأشجار، وجدران مزينة بملصقات إعلانية عن أهمية الهرم والخدمات المتاحة في "وادي الهرم"، علاوة على ذلك توجد لافتات كل بضعة أمتار مكتوب عليها حكم وعبارات لبعض المعلمين الروحانيين، وكأنها رسائل للزائر.

ورحت أمشي حتى وصلت الى تمثال لبوذا الذي يجلس على بعد أمتار أمام الهرم، في وسط نافورة صغيرة، مغمضاً عينيه في وضعية التأمل، إنه مصنوع بشكل متقن وجميل، ليشيع جواً من السلام والسكينة، واخذت صورة تذكارية أمامه ثم أكملت سيري.

وجدت سلماً يؤدي إلى الهرم، وبعض الأحذية الموضوعة، فهمت أنه يجب علي أن أخلع حذائي، خلعت حذائي وبدأت صعود درجات السلم المؤدية إلى باب الهرم، وقبل أن أدخل وجدت لافتة مكتوب عليها "التزام الصمت"، وغلق الهواتف المحمولة، وأن التصوير الفوتوغرافي والفيديو داخل الهرم ممنوع، دخلت بهدوء، لقد أذهلتني الهالة الصامتة التي سقطت علي، شعرت كما لو أنني معزولة عن العالم الخارجي.

كان الجدار مزيناً بمجموعة كبيرة من اللوحات الفنية لبوذا، وبعض الملصقات التي توضح أهمية الهرم، وكذلك الطريقة الصحيحة للتأمل، وحوالى 640 بلورة كريستالية رائعة تزين سقف الهرم (للمساعدة في تحقيق تجربة روحية أكثر عمقاً)، وهناك العديد من الجالسين أرضاً، وآخرون جالسون في آخر الهرم على كراس بلاستيكية، ورأيت سلماً حلزونياً يودى إلى غرفة بالأعلى، في ثلث ارتفاع الهرم، يبلغ طولها 34 قدماً، ولافتة مكتوباً عليها "غرفة الملك" إذا كنت مستعداً للتأمل لمدة ثلاثين دقيقة.

فهمت بأن الغرفة بالأعلى لمن يرغب بانعزال أكثر، ولا يسمح بصعودها إلا إذا كنت على استعداد للتأمل لمدة ثلاثين دقيقة.

رغم أن الهرم مبني بنفس مبادئ أهرامات الجيزة إلا أنه يبدو مختلفاً، فجداريات الهرم هنا تعرض عناصر مختلفة من الطبيعة: الشمال يصوّر الهواء، الجنوب يصوّر النار، الشرق يصوّر الماء، بينما الغرب يمثّل الأرض

ليس الهرم هو المكان الوحيد المخصص للتأمل في "وادي الهرم"، فكل ركن فيه هو مناسب تماماً للاسترخاء التام للعقل والجسد، وهناك أيضاً 10 أهرامات صغيرة مستقلة بمساحة 8 في 8، للمتأملين الذين يريدون ممارسة التأمل بشكل فردي.

يوجد أيضاً مكان وسط التلال الصخرية، تحيط به الحدائق الخضراء المُورقة لمُحبّي الطبيعة.

وبعد قضاء نصف اليوم داخل الهرم، قضيت بقية اليوم حول المروج الخضراء المحيطة بالهرم، بعد محادثة مع أحد المتطوعين في المكان، أخبرني أن الوادي به العديد من الأنشطة والمرافق الأخرى.

لقد كانت زيارتي إلى "وادي الهرم" زيارة ثاقبة، لقد خرجت بأكثر مما توقعت، نظراً لوجودي في ضواحي المدينة، بعيداً عن الضجيج المزعج، معظم السياح الذين يزورون بنغالور لا يتنبهون لهذه البقعة السياحية الجميلة المجهولة حتى من قبل أهل المدينة أنفسهم.

إلى جانب كونها مكاناً هادئاً، فكل الأنشطة في المكان مجانية عدا السكن، وهو أيضاً بسعر معقول، والذي يجعله مكاناً يستحق الزيارة، أثناء وجودك في بنغالور.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image