على خلفية تقرير متلفز يرصد تضرر العمال المياومين من قرارات حظر التجوّل العام في المملكة، أوقفت نيابة أمن الدولة الأردنية كل من مدير عام قناة "رؤيا" الخاصة، فارس الصايغ، ومدير أخبارها ومقدم برنامج "نبض البلد"، محمد الخالدي، لمدة 14 يوماً.
وذكرت القناة عبر موقعها الرسمي أن النيابة العامة لدى محكمة أمن الدولة باشرت، مساء 9 نيسان/ أبريل، التحقيق مع الصايغ والخالدي، "على خلفية نشر إحدى المواد الإعلامية التي بثت على شاشة رؤيا ومنصاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي"، ثم أصدرت قراراً بتوقيفهما.
ما سبب التوقيف؟
وأتى توقيف الإعلامييْن العامليْن في القناة التي حققت انتشاراً واسعاً منذ تأسيسها عام 2011، على خلفية بث تقرير مصور عن أثر قرارات حظر التجوّل العام في أنحاء البلاد على العمال المياومين، أي العاملين بأجر يومي.
التقرير الذي بُث ضمن برنامج "نبض البلد"، عبّر فيه عدد من العمال عن تضررهم البالغ من قرارات الإغلاق وقال أحدهم بصوت مختنق: "كلنا هاذول البشر شغالين يومية. أنا من هون ليومين تلاتة، ما فتحوا، بدي أروح أسرق، بدي أطعمي (أوفّر طعاماً لأسرتي) شو بدي أسوي؟ أنا أشتغل بالمخدرات أو أروح أسرق؟ ما ظل إلا أروح أسرق. افتحوا خليها تصيبنا كورونا ونموت. أنا أخوي مات من شهر، خليني أروح أقعد جنبه، أحسن لي، أحسن ما روح أطلب من واحد بيستاهل أو ما بيستاهل أطلب منو خمس ليرات".
الاستطلاع الذي حُذف عن اليوتيوب وكانت قد بثته قناة #رؤيا قبل أيام عن "عمال مياومة وأردنيين يطالبون بتخفيف إجراءات الحظر لكسب قوت يومهم".
— Mohammad Ghbari (@Mohammad_Ghbari) April 9, 2020
1/2 pic.twitter.com/fBlob8ri9c
وتابع: "كل العالم، كل العالم ميتة من الجوع. أنا بجبلك ألف عيلة... أوقّف أمّي بين الشحادين؟ طلعي (أنظري) بيشحدوا قاعدين... عليّ الطلاق بالثلاثة شلن في جيبتي ما معي وكلهم نفس الإشي... هدول لي بيقعدو يحكو... تعال اعطينا مصاري أو بدناش منك مصاري بدنا منك تفتح ونروح نشتغل".
"نقل أوجاع الناس ليس جريمة"... النيابة العامة الأردنية توقف إعلامييْن في قناة "رؤيا" الخاصة بعد تقرير مصوّر عن تضرر العمال المياومين من الإغلاق العام، ضمن تدابير مكافحة كورونا
وقالت سيدة مسنة أخرى: "الأوضاع سيئة. أنا ابني بيشتغل مياومة... من يوم ما قعّدوه ما في قرش بالدار. لا في كاز ولا غاز ولا خبز ولا رز ولا سكر ولا فوط لولادو. أنا من الـ2011 بقدم على المعونة الوطنية والمعونة الوطنية مش سائلة فيّي".
عقب توقيف الإعلاميين، حذفت القناة التقرير عبر موقعها الرسمي وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت في البيان الذي أصدرته إنها "كانت وستبقى داعمة لجهود الدولة الأردنية في كافة الأزمات باعتبارها جزءاً من إعلام الدولة الأردنية الذي يعمل بمهنية عالية وبحس وطني مسؤول"، وإنها "في ذات الوقت تحترم مبدأ سيادة القانون واستقلال ونزاهة القضاء الأردني العادل".
وختمت: "يؤكد مجلس إدارة قناة رؤيا برئاسة السيد ميشيل الصايغ على ثقته بجهود الدولة الأردنية في حماية الوطن والمواطن منذ بداية أزمة جائحة كورونا تحت قيادة الملك عبدالله الثاني".
وفرض الأردن حظر تجوّل شامل لمدة 24 ساعة اعتباراً من منتصف ليل العاشر من نيسان/ أبريل، للحد من تفشي فيروس كورونا المستجد. وبلغت حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس في البلاد 372 حالة، بينها سبع حالات وفاة، حتى كتابة هذا التقرير.
"بث سموم"؟
قرار النيابة العامة أثار جدلاً واسعاً بين فريق أيّد معاقبة القناة متهماً إياها بـ"بث سموم والتحريض ضد إجراءات الدولة"، وآخر ندد بـ"استهداف الإعلام الحر الذي ينقل الواقع دون تلميع".
وبينما لم توضح السلطات سبب التوقيف، رجح أردنيون تفاعلوا مع الحادثة على مواقع التواصل الاجتماعي أن الاتهامات هي "مخالفة القانون، بث مواد مسمومة وتحريضية ضد إجراءات الدولة، والتطاول على الدولة الأردنية".
وأعرب فريق من المعلقين عن سعادته بالإجراء الحكومي، متهماً القناة بـ"دس السم في العسل" و"استغلال الأزمة للتطاول على الدولة"، مذكراً بمآخذ سابقة على عملها أبرزها، على حد زعمه، معارضة إضراب المعلمين للمطالبة بحقوقهم في العام الماضي.
وغالى البعض في اتهام القناة بعدم المهنية، وطالب بمحاسبتها عن "القديم قبل الجديد" وبإغلاقها نهائياً.
"نقل أوجاع الناس ليس جريمة"
في المقابل، دافع كثيرون عمّا قدمته القناة ساخرين من مزاعم أن التقرير يحرّض المواطنين على الإتجار بالمخدرات. وأعربت الصحافية الأردنية نادين نمري عن تضامنها مع الخالدي والصايغ، موضحةً أن "نقل أوجاع الناس ووجهة نظرهم ليس جريمة، الرأي والتعبير حق وليسا جريمة. نبض البلد لسنوات هو نبض الناس ومؤشر مهم لحالهم".
وقالت الكاتبة الأردنية علا عليوات: "الكلام اللي زعلهم لو ما طلع عالتلفزيون فهو موجود عالأرض ولو بده يعمل بلبلة رح يعملها بدون تقارير"، محذرة من أن "الناس لما تشوف إنه صوتها وصل، ممكن تهدا شوي وتستنى. أما إذا ظلوا حاسين إنه ما حد درى فيهم ممكن ينفجروا فعلاً"، ومضيفةً أن "إيصال صوت الناس مش جريمة، بغض النظر عن مواقف رؤيا المخزية سابقاً".
وكتبت الصحافية الأردنية رغدة خليل: "من قلة الفهم، السماح باستغلال الظرف لتكميم الأفواه، وحرية الإعلام والصحافة".
"استغلال الظرف لتكميم الأفواه، وحرية الإعلام والصحافة"... السلطات الأردنية توقف إعلامييْن في قناة نقلت صرخة العمال المياومين من أثر الإغلاق العام على معيشتهم...
ولفت رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، إلى أن "اعتقال مالك قناة رؤيا الأردنية وأحد مذيعيها على خلفية ما قيل أنه بث لمواد ‘تحريضية’، يوجه رسالة تفيد بأن السلطات هناك لا تتسامح مع أي تغطية إعلامية حساسة، ويعكس رغبة في تطويع الإعلام لخدمة الرواية الرسمية فقط بعيداً عن حرية الصحافة وتعددية الإعلام".
بدوره علق الرئيس التنفيذي لمركز حماية الصحافيين الأردنيين، نضال منصور، عبر حسابه على فيسبوك: "سمعت بتوقيف مالك محطة رؤيا الزميل فارس الصايغ ومدير الأخبار الزميل محمد الخالدي. استعلمت من الحكومة عن صحة هذه الأنباء والسبب وراء ذلك، فكان الجواب لا نعرف".
وأضاف: "ندرك أن الظروف صعبة. لكن علينا التمسك بحماية الحقوق والحريات، ونذكّر الحكومة بتعهداتها بعدم المساس بهذه الحقوق التزاماً بأوامر الملك حين وافق على قانون الدفاع" الذي أعلن العمل به لمواجهة الجائحة في 17 آذار/ مارس الماضي.
وعقب بيان "رؤيا"، طالب مركز حماية وحرية الصحافيين الأردنيين، في بيان، بالإفراج عن الصايغ والخالدي، داعياً الحكومة إلى "الكشف عن أسباب توقيفهما".
واعتبر المركز أن "التوقيف عقوبة مسبقة"، منبهاً إلى "أهمية دور الإعلام في مجابهة الأزمات، ودوره في التوعية وإيصال المعلومات للجمهور".
وفيما أعرب المركز عن تقديره للجهود الرسمية المبذولة للحد من تفشي كورونا، حث على الاستمرار بهذا "النهج الإيجابي الذي يوحّد الشارع، وتفادي الإجراءات أو التدابير التي تخالف سياسة الانفتاح، وتحرف البوصلة عن قصص نجاح الأردن وتماسكه ضد الجائحة، مثل توقيف الصحافيين".
وذكّر أيضاً بتعهد رئيس الوزراء الأردني، عمر الرزاز، بعدم مساس أوامر الدفاع بحقوق الناس وحرياتهم.
وخلص تقرير لمنظمة كير الإغاثية العالمية عن "التقييم الأولي لأثر وباء كورونا على الفئات الأكثر هشاشة في الأردن"، إلى أن 90% من المبحوثين في المناطق الحضرية ليس لديهم ما يكفي من المال لتلبية احتياجاتهم الأساسية خاصةً الغذاء والدواء.
وأشار التقرير إلى أن 95% منهم أضر حظر التجول بأشغالهم، فيما لا يحصل 98% منهم على راتب مع توقف العمل". وقال 90% من المستطلعين إنهم لم يتلقوا أي خدمات أو مساعدة من المنظمات والجمعيات المحلية أو الدولية أو من وزارة التنمية الاجتماعية خلال الأسبوعين الماضيين، أي منذ بدء حظر التجول.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ اسبوعينمقال رائع فعلا وواقعي