شغلت الأساطير حيزاً كبيراً من تفكير العرب على مدار سنوات وقرون الماضية. روى الأجداد هذه الأساطير وتناقلتها الأجيال، حتى أدّت إلى هجر أماكن بأكملها، تركها السكان خوفاً من سرد أساطيرها ، فيستمعون لحكايات مخيفة تفقدهم صوابهم بمجرد انتهاء راويها الذي يعلم عن صحتها شيئاً، وكذلك تسرب الرُعب لنفوس الكثير من العرب فأصبحت بعض المدن خالية تماماً من السكان.
ومن يتحمل الإقامة في أماكن تدور حولها أحاديث عن اختفاء أنصاف أجساد من يقتربون منها، أو من سيتجول بحديقة تلتهم أشجارها البشر، ومن سيهنأ بنومه عند سماع صراخ أطفال تطل من نوافذ قصور عالية؟ هنا نتعرف إلى هذه الأماكن معا.
الجزيرة الحمراء... بلدة الأشباح في رأس الخيمة بالإمارات
أصوات عالية وصخب غير محتمل يكسر هدوء الليل بالجزيرة الحمراء التي تُعتبر من أبرز الأماكن التي جعلتها الأساطير مهجورة. تقع الجزيرة الحمراء في رأس الخيمة التي حملت لقب جزيرة الأشباح خلال العقود الثلاثة الماضية.
فتجدون جزيرة بأكملها خالية من السكّان، مهجورة البيوت، فاقدة لأصوات الحياة بين البشر، بعد أن تركها أصحابها لتتحول إلى مساكن للقوارض والحشرات، ويعبث بتفاصيلها الزمن، ليمرّ عليها سارقاً معه كلّ معالمها الجميلة.
ذاع بين السكان انتشار أشخاص مجهولين على الطرق، وأصوات غريبة، وأشياء تظهر وتختفي، خاصة بعد قصة القصر المسكون.
القصر المسكون... أرواح شجرة ملعونة رفضتْ أن ترحل
قصر أشبه بقصور الأحلام، كلّف بناؤه قدرَ وزنه من الأموال، ليتمّ استخدامه ليلة واحدة فقط، وليتها كانت ليلة هانئة، ف أحداثها ومن ثم يُهجر إلى الأبد!! أليس غريباً؟
قصر القاسمي الذي وصلت تكلفته لأكثر من 500 مليون درهم قبل 25 عاماً، دارت حوله الأساطير؛ فسرد البعض حكاية ظهور وجوه أطفال تطلّ من نوافذ القصر ليلاً، بعد سماع صراخهم، لتكتمل دائرة الحديث بأن ليلة واحدة في هذا القصر كانت كافية لهجره إلى الأبد ممّا رأه أصحابه بداخله في تلك الليلة. وترجح الأسطورة أن السبب هو أن بناء هذا القصر تسبب في قطع شجرة مُعمرة، كانت قد زُرعت منذ زمن طويل هناك، ومعروف أنها مسكن لمخلوقات سفلية تسكن أسفلها، وأبى سكانها أن يرحلوا، ففضّلوا أن يسكنوا القصر!
يتوقع السكان أن بناء بئر برهوت كان على يد الجانّ ليكون سجناً لمخالفيهم، معتقدين في ذلك أن صحة هذه القصة تكمن في ظلام البئر نهاراً، وتصاعد بعض الغازات والأبخرة الكريهة منه
وبحسب اعتقادهم فإن مالك القصر رأى في تلك الليلة ما لا يستطيع تحمله، ومنها حاول مراراً وتكراراً أن يخرجهم ولكنهم رفضوا. وهل من يلقى قصراً للسكن يتركه بعد أن كان يسكن شجرة؟!
منزل الرُّعب في جميرا
وفي السياق ذاته، جاء هذا المنزل هو الآخر ليُكمل دائرة الرّعب في الإمارات، فانتشرت بين الأهالي أحاديثُ عن أنين رجال وصرخات أطفال تصدر باستمرار من هذا المنزل. يقع هذا المنزل في منطقة جميرا في دبي.
بناء دبي المسكون
بقى هذا البناء خالياً بمفرده حوالي سنتين، ظناً من سكانه بوجود مخلوقات أخرى تشاركهم إسكانه، فذاع بينهم الخبر في الـ33 طابقاً المكوّنة لهذا البناء. يتوقع بعضهم اختفاء هاتفه، ومن ثمّ يجده في مكان آخر ليصدق على كلامه جاره بأن نفس الأمر يجري مع فرشاة أسنانه.
قد نقابل مثل هذه الأحاديث بالسخرية، إلا أننا نحير حين نعرف أن الأمر قد تطور ليؤدي إلى انتحار ثلاث أشخاص بنفس العقار.
بئر برهوت اليمن... بئر الجنّ بين الاسطورة و الحقيقة
أما هُنا فنحن أمام قصص أساطير فاقت الوصف؛ أشخاص تختفي أنصافهم، وآخرون يرون ما لا يراه غيرهم. والبعض يسمعون أنيناً مستمرّاً، ويرون حمائم تلاحق المارّين قرب البئر، وأشخاصاً يختفون بلا رجعة، ولن تجدوا أكثر من الأقاويل حول بئر برهوت باليمن الذي يرتفع لأكثر من 250 متر.
وتعتبر أكثر هذه الأقاويل رعباً هي قصة الشخص الذي ربطه جيرانُه كي ينزل إلى البئر ويأتي لهم بالماء عند وقت الجفاف، ولكن حين كان يصرخ بهلع: "أخرجوني"، لم يعثروا إلا على نصف جسده بعد إخراجه سريعاً.
وتبعاً لأول زيارة تلفزيونية لبئر برهوت لقناة اليمن اليوم في برنامج "السلام تحية"، تحدّث السكّان بأنه لا يمكن لأي شخص النظرُ داخل البئر إلا في حالة تعامد أشعة الشمس على فجوة البئر التي تسكنها الحمائم البيضاء والأفاعي الكبيرة النادرة، بحسب حديثهم.
ومن جانب آخر يقول آخرون إن الأغرب هو سماع نهر جارٍ في أعماق هذا البئر، ومساحات خضراء تحيط قاعه من كلّ الجوانب رغم خصوصية المنطقة القاحلة الصحراوية والفاقدة لكلّ معالم الحياة.
وإكمالاً لسرد أساطير بئر برهوت، يتوقع السكان أن بناءه كان على يد الجانّ ليكون سجناً لمخالفيهم، معتقدين في ذلك أن صحة هذه القصة تكمن في ظلام البئر نهاراً، وتصاعد بعض الغازات والأبخرة الكريهة منه.
وفي السياق ذاته اعتقد البعض أنه مِلك لمَلك سخّر الجنَّ لإخفاء كنوزه بالدولة الحميرية القديمة، لأن "برهوت" يعني عندهم "أرض الجنّ".
كل هذه الأساطير والقصص جعلت من بئر برهوت مكاناً مهجوراً تماماً، فابتعدوا عنه بلا رجعة، خوفاً على أنصاف أجسادهم!
أور العراقية
تعتبر أور من اقدم المدن العراقية، كما يُقال عن علماء الكتب المقدسة إن المدينة كانت موطن ولادة النبي إبراهيم. تقع أورُ على بعد عدة كيلومترات من مدينة الناصرية الواقعة جنوب العراق، وقد بدأ وجودها منذ عام 3800 قبل الميلاد، لتكون بعد ذلك من أقوى المدن في عهد الإمبراطورية السومرية.
أصوات عالية وصخب غير محتمل يكسر هدوء الليل بالجزيرة الحمراء برأس الخيمة، وحملت لقبَ جزيرة الأشباح خلال العقود الثلاثة الماضية
ولكن الآن لا يعلم عن وجودها الكثير، بعدما تمّ هجرها بفعل الأساطير، فأصبح كلّ ما تبقى منها عبارةً عن أنقاض وبقايا معابد كانت يوماً ضخمة، أُطلق عليها "الزقورة"، أو "الزقورات"، والتي عُرفت في تلك الفترة بالعراق وسوريا، ثمّ إيران من بعدهما.
أساطير إفريقيا تتعدى الخيال
ما اكتشفناه مع البحث هو أنه لم يكن العرب وحدهم من يتخيلوا أساطير تروى، وتهرول عبر السنوات بلا توقف، لتتسبب في تهجير أماكن بأكملها، بل اتضح إن الأمر يتضاعف في الجانب الإفريقي، ليصل إلى تخيل أشجار تأكل البشر، وكائنات عبارة عن نصفين، كلّ جزء منه يُنسب لمخلوق آخر، فلنتعرف على اثنين منها أيضاً:
مدغشقر
ما نسرده لكم الآن ليس فيلمَ كارتون، بل هي عقيدة عند شعوب سلمت عقولها للخرافات؛ في مدغشقر تروي الأسطورة أن هناك شجرة تقتل كلّ من يقترب منها؛ لها جذور مُعقدة، ذات أوراق هائلة الحجم، لها أطراف حادة في نهايتها تشبه أسنان الوحوش المفترسة. وحين يقترب الشخصُ منها تُخرج من أزهارها التي تشبه الأكواب رائحةً شبيهة بالبنج، فيقع الشخص، وسرعان ما تلتهمه الشجرة، بعد أن تطبق بأوراقها عليه.
الأغرب أن مثل هذه الأشجار تكون ملعونة، ويعتقد السكّانُ أنه لا يمكن أبداً التخلّص منها، وحتى في حالة التجرّؤ على قطعها، فإنهم سيتعرضون للأذى بأيّ شكل من الأشكال؛ فمثلاً إذا صنعوا منها سفينة، سوف تنقلب في الماء، وجميع من عليها سيلقون حدفهم.
أفعى في منطقة ريتشرد فيلد
هذه الأسطورة تختلف عن كلّ ما تحدثنا عنه، فهي أفعى كهف العجائب تتحدث عن الخرافات الأفريقية، ويُطلق عليها الأفعى العظيمة بمنطقة ريتشرد فيلد، وتحديداً في جبل يقع شمال جنوب أفريقيا، ويُعرف باسم كهف العجائب. ويُقال إن هذه الأفعى كانت حيواناً ضخماً غير معلوم الهوية، تقتل البشر، وتتغذى على دمائهم، حتى رفضت الآلهة أفعالها، وقسمته نصفين؛ أحدهما أفعى والآخر فيل. وفي زمن ما اندمج النصفان ثانية، ليحمي كنوز كهف العجائب، ومنها أصبح المكان مهجوراً تماماً بسبب تلك الأسطورة.
ويرجح البعضُ أن تلك الأسطورة تحديداً تم إذاعتها لسبب محدّد هو الحفاظ على شيء ما داخل هذا الكهف، ولكيلا يجرؤ أحد على الاقتراب منه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 4 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...