بعد مرور أربع سنوات على قرار البنك المركزي بتعويم العملة المصرية عام 2016، تبدّل الكثير من نمط حياة المصريين، وأبرز ملامح النمط الجديد، هو غياب أشكال من الرفاهية، كانت تعني الكثير لأصحابها، مثل الاستغناء عن الكوافير، والأكل في المطاعم، وشراء ملابس "ماركات عالمية"، واستبدال أماكن سياحية بأخرى أقل تكلفة، وإلغاء فكرة السياحة خارج مصر.
وبات كثيرا من المصريين يؤرخون حياتهم الاقتصادية، وتعاملهم مع رفاهيتهم بـ"ما قبل وما بعد التعويم"، إشارة إلى تأثرهم البالغ بقرار البنك المركزي.
"ألغيت فكرة السفر"
أثّر تعويم العملة المصرية في نمط حياة محمد الطويل (38 عاماً)، مدير مالي لشركة عقارية في القاهرة، فبدأ يغير العديد من "الخطط الترفيهية"، يقول لرصيف22: "استبدلت السفر إلى مدينة مرسى علم السياحية، بالسفر إلى الإسكندرية في إجازة الصيف، خاصة وأن ما سأنفقه يعتبر النصف مثلاً، بعدما زادت أسعار الفنادق وكذلك البنزين الذي قفزت أسعاره بنسبة تقرب من 50% في السنوات التي تلت قرار التعويم، والتي أثرت بالتالي على زيادة أسعار كافة الخدمات، بداية من وسائل المواصلات وحتى أسعار السلع الغذائية وغيرها".
"قبل التعويم كنت أعتمد على المأكولات الجاهزة، بعد التعويم صرت أعدّ طعامي في المنزل، قبل القرار كنت أعتمد على سيارتي في التنقل، بعد القرار أصبحت أعتمد على سيارات الأجرة، قبل التعويم كنت أواظب على حضور حفلات موسيقية أما بعده فقللت من حضوري"
كان الطويل يقتطع جزءاً من دخله الشهري للسفر خارج البلاد كل عامين، ولكن بعد التعويم، وما ترتّب عليه من قفزات في سعر الدولار، تخلّى الطويل عن الفكرة تماماً، وامتد الأمر لاحتياجاته الأساسية، فالملابس التي كان يحرص على شرائها من محلات "توكيل عالمية"، الآن باتت أسعارها لا تتماشى مع دخله.
"لا للأكل في المطاعم"
أما هناء العواد (32 عاماً)، مصرية من أصل فلسطيني، تعمل بالترجمة، فترى "جانباً مشرقاً" في إجراءات التقشف التي تبنتها بعد التعويم، حيث هجرت تناول الطعام في المطاعم.
تقول هناء لرصيف22، موجزة نمط حياتها اليومي بعد وقبل التعويم: "كل شيء تغير، لم تعد حياتي كما كانت قبل قرار تعويم الجنيه، لكن بعضها كان لصالحي صحياً، قبل التعويم كنت أعتمد على المأكولات الجاهزة خلال يوم العمل، بعد التعويم صرت أعدّ طعامي في المنزل لأقلل مصروفي اليومي، قبل القرار كنت أعتمد على سيارتي في الذهاب لأي مكان، بعد القرار أصبحت أعتمد على سيارات الأجرة أو خدمات مثل أوبر، لأقلل نفقات البنزين وإصلاح السيارة في حالة حدوث أي عطل، قبل قرار التعويم كنت أواظب على حضور حفلات دار الأوبرا المصرية أما بعد قرار التعويم فقللت الحفلات التي أحضرها، بسبب أسعار التذاكر فقط".
"قللت من حضوري لدار الأوبرا المصرية بسبب أسعار التذاكر".
أما عهد طارق (31 عاماً)، مديرة الموارد البشرية بإحدى شركات السياحة بالإسكندرية، فقد كانت تجمع عائلتها على الغداء في مطعم مرة كل أسبوع، أما بعد التعويم فقد غيرت خطتها، تقول: "بعد التعويم وإضافة ضريبة القيمة المضافة، نقلت تلك التجمعات إلى المنزل، مع إعداد كافة متطلبات التجمع العائلي، منزلياً بالطبع".
غيرت عهد أيضا نوع السجائر التي تدخنها، بسبب الزيادة المفرطة في الأسعار، تقول لرصيف22: "كنت قبل التعويم أستخدم سجائر مستوردة كان سعرها 23 جنيهاً فقفزت إلى 35 جنيهاً، فاستبدلتها بنوع آخر أقل جودة يبلغ سعره 27 جنيهاً تقريباً".
"اشتريت أدوات الكوافير للمنزل"
يسرا رشيد (29 عاماً)، تعود أصولها لبلاد الصعيد وتعيش في القاهرة، وتعمل في مجال اللياقة البدنية، تحب الاعتناء كثيراً بمظهرها، اتجهت لتقليل مصروفاتها على "العناية الشخصية" منذ قرار التعويم، ، تقول: "بدلاً من زيارة صالون التجميل مرة أسبوعياً للاعتناء بشعري، اشتريت كل الأدوات اللازمة لذلك، وتعلمت كيفية استخدامها في المنزل، ما وفر بعض الأموال، كذلك، بدلاً من استخدام عطور أو أدوات تجميل مستوردة، أصبحت أتجه لمنتجات أقل سعراً، حتى لو لم تكن بنفس الجودة".
تحذر عبد الرحمن من استخفاف البعض في الحديث عن الرفاهيات، ووصفها بأشياء يمكن الاستغناء عنها، فهي رغم أن غيابها لا يهدد حياة الإنسان ولكنها تمثل له شكل وهوية وأسلوب حياة
أيضاً، تخلت يسرى عن أدوات التجميل التي كان يجلبها لها أحد أصدقائها من أمريكا، تقول: "قبل التعويم كان لي صديق يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، فكنت أوصيه بشراء بعض المنتجات التجميلية، وأردّ له المبلغ المدفوع بالدولار، كنت أفعل هذا وقتما كان الدولار يساوي 8 جنيهات مصرية، فكنت مثلاً أدفع 800 جنيه مقابل 100 دولار تكفي احتياجاتي، أما الآن وبعد وصول الدولار 16 جنيهاً، فلا يمكنني أن أدفع 1600 جنيه أو أكثر لنفس المنتجات".
في حين كانت نجلاء عبدالغفار (19 عاماً)، طالبة بجامعة عين شمس، لها طريقتها الخاصة في التغلب على أزمة غلاء الأسعار، تقول لرصيف22: "قبل التعويم وحتى زمن قريب، كنت معتادة على شراء الملابس في أي وقت من السنة، وكنت من حين لآخر أشتري طقماً كاملاً من أحد البراندات العالمية، ولكن بعد التعويم ومع الأزمة الاقتصادية الأخيرة، بدأت أنتهز فرصة التخفيضات في نهاية الصيف ونهاية الشتاء، وأشتري كل ما قد أحتاجه للموسم القادم، وبالفعل وجدت نفسي بمبالغ اقل بكثير أشتري أكثر مما كنت أفعل قديما".
واستبدلت نجلاء أماكن التسوق، حيث باتت ترتاد سوقاً شعبياً "العتبة"، واعتبرته "اكتشافاً" و "كنزا"، تقول: "رغم ما يشاع عن العتبة بأنها مكان لبيع الملابس المستعملة، إلا أن الحقيقة أنها تفيض بالملابس المستوردة غير المستعملة، والجديدة تماماً، وبأسعار لا يمكن مقارنتها بأي مكان آخر، إلا أن هذه الحيلة للأسف لا يمكنني البوح بها لأصدقائي، لأنني سأكون عرضة للتقليل مني ومعايرتي".
"الرفاهية هوية الفرد"
تتوقع المعالجة النفسية، دعاء عبدالرحمن ارتفاع معدلات الاكتئاب هذه الأيام، بسبب التنازل عن رفاهيات تحت ضغط الأعباء الاقتصادية، أو فترات العزل المنزلي التي يمر بها العالم لاحتواء وباء فيروس كورونا.
تقول دعاء: "نتوقع ارتفاع في معدلات الاكتئاب، والتي قد تنعكس على تزايد حوادث العنف الأسري والاجتماعي، أو أن تترجم كذلك لارتفاع معدلات المشاجرات، وذلك كله نتيجة شعور الفرد بالظلم الاجتماعي والاقتصادي، بسبب تدهور ظروفه الشخصية نتيجة التعويم أو ما يحدث حاليا من أزمة كورونا العالمية، والتي بدورها أدت كذلك لارتفاع الأسعار وقلة بعض المنتجات".
"الرفاهية تمثِّل للفرد شكلاً وهويّة وأسلوب حياة".
وترى دعاء أن الاستغناء عن الرفاهيات بسبب الغلاء هو "إجراء ظاهري يتضمن معاناة داخل كل فرد وهو الشعور بالقلق على المستقبل من كافة النواحي المادية، وقدرته على الاستمرار في توفير الاحتياجات اللازمة للحياة، وفي حالة كورونا، هناك قلقا على استمرار الحياة التي عرفناها من الأساس".
وتحذر عبد الرحمن من استخفاف البعض في الحديث عن الرفاهيات، ووصفها بأشياء يمكن الاستغناء عنها، فهي رغم أن غيابها لا يهدد حياة الإنسان ولكنها "تمثل له شكل، وهوية، وأسلوب حياة، وروتين معتاد، وبدلا من محاولاته لتحسين حياته والارتقاء بها، يتحول المجهود لمحاولات الحفاظ عليها".
وتشبهّ عبد الرحمن الرفاهيات في حياة الإنسان بجدار يبنيه حول نفسه لحمايته، مثل المعتقدات والروتين والعادات، والعبث بهذا الجدار يجعله عرضة للاكتئاب والقلق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع