منذ بدء حالة الطوارئ على الأراضي الفلسطينية، للحد من انتشار فيروس كورونا، عكف كثيرون من الفنانين وأصحاب المواهب والمبادرات المجتمعية في قطاع غزة، على ابتكار أفكار خلاقة تساهم في التخفيف من حدة التوتر التي يعيشها السكان.
مهرجون في وجه "الفيروس"
فريق الابتسامة الفني الذي يتشكل من 12 شاباً، ويقدّم خدمات فنية تشمل المسرح والتمثيل والترفيه، أطلق مبادرة فنية تطوعية، للترفيه عن الأطفال والمواطنين الذين يعانون من حالة نفسية صعبة، بسبب الحجر المنزلي.
يقول منسق الفريق فايز محارب لرصيف22: "لبسنا زي المهرج، وحلمنا بعض الألعاب وعلب صابون وارتدينا كمامات طبية، لأن مبادرتنا تحمل رسالة توعوية إلى جانب رسالتها الترفيهية".
بملابس مهرّج ملوّنة، خرج أربعة من أعضاء الفريق الذي تأسس قبل عدّة سنوات، ويعاني من عقبات أهمها غياب الدعم، على مدار يوم كامل، وجابوا المناطق المهمشة في محافظة خانيونس، جنوب القطاع، وأدّوا استعراضات، قرعوا خلالها طبولاً صغيرة، ونفخوا في صافرات للفت انتباه الناس الذين تجمعوا سريعاً على شرفات المنازل لمشاهدة حركاتهم البهلوانية.
يشير محارب إلى أن الناس استقبلوا عملهم بصورةٍ رائعة وتفاعلوا معه بطريقة جذّابة، وبدا ذلك واضحاً من الضحكات الطويلة التي أطلقها معظمهم أثناء الفعالية.
ويلفت الشاب العشريني إلى أنّهم أرادوا من خلال مبادرتهم أنّ يقولوا للناس: "خليك بالبيت، ونحن سنأتي إليك بالفن والترفيه والحبّ"، كجزء من الحملة المجتمعية الكبيرة التي أطلقها ناشكون من غزة عبر منصات التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية.
ويشير إلى أنّهم سيعملون خلال الفترة القادمة، على تنفيذ فعاليات تشمل كل مناطق قطاع غزة، إذا ما أتاحت الظروف فرصة لذلك، وتوفَّر الدعم المناسب.
على ألحان "بنت الجيران"
في نهاية آذار/ مارس، أطلق الفنان الشعبي حسام خلف أغنية توعوية قدم فيها بعض المعلومات حول فيروس "كورونا" بطريقة الفن الساخر، وربطها بالواقع الفلسطيني.
وظهر خلف في كليب مصور للأغنية، حقق أكثر من مليونيْ مشاهدة على منصات التواصل الاجتماعي، وهو يرتدي ملابس طبية وكمامة، ليوجه انتقادات سياسية واجتماعية للواقع في غزة.
واستخدم الشاب العشريني المُلقب بـ"المخ"، في أغنيته التي كتب كلماتها بنفسه، ألحان أغنية المهرجانات "بنت الجيران" المصرية المشهورة، وأطلق على عمله اسم "بنت الجيران/ النسخة الغزاوية".
واعتاد المواطنون في قطاع غزة الاستماع إلى إنتاجات خلف الفنية، والتي يختار إطلاقها في الأوقات التي تسيطر فيها قضيةٍ ما على الرأي العام، ويستخدم في إعداد أغانيه ألحان أغنيات مشهورة، حتى يتمكن من الوصول إلى الناس بشكل أسرع.
ويروي خلف لرصيف22 أن اختياره للكلمات انطلق من حاجة الواقع ومتطلباته، وأنّه كان حريصاً على إنجاز الكليب في وقتٍ سريع ليلحق بالحالة العامة التي يعيشها الناس، موضحاً أنه يستعد في الفترة القادمة لإنتاج كليب جديد، يعالج موضوع أزمة كورونا من جانب آخر، "لأن الفن الفلسطيني على مدار التاريخ القريب كان من بين أهم وسائل التوعية والترفيه عن الناس في وقت الأزمات والطوارئ".
ركّب الفنان حسام خلف، المُلقب بـ"المخ"، كلمات كتبها بنفسه على ألحان أغنية المهرجانات "بنت الجيران" المصرية المشهورة، وأطلق على عمله اسم "بنت الجيران/ النسخة الغزاوية"
إلى جانب خلف، شارك في إنتاج الكليب طاقم يتكون من عدّة أشخاص، من بينهم المخرج الشاب أسامة العشي، والذي قدّم خلال الفترة الأخيرة عشرات الأعمال المرئية التي عالجت الواقع الفلسطيني من أبعاد مختلفة وحظيت بإعجاب عالٍ من المتابعين.
وفي وقت سابق، تعرّض خلف للاعتقال على يد الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس في قطاع غزة، على خلفية نشاطه الفني وبعض منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنّ ذلك لم يؤدِّ إلى الحد من نشاطه الفني ولم يؤثر أبداً نفسيته وطموحه للوصول إلى "مرتبةٍ عالية"، على حد وصفه.
جداريات تواجه الكورونا
في مدينة خانيونس، جنوب القطاع، عكفت مجموعة من الفنانين التشكيليين على رسم جداريات كبيرة على حائطٍ في وسط المدينة، لتجسيد أزمة "كورونا" وللتوعية من مخاطر الفيروس والمشكلات التي يمكن أن يسببها للبشرية.
فعلى مساحة حوالي 12 متراً، على حائط إحدى المدارس، تضمنت اللوحة الفنية الكبيرة التي لفتت انتباه المارة، كرة أرضية ترتدي كمامة بعد أن تحوّلت إلى فيروس كورونا كبير.
ويقول الفنان العشريني المشارك في رسم اللوحة أحمد أبو كوش لرصيف22: "الجدارية الفنية اشتغل على إنجازها خمسة فنانين قاطنين في محافظة خانيونس، إيماناً منّا بالدور المهم والرسالة الإنسانية التي يمكن أن تحملها أيّة حالة فنية في العالم".
ويضيف: "كتبنا ضمن الجدارية أيضاً عبارات تحفيزية مثل، كورونا وإرادة التحدي وهو ذاته الاسم الذي أطلقناه عليها"، منبهاً إلى أن خروج مثل هكذا مبادرات من قطاع غزة الذي يعيش حصاراً إسرائيلياً خانقاً منذ أكثر من 14 عاماً يدلل على أن الناس هنا يرغبون في عيش حياة أفضل، على الرغم من كلّ الظروف والأزمات التي تحيط بهم، وتمنعهم من ممارسة حياتهم بشكل اعتيادي.
ورسم الفنانون ضمن الجدارية أيضاً فتاة ترتدي قناعاً طبياً وقفازات وملابس صحية، وتمسك بيدها وردة على شكل فيروس كورونا، في إشارة منهم إلى الدور المهم الذي تقوم به الطواقم الطبية في قطاع غزة، في مواجهة أخطار الفيروس وللوقاية منه.
وتلفت الفنانة التشكيلية وسام أبو إسحاق والتي شاركت في رسم اللوحة، إلى أنّهم قاموا بهذا العمل، تكميلاً منهم للدور الاجتماعي والحكومي، الذي تؤديه الجهات الرسمية لمواجهة أخطار الأزمة الحالية.
وتقول إنّ الجدارية تحفّز على الوقاية الضرورية من الفيروس، وتضيف: "المرحلة الحالية تتطلب من جميع القطاعات المجتمعية الوقوف بشكل جدي والمساهمة الفعّالة".
رسم على الكمامات
قبل عدّة أيام، قام ثلاثة فنانين من غزة بالرسم على الكمامات الطبية، لتحفيز الناس على ارتدائها. اختاروا أشكالاً فنية ذات دلالات إنسانية ورسموها على كمامات اشتروها على نفقتهم الخاص، وقاموا بتوزيعها على الناس في الشارع مجاناً، في مساهمة منهم بالتوعية.
ويروي الفنان الشاب ضرغام قريقع لرصيف22 أن "الفكرة بدأت لإقناع سكان قطاع غزة بلبس الكمامات، خاصة الأطفال منهم والسيدات وكبار السن"، موضحاً أنهم يستغلون معظم أوقات نهارهم في الرسم على تلك الكمامات، وينفّذون ذلك غرفةٍ صغيرة تقع في منزل زميلتهم الثلاثينية سماح سعد.
بدورها، روت الفنانة سعد لرصيف22 أن مبادرتهم لاقت ترحيباً واسعاً من المواطنين في الشارع وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وظهر ذلك من خلال إقبال الصحافة عليهم بشكلٍ كبير، وأيضاً من خلال تداول صورهم على نطاقٍ واسع، تجاوز الحدود المحلية، شارحةً أنّهم وعلى الرغم من أنّهم يواجهون عدداً من العقبات التي تتمثل في عدم قدرتهم على توفير الدعم المالي الذي يمكّنهم من الاستمرار في مبادرتهم، إلا أنّهم استطاعوا أن يقدموا رسائل وطنية وإنسانية، إذ رسموا على بعض الكمامات علم فلسطين، وعلى أخرى إشارات حب وقلوب.
وعلى مدار التاريخ الحديث، أثبت الفن الفلسطيني ورواد الحركة الفنية قدرتهم على التعامل مع جميع التطورات الميدانية، وأبدوا استعدادهم في المراحل المختلفة للمشاركة في الحملات المجتمعية والتوعوية المختلفة.
في مدينة خانيونس، جنوب قطاع غزة، عكفت مجموعة من الفنانين التشكيليين على رسم جداريات كبيرة على حائط في وسط المدينة، لتجسيد أزمة "كورونا" وللتوعية من مخاطر الفيروس
فخلال الأزمات التي عاشها المواطنون في السنوات الماضية، وخاصة في قطاع غزة، برز عدد كبير من أصحاب المواهب والقدرات الذين أدوا عشرات الأغاني الشعبية والعادية، وقاموا بتنظيم معارض تشكيلية وعروض تمثيلية ومسرحية، كما عملوا على إنتاج أفلام ومسلسلات قصيرة تشرح الواقع من مختلف أبعاده.
نقش على الرمل ودبكة وتطويع للحلوى
وفي مبادراتٍ متنوعة أخرى، رسم عدد من الفنانين لوحات فنية بالنحت على رمال شاطئ بحر غزة، وشرع بعضهم في ذلك قبل نحو ثلاثة أسابيع أيّ منذ دخول الأزمة بشكل جدّي إلى قطاع غزة، وقاموا بكتابة عبارة "كورونا" و"تجنبوا الإصابة".
وقبل عدّة أيام، برعت مجموعة أخرى من الشباب بنحت عبارة "خليك بالبيت" على رمال الشاطئ، وقاموا بتزيينها بألوانٍ مختلفة، ثم التقطوا لها صوراً ونشروها على منصات التواصل الاجتماعي، وتداولها الناشطون بشكل واسع.
وعلى شاطئ البحر أيضاً، أدت مجموعة من الشباب من أصحاب المواهب الاستعراضية عرضاً في الدبكة الشعبية الفلسطينية، قاموا خلاله بأداء مشهد تمثيلي قصير توعوي، يدعو المواطنين إلى تجنب العطس أمام الآخرين بشكلٍ مباشر، ووجهوهم للابتعاد عن أيّ شخص ممكن أن تظهر عليه علامات الإصابة بالمرض في جهازه التنفسي.
وفي ذات السياق، ذهب أحد أصحاب المحلات المختصة في إنتاج قوالب "الكيك" في مدينة خانيونس إلى إنتاج قوالب حلوى مزيّنة واجهاتها بنقوش لأشكاللأدوات وقائية، باستخدام الكريمة المخفوقة والشوكولاتة الذائبة.
وتنوعت تلك الأشكال بين الكمامات والمعقمات، ولاقت إقبالاً مميزاً من الزبائن الذين جاؤوا لشرائها، كما أن بعضهم طلب من العاملين في المتجر نقش أعلام الدول الأكثر تضرراً من الجائحة، من باب التضامن والتكاتف معها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...