"كان والدي شديد القسوة، يرفض أن تكمل بناته تعلميهن، وهمه الوحيد أن يشتغلن معه في الأرض وألا يتجاوزن حدود القرية"، تقول حياة، معبرة عن حال كثير من الفتيات بعيداً عن العاصمة.
عاشت حياة (26 عاماً)، معلمة لغة عربية، مع أسرتها في "ذراع الميزان"، إحدى دوائر محافظة تيزي وزو الواقعة على بعد 110 كلم، شرقي العاصمة الجزائر، تجني حقول الزيتون، وتقطفها مع والدتها، ولكن دفعتها مغامرة جارتها التي تغلبت على سيطرة والدها، واتجهت للعاصمة الجزائر لتكمل دراستها الجامعية، وتمتهن المحاماة.
"يأمرنا ويحاسبنا"
كان والد حياة يوزع عليهن المهام اليومية لإشغالهن عن دروسهن، وإعداد واجباتهن اليومية، ويأمرهن "بتمليس" الأواني الفخارية من أجل إعادة بيعها، تنظيف حظيرة الغنم والبقر والرعي بالقطيع في الحقول، ومساعدة والدتهن في تربية الصغار.
"علاقتنا بوالدي كانت شبيهة بعلاقة العامل برب عمله، كان يحاسبنا على أتفه الأمور، ويُميّزُ بيننا وبين أشقائنا الذكور بسبب الصورة النمطية المكرسة عن المرأة في القرى المُحافظة"، تضيف حياة.
"علاقتنا بوالدي تشبه علاقة العاملة برب العمل، يأمرنا بتمليس الأواني، تنظيف الحظيرة، وتربية صغار العائلة، ويحاسبنا على أتفه الأمور، على عكس أشقائي الذكور"
تتنهّد حياة، وتكمل: "كنَّا لا نعرف شيئا عن الدنيا، كنا نحسّ أنفسنا عالة عليها".
علاقة حياة بجارتها التي كانت تسافر للعاصمة الجزائر لاستكمال تعليمها، دفع حياة إلى إعادة التفكير في ظروفها، وجعلها تتمسّك باستكمال دراستها هي الأخرى.
تقول حياة لرصيف22: "حصلت على البكالوريا، وسجلت في المدرسة العليا للأساتذة بالجزائر العاصمة، دون أن أُبلغ والدي لأنه كان سيمنعني بقوة، ورحلت دون أن أودعه حتى".
تضيف حياة: "كل شيء في المدينة لا يشبه الحياة القاسية التي كنت أعيشها في قريتنا، حتى طريقة حديثهم تختلف عن طريقة حديثنا، حينها بدأت دوائر أحلامي تتسع شيئاً فشيئاً، بعد أن أصابني اليأس في وقت سابق، وظننت في وقت من الأوقات أنها غير قابلة للتجسيد، خاصة وأن شقيقتي الكبرى كانت تقنعني في كل مرة بأن ما أحلم به ضرباً من الجنون، ويجب أن أتحلَّى بالعقل".
"أبي لم يضحك معنا"
أما فاطمة الزهراء، فتاة تعدت الثلاثين من العمر، من محافظة تيسمسيلت، فلم يكن والدها يسمح لها ولشقيقتها بالخروج بعيداً عن القرية، منذ أن كانتا في العاشرة، حتى أنه رفض فكرة مواصلة تعليمهما، وكبرتا على الالتزام بالفروض الدينية.
تروي فاطمة الزهراء لرصيف22: "لا أتذكر أياماً وليالي ضحكنا فيها ولعبنا مع والدي، كانت ملامح الانفعال والغضب تسيطر دائماً على وجهه، لا يتركنا نخطو خطوة واحدة خارج البيت، حتى لزيارة جديدة، وحرمني أنا وشقيقاتي الأربع من مواصلة تعليمنا، دون أن يبالي بطموحاتنا وأحلامنا".
وعن يومياتها، تقول: "كنا نقضي اليوم في الرعي، الزراعة في الحقول، الاعتناء بأشجار الزيتون وطهي الخبز في فرن من الطين، وبقينا على هذه الحالة إلى أن بلغت سنة العشرين، حينها تقدم شاب لخطبتي، فوافق عليه دون يستشيرني، وعشت مع زوجي نفس الظروف التي عشتها مع والدي وإخوتي الرجال".
وكان زوج فاطمة مثل والدها، يتبنى نفس النظرة النمطية للمرأة، فكان يمنع عنها التلفاز، المذياع والهاتف، بالإضافة للتعنيف الجسدي والنفسي، حاولت أن تهرب ولكن محاولاتها لم تنجح، ثم عادت في النهاية تكمل حياتها مع أسرتها.
"حاولت الهرب وفشلت"
نسيبة، شابة جزائرية أخرى في العشرينيات من عمرها، من محافظة البويرة شرقي العاصمة الجزائرية، عانت من القيود التي فرضها عليها والدها، كان يمنعها من الخروج من المنزل، يفرض عليها مهاما منزلية شاقة، ولا يدعمها لا مادياً ولا معنوياً، كما أنه عارض فكرة مواصلتها الدراسة بعد حصولها على شهادة البكالوريا، لدرجة أنها فكرت في الانتحار مراراً بعد فشل محاولاتها المتكررة في الفرار.
تعلق الناشطة الحقوقية والباحثة في شؤون الأسرة، فيروز سلال، لرصيف22: "المجتمع الجزائري مقسم إلى قطاعات، قطاع متأثر بالحضارة المعاصرة والعولمة كالمناطق التي تقع على الساحل، وهناك مناطق لازالت متأثرة بالفكر الاجتماعي القديم، ولازالت تنظر إلى المرأة النظرة النمطية الظالمة".
"لا أتذكر أياماً وليالي ضحكنا فيها ولعبنا مع والدي، كانت ملامح الانفعال والغضب تسيطر دائماً على وجهه، لا يتركنا نخطو خطوة واحدة خارج البيت"
وتضيف سلال: "على الرغم من أن المرأة الجزائرية تحصلت على الكثير من الحقوق والمزايا، ووصلت إلى مناصب عليا في الدولة الجزائرية، وتحظى بنسبة تمثيل في المؤسسات التشريعية، لكن لازالت تعاني من الأفكار المتعصبة في بعض المناطق المحافظة، خاصة في القرى والأرياف، رغم سنّ قوانين لحمايتها من مختلف أشكال العنف، منها تعديل قانون الأسرة، تعديل قانون العقوبات في شقه المتعلق بمحاربة العنف ضد المرأة، وحمايتها من التحرش الجنسي واللفظي في الأماكن العمومية والعمل".
"لا توجد قنوات اتصال وتواصل بين النساء في القرى والعالم الخارجي".
وتلفت سلال النظر إلى غياب قنوات للاتصال، والتواصل بين النساء في العديد من القرى الجزائرية و"العالم الخارجي"، مما يجعلهن في "معاناة متواصلة، وغياب أدنى شروط الحياة، فلا تعليم، فقط جهل وحرمان".
وتوجز الناشطة الحقوقية والباحثة في شؤون الأسرة، حياة المرأة في العديد من القرى الجزائرية، قائلة: "لا تزال رهينة العادات والتقاليد البالية التي تحرمها حتى من اختيار من تكمل معه حياتها، فهي تزوج من طرف بعض الآباء بالغصب والإكراه، لتطلق في غالب الأحيان، وتعود لبيت أسرتها برفقة أطفال بعد أن ذاقت الويل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون