"خصوصية معدومة لا ندري ماذا نعمل حتى نحافظ عليها"، تقول إحدى السيدات المحجور عليهن داخل مراكز الحجر الصحي، والمتمثلة في المدارس، بعد عودتهن من السفر، حيث تم استقبالهن، ونقلهن للحجر، ليجدن أنفسهن في بيئة تفتقر إلى الحد الأدنى من الخصوصية.
تروي أم أحمد (47 عاماً)، وهي ربة منزل، قصتها مع ظروف الحجر منذ البداية: "لم نتوقع أن نتعامل معاملة سيئة فور عودتنا من العريش لقطاع غزة، جراء حُجزنا سبع ساعات متواصلة داخل الصالة الفلسطينية في معبر رفح البري، دون الإفصاح عما يدور، حتى تم نقلنا في باصات، من المعبر إلى مدرسة مرمرة في محافظة رفح، جنوب قطاع غزة، الساعة التاسعة مساء، عندها أدركنا بأنه سيتم حجرنا بشكل احترازي، ضمن الإجراءات الوقائية لعدم تفشي وباء كورونا".
"الحمامات مشتركة مع الرجال"
أثار أم أحمد "طبيعة الحجر" الذي قامت به الجهات المعنية في قطاع غزة، جراء وضع السيدات والرجال في نفس المدرسة.
وفوجئت أيضاً بأن الحمام مشترك بين الرجال والسيدات، وطالبت بوجود بديل، وذلك بسبب انتظارها خارج الحمام مع الرجال، إضافة لعدم وجود مكان خاص للاستحمام.
"تذهب السيدة لقضاء حاجتها فتمر من أمام الرجال، وكذلك في حال الاستحمام، وهذا يجرح شعورنا، ونقصر أوقات استحمامنا في مما يجعلنا عرضة لنزلات البرد"
تقول أم أحمد: "حاولنا جاهدين أن نقنع الجهات المشرفة على الحجر بأن يتم تخصيص حمامات للسيدات، وبالفعل تم تجهيز حمام خاص للسيدات بعد قضاء 8 أيام، ولكن بقيت المشكلة كما كانت سابقاً، حيث تذهب السيدة لقضاء حاجتها فتمر من أمام الرجال، وكذلك المشهد في حال الاستحمام، الجميع يعرف أنها ذاهبة للاستحمام، ما يجعلنا نتقيد في حركتنا".
يتواجد 51 فرداً داخل المدرسة التي أقامت فيها أم أحمد 14 يوماً، باتت تنتظر كل يوم الهروب من "الواقع الذي عاشته داخل الحجر، من ضغط نفسي وانتهاك للخصوصية مع 22 سيدة معها".
عانت أم أحمد ورفيقاتها خاصة أثناء الدخول والخروج من المراحيض، حيث يجدن رجالاً أمامهن على السلالم، وآخرين يجلسون أمام المبنى.
"نستبدل الملابس ولا نغسلها"
لم يختلف واقع السيدات، في مدرسة رودلف فالتر، في دير البلح وسط قطاع غزة، عن واقع سيدات مدرسة مرمرة، حيث نقلت نعمة أبو عمرة (26 عاماً)، تعمل في مجال الإعلام، وهي من الفتيات القابعات في الحجر، تقول لرصيف 22: "في الأيام الأولى لم يكن هنالك حمامات، وتم تجهيز حمامات للسيدات، ولكنها بقيت غير معزولة، وأمام أنظار الجميع".
تقول نعمة: "كل هذا دفعني لعدم غسل ملابسي، لعدم وجود مكان مخصص لنشر الملابس، والجميع يعلم بأن ملابس السيدات لديها خصوصية خاصة، حتى في المنزل، فكيف في مكان عام يوجد به العشرات، وهذا جعلني أقتصر على استبدال ملابسي دون غسلها، وإحضار بديل لها من خلال أهلي، وهذا حال العديد من الفتيات المحجورات".
وتضيف نعمة: "نقوم بغسل بعض ملابسنا الخارجية على أيدينا، ما يجعلنا نواجه مشكلة في غسل الملابس بحد ذاته، وإضافة لذلك لا يوجد مكان لنشرها لكي تجف من المياه، ما دفعنا للاستعانة ببعض الأماكن داخل غرفة الحجر، كونها الأكثر خصوصية، رغم انعدام الخصوصية من قبل المارة بالخارج".
وما يزيد الأمور تعقيداً أمام السيدات المُسنّات، حيث لا يمتلكن القدرة على غسل ملابسهن بأيديهن، وهذا يدفع نعمة وصديقاتها للغسيل نيابة عنهن.
اشتكت أبو عمرة أيضاً من وضع الحمامات في آخر الممر الخاص في الطابق الذي يتواجدن به، وهذا يدفعهن للمضي نحوه ليلا، ما يجعلهن عرضة للمناخ المتقلب، نتيجة تغير درجات الحرارة، أثناء الانتقال ليلاً من الغرفة وخارجها.
وأما مريم (39 عاماً)، ربة منزل، فقد عانت مع طفلها الذي يرافقها في الحجر الصحي، بعد عودتهما من مصر، حيث تم حجرهما في مدرسة مرمرة، جراء تعرضه للفحات برد متكررة، في وقت لا تتوافر فيه طواقم طبية متابعة للأوضاع الصحية لكافة المحجورين.
وما اندهشت له مريم، بحسب حديثها لرصيف22، أن الدواء الذي يصرف لكافة الأمراض والمرضى في الحجر الصحي هو حبة بروفين لا غير.
"مسنة ومريضة بالسكري"
"أنا مريضة بالسكري، ولا أقدر على الإرهاق، وخاصة جراء وضعنا في الطابق الثالث، ما جعلني مقيدة في البقاء في الطابق دون حركة، لعدم مقدرتي نزول السلالم وصعودها"، تقول ريهام معمر (اسم مستعار) تبلغ من العمر 54 عاماً.
"أعاني من السكري ووضعوني في الطابق الثالث".
تضيف ريهام: "السكري يجعلني أضطر للتوجه إلى دورة المياه كثيراً خصوصاً في فترة الليل، وهذا يجعلني أعاني".
تشرح ريهام وضعها أكثر: "الأوجاع لم تفارقني منذ قدومي للحجر الصحي، وذلك كوني لم أستطع الحصول على الراحة الكافية للتخلص من متاعب السفر، ولا أشعر بأدنى خصوصية في مكان مفتوح، وهذا جعلني أرفض فكرة الاستحمام، وهذا شعور يجرح مشاعر السيدة التي دوماً تحرص على حسن مظهرها".
والمشهد لم يقتصر عليها بل على سبع سيدات يرافقنها في الحجر، بحسب ريهام، ويجالسنها داخل غرفتها التي خُصِّصت لثمانية أسرّة، وأصبحن يتفهمن بعضهن، ويحاولن توفير بعض الخصوصية لبعضهن، ما يتيح لهن القدرة على الاستحمام، استبدال ملابسهن والحفاظ على خصوصيتهنّ في مكان مختلط.
وعلَّق مسؤول أمني، رفض الكشف عن هويته، يعمل في مركز حجر مدرسة سكينة بنت الحسين لرصيف22: "أدركنا حقيقة الخلل الذي كان في بداية الأمر، جراء عدم مراعاة خصوصية السيدات، ونحاول توفير، ومراعاة هذه الخصوصية، الواجب علينا احترامها، والحفاظ عليها، وهناك محاولات مستمرة لاستكمال الأمور حتى تكون مرضية لكافة السيدات المحجورات، وخاصة المُسنَّات".
خدمات طبية وطعام
تحدثت سيدات في مراكز الحجر برفح لرصيف22، خلال اتصال هاتفي، حول الخدمات الطبية المقدمة لهن، والتي وصفوها بـ"المنعدمة"، جراء عدم تواجد طواقم طبية مشرفة عليهنّ، وعدم توفير جلسات تثقيفية حول مخاطر وطرق التعامل مع الفيروس، واقتصرت زيارة الطواقم الطبية فقط في اليوم الرابع عشر، لأخذ عينات لفحص فيروس كورونا، و امتدحن توافر الطعام ومواد التعقيم بشكل كاف.
"الأوجاع لم تفارقني منذ قدومي للحجر الصحي، وذلك كوني لم أستطع الحصول على الراحة الكافية للتخلص من متاعب السفر، ولا أشعر بأدنى خصوصية في مكان مفتوح"
وفي المقابل تحدثت لرصيف22 سيدات في مراكز الحجر في دير البلح، أن الخدمات الطبية المقدمة من قبل الطواقم الطبية جيدة، وتتم المتابعة بشكل دوري لكافة الأفراد داخل الحجر، وتقدم الخدمات الطبية المطلوبة، ويتم توفير أطعمة مناسبة لكافة المتواجدين والمتواجدات، وتتعامل طواقم الأمن بشكل جيد معهن.
ويشار إلى أن نحو 80 شخصاً، تم نقلهم إلى مدرسة مرمرة وغسان كنفاني في رفح، عقب عودتهم من مصر، و300 آخرين في مدرسة الصفوة بمدينة خان يونس، عقب عودتهم من الضفة الغربية، وأكثر من 100 تم نقلهم إلى مدرستي سكينة ورودلف فالتر في دير البلح وسط القطاع.
أظهر فيديو تداول عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، مقدار فرحة المحجورين في مدارس مرمرة وغسان كنفاني في محافظة رفح، والبالغ عددهم 120 فرداً، عقب إعلان نتائج فحوصاتهم لفيروس كورونا، والتي كانت جميعها سلبية.
وتفيد الإحصائيات الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية، أن عدد المصابين بفيروس كورونا في فلسطين بلغ 98 إصابة، منها 9 إصابات في قطاع غزة، وسجلت حالة وفاة واحدة في الضفة الغربية.
وقد صرّح المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية في غزة، إياد البزم، أن الوزارة اتخذت جملة من التدابير في مراكز الحجر الصحي، حيث باتت تخضع لإجراءات أمنية ووقائية مُشدَّدة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...