شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"هيك شغلات صار بينحكى فيها"... المجتمع السوري حين تجاوز خطوط الجنس الحمر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 28 مارس 202004:14 م

"الجنس"، "التحرر"، "كسر القيود"، مصطلحات تملأها خطوطٌ حُمر كثيرة خصوصاً في المجتمعات التي يسيطر عليها دين معين أو تقاليد وعادات قديمة، ما يجعل من أبنائها يتعاملون معها على أنها حدث غير اعتيادي، أو يصفونها بأنها دخيلة وغريبة علينا وكأنها قادمة من كوكب خارجي.

قبل متاهة الحرب

الزمان 2010 وما قبل. المكان سوريا. الحياة كانت تسير بشكلها الاعتيادي، مليئة بالعمل، الجامعات، المحاضرات، الدراسة. لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي مسيطرة على عقولنا بعد كما اليوم. وكانت الرحلات التي ننظمها تشمل الجنسين وكذلك الحفلات المختلفة.

لكن الملفِت في ذلك الوقت أنه كان من النادر أن تجد صديقَين "شاب وفتاة" يسلّمان على بعضهما بقُبلة عادية أو ضمة، كانت هذه التصرفات غريبة ومستهجنة من كثيرين، "ولا داعي لها" حسب المفاهيم الدارجة، وربما كانت محصورة بفئة معيّنة من المجتمع كالطبقة الثرية أو ضمن الوسط الفني.

هذا الوضع كنّا نحياه يومياً، ولا أحد يجد فيه مشكلة، أما الحديث عن الجنس فكان حديثاً مهموساً، لا علنية فيه، ولا ورشات عملية أو محاضرات تثقيفية تُغنيه أو برامج تتكلم عنه في الإعلام وقليلاً ما ورد ضمن سياق المسلسلات السورية.

كان الجنس دائماً يُرمَز إليه دون المباشرة في الطرح، والحكاية في هذا المجال "مجتمعياً" مختصَرة باحتلام الصبي أو ظهور لحيته، والدورة الشهرية للفتاة وبروز أثدائها، وهي تلك المعلومة التي درسها الجميع بخجل أيامَ الإعدادية وضحك الطلاب بسببها بخجل.

الحرب تفتح باباً آخر

بدأت الحرب السورية في 2011 وما زالت مستمرة إلى يومنا هذا بأشكال متعددة، وأدت إلى تغيّر في طبائع المجتمع السوري بشكل جذري.

الكثيرون تهجّروا من مكان إلى آخر داخل البلاد، وآخرون تركوا أراضيهم ليرحلوا نحو أوروبا أو دول أخرى، قسمٌ كبيرٌ قُتِل وآخرون اختفوا تماماً في كارثة بشرية لم يشهد كوكب الأرض مثيلاً لها منذ سنين. ورغم كل شيء لم تتوقف الحياةُ. فضمن الأماكن الآمنة بقيت الحفلات موجودة، والسهرات قائمة، والرحلات مستمرة إلى أماكن بعيدة عن سقوط القذائف في دمشق وغيرها من المحافظات.

لكن ما يلاحظه الجميع أن هناك أطواقاً كُسِرَت. ومقابل توجُّه قسم من المجتمع نحو التطرف الديني والتعصب الطائفي، توجَّه قسم آخر نحو التحرر بشكل أكبر.

في الجامعة، المركز الأغنى لتجمع شرائح مختلفة من المجتمع وتحديداً الشباب، القوة الأكبر في التأثير، تغييرات يلحظها الطلاب بين بعضهم. دينا، خريجة جامعية، من ريف دمشق، تنتسب إلى بيئة معروفة بتحفُّظِها وكانت حَذِرة من الاختلاط بالذكور إلا في ما ندر، لكنها بعد الصراع السوري باتت شخصاً مختلفاً، وكأنها ليست هي نفسها.

تلك الخائفة من كل شيء وحين تسألها عن سبب هذا التغير، تجيب: "قد أموتُ في أي لحظة في هذه البلاد ولا أريدُ أن أكبتَ تصرفاتي وأحسبها كثيراً، بالنهاية أنا لا أخطئ بشيء، كل ما في الأمر أنني لم أعد أتّبع عادات أهلي، ويجري ذلك من دون علمهم".

خلعت دينا الحجاب بعد سنتين من ارتدائه، وقالت إن نظرة الناس لها اختلفت بعد الحرب، حيث أنها تسكن في منطقة لا يكثر ضمنها ارتداء الحجاب، وبدأت تعتبره قيداً لا مبرر له.

كان الجنس دائماً يُرمَز إليه دون المباشرة في الطرح، والحكاية في هذا المجال "مجتمعياً" مختصَرة باحتلام الصبي أو ظهور لحيته، والدورة الشهرية للفتاة وبروز أثدائها... لكن الأمور اختلفت كثيراً بعد الحرب السورية

مرح، طالبة جامعية، صارت ألفاظها النابية طبيعية بالنسبة إليها وإلى مَن حولها، وأخذت تسترسل في الضحك على النكات التي تطلقها والتي لا يمكن وصفها إلا بالبذيئة، علماً أنها لم تكن يوماً كذلك وتقول بتهكم: "ما حدا آخد معو شي خلينا نضحك".

الكثير من الأصدقاء والصديقات باتوا يسلّمون ويستقبلون بعضهم بالأحضان والقبلات وأصبح الأمر اعتيادياً، وباتوا يرونه لطيفاً وغير مخجِل بل يكسر حاجزاً من الصمت ويرفع من مستوى التفكير "نظرياً"، لكنه غريب وظهر فجأة دون سابق إنذار لأن المجتمع السوري وجد نفسه في حالة من الفوضى التي لم يعهدها مسبقاً فقرر أن يغيِّب عاداته ولو بشكل جزئي بعد كل ما يحدث من انكسارات.

تثقيف جنسي لا "جنسانية"

هذا التغير المفاجئ تَبِعَتهُ عدة عوامل مختلفة. باتت أحاديث الجنس وآليته وتفاصيله حديثاً طبيعياً لا خوف فيه ولا هلع، عند فئة كبيرة من الشباب. لم يعد مخيفاً كما قبل، بل صار مجرد قصة يجري تداولها بكثرة بين فئة الشباب، ويتقبلونها مثل أي شيء طبيعي في هذه الحياة.

ونضج الموضوع أكثر، نتيجة مفرزات الحرب السورية ودخول نظام الورشات كأسلوب تدريبي للشباب وباتت فئة لا بأس بها من طلاب الجامعات يشكّلون الحصة الأكبر من ورشات التثقيف الجنسي.


باتت أحاديث الجنس وآليته وتفاصيله حديثاً طبيعياً لا خوف فيه ولا هلع، عند فئة كبيرة من الشباب. لم يعد مخيفاً كما قبل، بل صار مجرد قصة يجري تداولها بكثرة بين فئة الشباب... تأثيرات الحرب السورية على جيل الشباب

ولمعرفة مدى تضمّن هذه الورشات لمحتوى تثقيفي في ما يخص الجنس، يقول محمد لبابيدي، عضو مجلس إدارة جمعية تنظيم الأسرة ورئيس لجنة الشباب: "هناك فرق بين التثقيف الجنسي والجنسانية، وهذا ما يشكّل لغطاً لدى كل مَن يسمع بعنوان هذه الورشات، فالتثقيف الجنسي موضوع ليس بجديد على المجتمع السوري إنما انتشر أكثر مؤخراً في ظل الظروف الحالية، ووجود وسائل التواصل الاجتماعي، والتثقيف الجنسي الشامل يهتم بمواضيع عدة كالصحة النفسية والاجتماعية والإنجابية للأسرة، في حين لا يخوض المنهاج الذي نقوم بتدريسه في تفاصيل العلاقة الجنسية والرفاه الجنسي أو الميول الجنسية، فهي مواضيع ما زالت حساسة في المجتمع السوري وليس هناك جهة مرخّص لها في سوريا لتناول هذه المواضيع".

التحرر المقيَّد

التغيّر الجذري في المجتمع السوري واضح بشكل كبير خصوصاً بين فئة الشباب التي بدأت تكسر المعايير المتعارف عليها على كافة الأصعدة. لكن أيضاً على الضفة الأخرى هناك فئة انطوت على نفسها أكثر محصِّنةً ذاتها بتقاليد وأعراف، فكان التغير نحو الانفتاح أو كسر الجمود المعهود غير متوازن بين الكفتين.

لكن الأحاديث المحظورة الثلاثة عن الدين والجنس والسياسة وصل إلى مرحلة مهمة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image