شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"يا الله، شبك؟ ما خلصنا من القذائف؟".. أطفال وأهالي من سوريا في مواجهة الكورونا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 17 مارس 202010:57 ص

هنا غرب العاصمة دمشق، وتحديداً في مخالفات حي المزة، يجتمع ستة أطفال يومياً تتراوح أعمارهم بين 8 و11 عاماً، تتغير ألعابهم حسب المعطيات الراهنة، هم من استغنوا منذ بداية حياتهم عن لعبة "القط والفأر" بلعبة جسدت الحرب، رسموا فيها مخططات السيطرة على قِطَع الرصيف الصغيرة التي يشغلونها يومياً، منذ حوالي الشهر تبدلت معطيات لعبتهم الواقعية كلياً، تحولت إلى حربٍ من نوع آخر، بدأ الأطفال يبحثون عن طفل سابعٍ يشغل منصب" فيروس كورونا"، في لعبتهم الافتراضية.

نعم وجدوه! إنه طارق، وهو في اللعبة يجسّد فيروس كورونا وفق قواعدها، وعلى بعد16 كم تقريباً عن حي المزة، وفي "عين ترما" بريف دمشق، أي في المكان الذي نطق فيه الحجر مرارة الحرب، يعيش محمد (11 عاماً) الذي يأكل كل يوم خلطة "شوربة الأندومي السحرية "، "من عرباية العم أبو علي" ويقول: "هي ضد الكورونا"... ويذهب ليلعب كما أطفال حي المزة مع "فيروس العصر".

 نسي الناس أحاديث الفقر، الحب، الغلاء والبطاقة الذكية، وباتت الحوارات اليومية عن المسموح والممنوع، وعن فوائد الثوم والبصل، وعن فوائد فيتامين C، في مواجهة خطر كورونا.

هذه القصص ليست في أم الطنافس الفوقا، وهذه الشخصيات لا تشبه جودي أبو خميس وأسعد الخرشوف، إلا في مواجهة بعبع العالم، فيروس كورونا، ولسان حال أطفال سوريا: "يا إلهي.. يا إلهي"، بلهجة جودي وأسعد.

إجراءات وقائية

منذ شهر تقريباً، أعلن لبنان أول إصابة بالكورونا على أرضه، وبدأ بعض السوريين باتخاذ إجراءات وقائية أسوة بالجارة بيروت، ومن أوائل السوريين الذين اتخذوا الإجراءات هو محمد (30 عاماً)، حيث دخل إلى كراج البولمان، شرق العاصمة، وهو يضع كمامة، فابتعد عنه الجميع وبدأوا بالتنمر ضده، وخاف أي شخص من الجلوس قربه في المقعد.

أما اليوم، وبعد إعلان الحكومة السورية التي شعرت بخطر "الفيروس" مؤخراً، تعطيل المدارس والجامعات وتخفيض الدوام في الدوائر الحكومية، كإجراءات وقائية على حد تعبيرها، دون أن تعلن عن أي إصابة في سوريا على ذمتها الشخصية، وخلال ساعات، تداول الناس على فيسبوك صوراً تظهر الازدحام في المؤسسات الاستهلاكية والمحال التجارية، حيث يشتري الناس مواد أولية تتصدرها المعقمات، وفي المقلب الآخر، وتحديداً في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومة السورية، أيضاً لم يتم الإعلان عن أي إصابة بفيروس العصر.

لم تسبق الحكومة السورية بعض المواطنين في الإجراءات الوقائية، حيث قدمت أحد الروضات الخاصة كمامات ملونة للأطفال تشجيعاً لاستخدامها، فقام الأطفال بتبادلها بينهم، وهنا تشير الاختصاصية النفسية ميلانة زين الدين، أن الأطفال السوريين ليس لديهم توعية بخصوص الكثير من الإجراءات الوقائية والطبية من أي مرض مهما كان، وهذا مسؤولية المدارس أولاً، والأهالي ثانياً، الذين انقسموا في التعامل مع الموضوع، منهم من حوله لوسواس، ومنهم من استمروا مستهترين، والتصرفات في كلا الحالتين إشكالية جداً، والاعتدال في التعاطي مع الموضوع هو الأمر السليم، لكن هذا الوسواس الذي أصاب بعض الناس له مخاطر نفسية واجتماعية كبيرة.

وبين الوسواس والاستهتار بالفيروس المستحدث، قرار حكومي يمنع النرجيلة في المقاهي العامة، لذلك من يرغب عليه أن يطبق هاشتاغ #خليك_بالبيت#، الذي انطلق بعد ساعات من قرار الحكومة السورية.

بعد إعلان الحكومة السورية التي شعرت بخطر "الفيروس" مؤخراً، تعطيل المدارس والجامعات وتخفيض الدوام في الدوائر الحكومية، كإجراءات وقائية على حد تعبيرها، دون أن تعلن عن أي إصابة في سوريا على ذمتها الشخصية، وخلال ساعات، تداول الناس على فيسبوك صوراً تظهر الازدحام في المؤسسات الاستهلاكية والمحال التجارية

#كرمالن...#كرمال_البلد#

"حبيبك وصاكي تتضلي بالبيت"، قالتها فيروز منذ عشرات السنين، ولم تكن تتنبأ بأن "بعبع العصر" الكورونا سيجبر الجميع على حجر صحي، بعيداً عن العواطف وغيرة العشاق، بدأ ينتشر هاشتاغ #خليك-بالبيت، #كرمالن، #كرمال-بلدنا، في دعوة للأهالي لحماية أبنائهم من خطر الفيروس.

فمنذ بداية الخبر، تخرج أم علي (ممرضة أربعينية تعمل في أحد المشافي الحكومية) وراء أبنائها وهي ترشهم بالكحول، وتجبرهم على خلع كل ملابسهم فوراً على باب المنزل عند العودة من المدرسة، بينما لم تتخذ أم مصطفى، خياطة نسائية تعيش في عشوائيات ركن الدين، أي إجراء مع أبنائها، وتعقب عند سؤالها عن السبب: "إذا كان الكورونا بده مناعة قوية، شو في أقوى من مناعة شعب شاف كل أشكال الحرب، وكله بالنتيجة قدر، لهيك مارح غير نمط حياتي".

وفي زمن الكورونا، نسي الناس أحاديث الفقر، الحب، الغلاء والبطاقة الذكية، وباتت الحوارات اليومية عن المسموح والممنوع، وعن فوائد الثوم والبصل، وعن فوائد فيتامين C، في مواجهة خطر كورونا.

وفي ظل الدعوات للرب أن ترتفع درجات الحرارة لتصل حوالي 27 درجة، حيث يموت الفيروس، يتحدث بعض الأطباء عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن طرق التوعية والوقاية العلمية البعيدة عن الشائعات، ومنهم الأستاذ الدكتور مروان الحلبي، النائب العلمي في كلية الطب البشري بجامعة دمشق، الذي نشر دليلاً إرشادياً توعوياً، يتحدث فيه عن طرق انتقال العدوى، وأعراض الإصابة وطرق الوقاية، مشيراً إلى أهمية غسل اليدين ومحدداً الطريقة السليمة والأوقات، بينما يشير الدكتور حسين نجار، وهو طبيب مختص أنف أذن حنجرة، إلى أن نسبة الوفيات بالكورونا أقل من 4%، ونسبة الشفاء تفوق ال90%، وأكد الدكتور حسين أن الإجراءات على الحدود لن تحمي بشكل كامل، لأن المريض يمكن أن يحمل الفايروس بلا أعراض، لكن عند وجود ارتفاع حراري تؤخذ الإجراءات المناسبة، ويؤكد كما الدكتور مروان الحلبي أن النظافة العامة هي سلاح المواجهة الأول.

"يرحم أيام الإيدز"

الكل في زمن "الكورونا"، يترحم على ليلاه!!، ربما يوم 13 آذار بعد إعلان الحكومة السورية تعطيل المدارس والجامعات، ومنع النرجيلة في المقاهي منعاً باتاً، ومنع التجمعات، بدأ السوريون بالترحم على أمور كثيرة، منها الإيدز مثلاً!، حيث نشر العديد من الناس على مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات المغلقة العبارة التالية: "الله يرحم أيام الإيدز، على القليلة كان ينتقل عن طريق شي محرز، مو ببزقة وسعلة وعطسة"، هذه كانت آخر مستجدات العتب على الفيروس المستحدث، حيث سبقتها عبارات كثيرة تندد بالفيروس وبعام 2020، في شهره الثالث، حيث تنبأ السوريون بوجود ديناصورات طائرة ربما، ودعا الشباب بعضهم للامتناع عن ممارسة الجنس هذه الفترة، قائلين: "بوسها من بين عيونها!"، ويبقى كلٌ يترحم على ليلاه، ومن سينجو سيكتب في سيرته الذاتية "أنه عاش في عام 2020".

 الأطفال وحدهم من يسألون أسئلة منطقية ببراءة تامة، حيث يعاتب ورد، ابن الأربع سنوات ونصف، الله بصوت مرتفع، وسط العشوائيات في حي المزة، ويقول لله: "الله شبك، شبك، ما خلصنا من القذائف، حتى يرجع يصير شتوية وماعد نلعب، لاء ومو بس هيك كمان تبعتلنا هدا الفيروس... الله شبك؟"

"شكراً كورونا"

وحدهم التلاميذ السوريون من يشكرون الكورونا، هم ذاتهم أو أشباههم في الجيل من بدأ بهم التحقيق، هم من تخيلوا فيروس الكورونا، يشكرونه اليوم، حيث انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لتلاميذ سوريين، بعد قرار تعطيل المدارس، يقولون "شكراً كورونا" على وقع موسيقى الدربكة.

وهنا تقف كل الإشارات وأدوات الاستفهام دقيقة صمت على روح جيل بأكمله، هو ذات الجيل الذي يعرف الفيروس بعمر صغير جداً.

كريم، طفل عمره أربع سنوات من محافظة حمص، يقول ببراءة: في "بيروس كورنونا" أي "فيروس كورونا"، كريم يعرف أنه قاتل، لذلك يأكل البرتقال يومياً لأنه يعتقد أن الفيروس يخاف من شكل البرتقالة، بينما خالد ذو التسع سنوات، طالب صف الثالث في مدرسة عين ترما بريف دمشق، سمع بالفيروس، لكنه لا يهتم لأنه قوي، فهو لم يخف من أصوات الحرب، فكيف يخاف الفيروس؟، حسب تعبيره.

هؤلاء الأطفال وحدهم من يسألون أسئلة منطقية ببراءة تامة، حيث يعاتب ورد، ابن الأربع سنوات ونصف، الله بصوت مرتفع، وسط العشوائيات في حي المزة، ويقول لله: "الله شبك، شبك، ما خلصنا من القذائف، حتى يرجع يصير شتوية وماعد نلعب، لاء ومو بس هيك كمان تبعتلنا هدا الفيروس... الله شبك؟".

ربما لا ينفع مع الوقاية، ابتداءً من الكمامة، الكفوف، وصولاً للكحول والفيتامينات، سوى أن يدعو الكل أن يبعد الرب الكورونا عن كوكب الأرض.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image