يعتبر فيروس كورونا تهديداً عالمياً يجمع بين جميع دول العالم، حيث تم الإجماع لأول مرة على خطر حقيقي يهدد الجميع. خطر يكمن في عدم إمكانية مواجهته بالسلاح المتطور الذي تتفاخر به الدول المتقدمة، لأنه خطر بيولوجي ينتشر عبر التواصل اللصيق للبشر فيما بينهم.
واختلف تعاطي دول العالم مع هذا الخطر الكبير، من متكتم، إلى لا مبالٍ، إلى مهتم ومكافح ضده. هذا الاختلاف أظهر حجم الفجوة الثقافية والسياسية بين هذه الدول، وأعاد إلى الواجهة خطر الديكتاتوريات العسكرية والسياسية على أمن وسلامة العالم، كما أعاد التذكير بتقاعس الدول المتقدمة عن مواجهة تلك الديكتاتوريات.
لا تظهر للعالم خطورة الحكومات الديكتاتورية إلا عندما تتسبب بتهديد أمن وسلامة الدول المتقدمة.
الدول الديكتاتورية وانتشار المرض
أعرب الطبيب الصيني لي وين ليانغ، عن قلقه في ديسمبر من عام 2019، من انتشار نسخة متطورة من فيروس كورونا، في مقاطعة ووهان الصينية التي انطلق منها الوباء. ولكن كعادة الدول الاستبدادية، تم استجواب الطبيب وتوجيه تهمة نشر الشائعات المضللة، والاخلال بالنظام الاجتماعي في الصين، وتم إرغامه على التراجع عن تحذيراته التي أطلقها، ثم تم نقله إلى المستشفى في الأول من فبراير الماضي نتيجة انتقال العدوى إليه من أحد مرضاه، إلى أن توفي في السابع من فبراير الماضي.
هذه الحادثة تعيدنا إلى أسباب انتشار المرض الذي كان من الممكن السيطرة عليه في بداياته، مع إطلاق الطبيب ليانغ تحذيره الأول من ظهور المرض، وكان من الممكن وضع المصابين تحت الحجر الصحي والعزل حفاظاً على الوسط المحيط من انتشار المرض، ولكن سياسة الاستبداد التي تحكم الصين ساهمت بنشر الفيروس بشكل كبير باسم الدواعي الأمنية، حتى أصبح الفيروس يشكل خطراً على سكان الصين أولاً ودول العالم ثانياً.
اختلف تعاطي الدول مع هذا الخطر الكبير، من متكتم، إلى لا مبالٍ، إلى مهتم ومكافح ضده. هذا الاختلاف أظهر حجم الفجوة الثقافية والسياسية بين هذه الدول، وأعاد إلى الواجهة خطر الديكتاتوريات العسكرية والسياسية على أمن وسلامة العالم، كما أعاد التذكير بتقاعس الدول المتقدمة عن مواجهة تلك الديكتاتوريات
لم تتوقف الكارثة عند حدود الصين، فمن سوء حظ الكوكب أن الفيروس شق طريقه نحو إيران. تلك الدولة المنغلقة التي تحكمها السلطة الدينية المطلقة، والتي لا قيمة للإنسان فيها، وكان لانعدام الوقاية وشروط السلامة العامة دور كبير في انتشار الفيروس، وخصوصاً في المزارات المقدسة التي تعتبر محجاً يقصده أبناء الطائفة الشيعية من جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من اكتشاف حالات إصابة مؤكدة في إيران، إلا أن سياسة التكتم واللامبالاة ساهمت في زيادة انتشاره بشكل مرعب، وما زاد في انتشار الكارثة بشكل أكبر، أن أولئك الحجاج الذين حملوا الفيروس معهم في فترة حضانته من المزارات الإيرانية، نقلوه معهم إلى الدول التي ينتمون إليها، وهي في مجملها دول متخلفة وديكتاتورية لا مبالية أساساً بالقضية التي تشغل دول العالم، فالهم الأكبر لدى تلك الدول هو الحفاظ على القبضة الأمنية في بلادهم، ومواجهة تحركات الشعب وانتفاضته.
وصل الفيروس القادم من إيران إلى لبنان، العراق، الكويت، سوريا ومصر، ولم تُعرف حتى الآن إحصائيات دقيقة لحجم الإصابات في تلك الدول، حفاظاً على الأمن القومي، وعملاً بقوانين استبدادية أكل عليها الدهر وشرب، مثل وهن شعور الأمة، إضعاف الروح الوطنية وما إلى هنالك من شعارات كرّست وجود الحكام المستبدين على كرسي الحكم في تلك الدول.
الغريب في الأمر أن تلك الدول المرتبطة بإيران لم تتخذ أي إجراء وقائي حتى الآن، ما يزيد فرصة انتشار الفيروس بشكل أكبر، مع انعدام إجراءات التقصي والفحص الطبي للكشف المبكر عن الإصابة، ناهيك عن عدم توفر معايير السلامة العامة في المستشفيات.
ففي سوريا، لم يتم تسريب أية معلومة عن أعداد المصابين، ما دفع بعض الإعلاميين التابعين لنظام الأسد بالخروج عن صمتهم، كما فعل الإعلامي رفيق لطف، والذي نشر على صفحته على تويتر تغريدة قال فيها: "بما أن وزارة الصحة ما زالت ملتزمة الصمت وقد حذرت أنني لن ألتزم الصمت طويلاً: 1-الوفيات بسبب كورونا في القطر السوري تجاوزت الـ 400 غالبيتها في اللاذقية وطرطوس ودمشق 2-الإصابات تتجاوز الـ2000 على أقل تقدير 3-وزارة الصحة وحتى الحكومة لم تتخذ أي إجراءات وقائية غير التزام الصمت"، ليعود بعد فترة قصيرة ويعلن عن التزامه بعدم نشر أية معلومة عن مرض كورونا، مكتفياً بالدعاء لجيش نظامه في إدلب.
كيف تعاملت الدول المتحضرة مع نفس الخطر؟
الفيروس العابر للقارات لم يتوقف عند حدود الدول المتخلفة والديكتاتورية، بل اخترق التحصينات الديمقراطية عن طريق المسافرين إلى تلك الدول من الدول المصابة بالفيروس، ولكن المتابع يجد فارقاً واضحاً في طريقة التعامل مع الخطر، حيث استنفرت الدول المتحضرة إمكاناتها لمواجهة الوباء، عن طريق الفحص والكشف المبكر، وفرض إجراءات العزل والحجر الصحي على المصابين، كما فعلت الحكومة الإيطالية، بإصدار مرسوم جديد لمواجهة انتشار فيروس كورونا في إيطاليا، يشمل القانون عدة بنود، بعضها خاص بمنطقة انتشار الفيروس، وأخرى تطبق على كل أراضي الجمهورية، والتي بدأت بحجْر مناطق تشمل ربع إيطاليا، ثم مرسوم حكومي بإعلان إيطاليا كلها منطقة محمية.
أما الحكومة الفرنسية، والتي عقد وزير الصحة فيها، أوليفييه فيران، مؤتمراً صحفياً عقب اجتماع مع الرئيس ماكرون، دام أكثر من ساعتين، يوم في 8 آذار/ مارس الحالي، صرح فيه وزير الصحة: "على المستوى الوطني، سيتم حظر كل التجمعات التي تضم أكثر من ألف شخص. سيرفع المسؤولون المحليون والوزراء قائمة بالأحداث التي تعتبر مفيدة لحياة الأمة، من ضمنها التظاهرات والمسابقات واستخدام وسائل النقل العامة، لا نزال حتى هذا المساء في المرحلة الثانية، هذا يعني أن أولويتنا هي القيام بكل ما هو ممكن لإبطاء انتشار الفيروس على التراب الوطني، الوباء حتى الآن لم يطل البلاد برمتها، لكنه ينتشر في بعض المناطق".
لو أراد العالم مواجهة الكوارث البيولوجية القادمة، عليه أن يواجه أولاً الحكومات الاستبدادية والقمعية التي كانت جزءاً من الكارثة، وسبباً رئيساً في انتشارها ووصولها إلى معظم دول العالم، وبذلك تتم السيطرة على جميع الفيروسات التي تهدد الكوكب.
كورونا الذي عرّى الديكتاتوريات
التحذيرات التي أطلقتها الحكومات الغربية لتفادي الإصابة بفيروس كورونا، شكّلت ظاهرة عنصرية جديدة في المجتمع الغربي، تقوم على تفادي الاحتكاك بالصينيين، وذلك لأن الفيروس انطلق من بلادهم.
هذه الظاهرة ربما لن تتوقف بعد القضاء على المرض في حال تم ابتكار علاج مناسب يوقف انتشاره، ولكن الأهم من ذلك أيضاً هو أن كل ما يحصل يعيد إلى الذهن اللامبالاة التي تظهرها الحكومات الغربية عامة، تجاه وجود دول ديكتاتورية قد تشكل خطراً أول ما يكون على شعوب تحكمها، وثانياً تشكل خطراً على أمن وسلامة دول العالم، لتسقط ورقة التوت عن دولة المؤسسات التي يحكمها الديكتاتور، ويعيد إلى الواجهة ضرورة تحقيق رغبة الشعوب المضطهدة بالحصول على حريتها وديمقراطيتها. بمعنى آخر، أنه لا تظهر للعالم خطورة الحكومات الديكتاتورية إلا عندما تتسبب بتهديد أمن وسلامة الدول المتقدمة.
ما جرى في سوريا خلال سنوات الثورة أكبر شاهد على ذلك، فلم يكن نظام الأسد يشكل خطورة على النظام العالمي بقتله ما يقارب المليون شخص واعتقال مئات الآلاف غيرهم، إلا عندما بدأت تركيا تلوح باستخدام ورقة اللاجئين السوريين ضد أوروبا، لمساعدتها في عملياتها العسكرية الأخيرة ضد النظام السوري، ولو كان القتل الذي جرى في سوريا ينتقل بالعدوى إلى الدول الغربية لشهدنا الإطاحة بالأسد منذ بداية الثورة السورية.
لو أراد العالم مواجهة الكوارث البيولوجية القادمة، عليه أن يواجه أولاً الحكومات الاستبدادية والقمعية التي كانت جزءاً من الكارثة، وسبباً رئيساً في انتشارها ووصولها إلى معظم دول العالم، وبذلك تتم السيطرة على جميع الفيروسات التي تهدد الكوكب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه