شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"لها نكهة خاصة"... عن هوس مصريين بفتيات يرتدين عباءات سوداء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 10 مارس 202005:51 م

"لم أكن أتصور سر هوس الرجال بالعباءة السوداء ذات الطابع الشعبي، والتي يتراوح سعرها بين 60 جنيهاً مصرياً (حوالي 4 دولار) حتى 300 جنيهاً (حوالي 20 دولاراً)، حتى ارتديتها ذات يوم".

مؤخراً، ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي على كشف وجهات نظر الرجال والنساء، وتفضيلاتهم ناحية الطرف الآخر، وكان الأمر الأكثر غرابة هو أن يجمع غير قليل من الرجال على الإعجاب بالفتيات من المناطق الشعبية، خاصة هؤلاء اللواتي يرتدين عباءة سوداء، وكأن الأمر تحوّل إلى "هوس جنسي"، وربما "فيتيش جنسي"، وبعضهم قد يطلب من زوجته أن ترتديها في المنزل للحصول على الإثارة المطلوبة لعلاقة جنسية جيدة.

يوتيوبر شهير تندَّر على هذا الأمر، ناصحاً الفتيات ألَّا يبالغن ويغالين في شراء الماركات العالمية للملابس، والعطور، والأحذية والحقائب، والتي قد تكلف ما يتخطى الـ3 آلاف جنيه في متوسط الأسعار، في الوقت الذي تستطيع فتاة تتمهَّل في مشيتها، بعباءة لا تتكلف 60 جنيهاً، من أسر "قلب حبيبها".

"العباءات السوداء لها نكهة خاصة"

استغلت السينما المصرية نمط الفتاة الشعبية المثيرة، فلا ننسى دور الفنانة الراحلة معالي زايد، في فيلم "البيضة والحجر" مع أحمد زكي، حيث يحكي الفيلم كيف يتحكم الدجّالون بحياة البسطاء.

في أحداث الفيلم، تستطيع معالي زايد، وهي فتاة شعبية تقيم بأسطح أحد البنايات، أن تعمل بنصيحة الدجال حتى تكسب عريساً، وفي أثناء وجودها بسوق خان الخليلي، استطاعت تلك الفتاة التي كانت ترتدي نعلاً بلاستيكياً مزيناً بوردة كبيرة في المنتصف، وتلف جسدها بملاءة لف سوداء، وبصوت مرتفع تنهال به بالشتائم على أحد السياح، أن تخطف قلبه وتصبح زوجته فيما بعد.


ونجح نموذج الفتاة الشعبية أن يتصدر "تريند" الفتيات ذات الجاذبية الجنسية، مثل نموذج الفنانة "نورا" في فيلم "العار"، حينما جسدت دور "روقة"، وهي الفتاة التي تستطيع أن تكون خادمة، وزوجة، وصاحبة، وحبيبة لزوجها، حتى يشعر أنه "سي السيد" ويصبح لديه القوة والسيطرة عليها، وبالتالي يشعر برجولته.

أحد الأصدقاء، وهو شاب ثلاثيني مقيم في أحد الأحياء الشعبية في القاهرة، قال لي ذات مرة إن "الفتاة الشعبية لها نكهة خاصة، حِرشة""بكسر الحاء"، جريئة، صاخبة، طبيعية، مختلفة، قوية وواثقة من نفسها، ليس ذلك معناه النقيض لدى الفتيات الأخريات أو من يهتمون بالموضة".

اشتهر صديقي "ع" في وسط الأصدقاء بالارتباط العاطفي بفتيات من مناطق شعبية، يرتدين جلباباً أسود، تزينه الورود، والترتر، والنقش غير المتناسق مع أحذية مزهرة، رغم كونه من طبقة متوسطة.

تصف نهلة إحساسها بنفسها عندما جرّبت ارتداء "الملاءة اللف": "إحساس الملاية كان غريب شوية، لبستها في البيت على قميص نوم كان عندي، لكن إحساس اللبس نفسه كان جميل ومختلف وأنا فاكة شعري، خاصة مع البرقع والمنديل بأوقية"

نهلة، كانت طفلة صغيرة، تزين الضفائر شعرها وترتدي فساتين زاهية في ثمانينيات القرن الماضي، هي فتاة في بداية العقد الثالث من عمرها الآن، تسكن في مدينة الإسماعيلية، تقول لرصيف22 إنها في صغرها كانت تزور جدتها في أحد المناطق الشعبية بالقاهرة "ميت عقبة"، ولفت نظرها وجود قطعة قماش كبيرة سوداء اللون لجدتها، كانت تراها تلف أحد أطرافها حول خصرها، ثم تحيط به جسدها، فيما قدماها عاريتان، وتلقي الطرف المتبقي على كتفها أو رأسها.

تصف نهلة إحساسها بنفسها عندما جرّبت ارتداء العباءة السوداء أو ما يعرف بـ"الملاءة اللف": "إحساس الملاية كان غريب شوية، لبستها في البيت على قميص نوم كان عندي، لكن إحساس اللبس نفسه كان جميل ومختلف وأنا فاكه شعري، كنت اشتريت الفستان اللي بيتلبس تحتها والبرقع وكان عندي منديل بأوقية".

ولاتزال أزياء فتيات المناطق الشعبية مرتبطة بذكرياتها القديمة، تقول نهلة لرصيف22: "بحب بيت تيتة، وبحب المنطقة هناك، كانت أجمل سنين حياتي، كنت بشوف الستات هناك لابسة عباية سودة وشبشب بصباع، ومش محجبات، مش بيحطوا طرح على شعرهم، ولازم الشعر معمول في الكوافير باللون الأصفر وحاطين مانيكير".

"زي سيء السمعة"

أما إسراء، وهي شابة عشرينية من أحد المناطق الحضرية في القاهرة، وتعمل في تنسيق مشروعات تجارية، فتقول إن والدتها رفضت تماماً أن ترتدي العباءة السوداء، رغم أنها كانت هدية من صديقة لها بالسعودية، لكونها تقيم بالقرب من شارع الهرم، والسبب أن الفتيات اللاتي يعملن بالملاهي الليلية في هذا الشارع، يعتدن ارتداءها في أول الليل لإخفاء ملابس السهرة، والفساتين القصيرة أسفل منها، وحتى تتيح لهن حرية الحركة كنساء طبيعيات في الليل، وفي الصباح الباكر، عند انتهاء دوامهن.

وقالت إسراء لرصيف22 إن والدتها رفضت ذلك بسبب اعتقادها أن الفتيات اللواتي يرتدينها يُقلّلن من قيمة أنفسهن، رغم أن إسراء لديها عباءة سوداء اللون، وتحب ارتداءها، وترى أنها تعطيها إحساساً بأنها أنثى، وهي مختلفة في إحساسها عن باقي الملابس لديها، كما أنها لديها ملابس أخرى مثل "بدلة رقص" وغيرها، وتحب ارتداءها داخل المنزل.

"باحبها، وباشوف نفسي مثيرة في العباية السودا".

أما مي، وهي فتاة عشرينية من محافظة الإسكندرية، فتقول لرصيف22: "أنا بحبها جداً وبشوف نفسي سكسي جداً في العباية السودا".

بينما أمل الثلاثينية من محافظة الغربية، والمقيمة في القاهرة، فتروي قصتها مع العباءة الشعبية السوداء لرصيف22: "كانت مرحلة في حياتي وانتهت، كنت ساكنة في شارع الهرم وبلبسها من باب الالتزام والتدين، وكنت بروح بيها الجامعة لكن قبل ما أخد قرار إني أبطل ألبسها تاني، تعرضت لمواقف كتيرة في الشارع، مكنتش أعرف إنه لبس معروف بين البنات اللي بيشتغلوا في النايت كلابس والكباريهات في الشارع، وبيلبسوها كتير وبيركبوا نفس المواصلات اللي بركبها، وتقريباً في نفس الوقت، وحتى لما كنت بخرج بالليل مع صحابي عربيات كتير تقف لنا أو تضرب كلاكس على أساس نروح معاهم، بطلت ألبسها وعمري ما حسيت فيها بإحساس إني أنثى وست والكلام ده، كنت بحسها لبس عادي وأحياناً حاجة ابتذال أوي".

"الملابس الداكنة مثيرة"

مجلة "الرجل"، وهي إحدى المجلات المعنية بأناقة وأفكار الرجال، ذكرت في مقال لها إن الرجل يحبّ المرأة التي ترتدي ملابس أو عباءات داكنة اللون، ويجدها جذّابة أكثر من غيرها، خاصّة وأنّ الرجال بطبيعتهم يفضّلون أيضاً ارتداء الملابس السوداء، أو الداكنة التي لا تكون ألوانها فاتحة جداً.

لعلّ مشاركة المرأة للرجل ما يحبّ تجعله مرتاحاً بعض الشيء، الأمر نفسه ذكرته مجلة "Elles" النسوية الفرنسية الشهيرة، في مقال لها باللغة العربية، أن الرجل يعشق اللون الأسود عندما ترتديه المرأة، خاصة القَصّة الطويلة أو الماكسي، لأنه يعكس شخصية المرأة الغامضة والأنثوية.

ولكن، هل يمكن أن تتصور أن يكون لتعلق بعض الرجال بالمرأة "لنتفق أنها الحِرشة" ابنة المنطقة الشعبية، أبعاداً ثقافية، اجتماعية، سياسية واقتصادية؟

ذلك ما أشارت له مي عامر، الباحثة النسوية في الدراسات الثقافية، والتي قالت في تصريحات لرصيف22 إن الرجل من الطبقة الوسطى، في المجتمع المصري والشرقي عموماً، مطلوب منه مسكن، وبيت، وأثاث، وبالطبع يريد زوجة داخل البيت تكون "محترمة ومؤدبة"، وتربي الأطفال، وربما جامعية أو مثقفة حتى يستطيع تقديمها للناس.

في المقابل، تضيف عامر، المرأة من الطبقة الوسطى يتم تربيتها منذ صغرها أن جسدها ليس ملكاً لها، وإنما ملك المجتمع والعائلة والزوج فيما بعد، ويُطلب منها الاهتمام بدراستها وثقافتها وبالمكياج والاحتشام، فلا تعرف كثيراً عن جسمها ولا احتياجاتها.

"الرجل في الطبقة الوسطى كأنه متشعلق على جبل، وبيطلع واحدة واحدة، اللحظة اللي بيكون فيها مع ست من منطقة شعبية، بتكون أول لحظة تمرد أو هدوء بيفك منها من الجبل ويرتاح شوية" مي عامر، باحثة نسوية

وعن الإثارة الجنسية في الزواج، تقول عامر لرصيف22: "إن الزواج يعتبر سجناً للجنس لدى أغلب أبناء هذه الطبقة، وبالتالي يفقد شغفه ويصبح أمراً معتاداً، فطبيعي أن يشعر الرجل بعد مضي بعض الوقت أنه يريد أن يشعر بشيء مختلف، بالتالي لديه مساحة للتعبير عن رغباته دون لوم، وتكون صاحبة العباءة السوداء وابنة الطبقة الشعبية "الفقيرة" مرغوبة جداً، لأنهن متحققات جسدياً أكثر من فتيات الطبقة الوسطى وحتى رجالها".

"امرأة الطبقة الشعبية متربية إنها تكون ست في السرير".

هناك ما يميز امرأة الطبقة الشعبية، تضيف الباحثة النسوية: "من وهي صغيرة متربية إنها تكون ست في السرير، لا مطلوب منها ماجستير، ولا نجاح وسقوط ولا أي شكل من أشكال تقويض الذات، وبالتالي بتعرف نفسها بسرعة، واهتماماتها وبتقول للستات حواليها وفي أغلب الأحياء الشعبية بيكون في جلسات حلاوة "إزالة الشعر" ونميمة وحكايات الستات بتنقل خبراتها لبعض بمنتهى البساطة والهدوء، عشان كده الراجل بيشوفها ست متكاملة جسدياً، تقدر تكون راجل، تشتم وتتخانق، وتعرف تكون أنثى وتدلع وترقص، وكمان متواضعة فكرياً فا مش هتجادل ولا تناقش الراجل كتير وهتريحه".

وعن تعلق الرجال ببعض الأزياء جنسياً، تقول عامر: "العباءة السوداء فيتش مظهري زي قمصان النوم اللي بتتباع، زي ملابس الممرضة أو جلاليب نانسي عجرم، هي متعة للراجل لممارسة جنسية مختلفة، وممتعة بصرياً، العباية أو الفستان الاسكندراني هو معمول من الستان عشان يداري عيوب جسمهم ويطلع مفاتنه، بيكون ضيق من عند الفخذ والمؤخرة وواسع عند البطن".

وتختم عامر حديثها قائلة: "الرجل في الطبقة الوسطى كأنه متشعلق على جبل، وبيطلع واحدة واحدة، اللحظة اللي بيكون فيها مع ست بلدي بتكون أول لحظة تمرد أو هدوء بيفك منها من الجبل ويريح شوية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard