شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الموضة في وجه العادات والسياسيين… أزياء تونسية بألوان قوس قزح

الموضة في وجه العادات والسياسيين… أزياء تونسية بألوان قوس قزح

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 26 يوليو 201905:14 م

أخفقت الطبقة السياسية التونسية منذ نجاح الثورة في استقطاب الشباب، وغرّدت على مدار حوالي ثمان سنوات خارج دائرة اهتماماته وتطلعاته، ليتحوّل المشهد السياسي بالتدريج إلى حلبة صراعٍ مكتومٍ بين حركة "النهضة" و "نداء تونس"، رغم الاختلافات التاريخية والعقائدية الكبيرة.

مشهد عجائزي مرتبك، يقابله مشهد شبابي بعيدٍ عن ميادين السياسة، في السينما والمسرح والرقص وأخيراً الموضة.

مؤخراً نظَّمت تونس على مدرج قرطاج التاريخي أسبوعاً للموضة تحت إشراف "المعهد العالي لمهن الموضة" بـ"المنستير"، وقد بلغت هذا العام دورتها الحادية عشر، ويسعى المنظّمون كل سنة من خلالها لاكتشاف مصمّمين من الشباب.

وقد ساعدت هذه التظاهرة في التعريف بالخبرات الشابة في مجال التصميم على الصعيد العالمي.

ويحشد أسبوع الموضة محترفي الأزياء الذين يرغبون في وضع أنفسهم على الساحة المحلية والدولية، ويجمع بين المبدعين التونسيين والأجانب المعروفين والمبتدئين.

فستان ماري أنطوانيت الجريء

سعى بعض المصممين هذا العام للتمسّك بتفاصيل تونسية على مستوى نوعية الأقمشة والألوان، على غرار ما يعرف بـ"الفولار" (رداء رأس نسوي تقليدي بألوان مختلفة أصبح مؤخراً معتمداً في تصميمات أزياء)، إلَّا أن اللمسة الحديثة كانت حاضرة بقوة.

ونجح المصممون في إخراجه من دائرته المحافظة كرداءٍ للرأس إلى تصاميم جريئة.

كما سعى مصممو الأزياء الشباب الذين شاركوا في فعاليات هذه التظاهرة لطرح أزياء استهدفت مسألة الحرية الجنسية، بدت واضحةً من خلال دمج الألوان النسائية والرجالية على حد السواء في نفس اللباس، والتركيز على إبراز صور حيوانات تعرف بتغيير جنسها في جملةٍ من الأزياء.

المصمم الشاب أشرف البكوش يرى أن الأزياء لا بد أن تكون "حمَّالة أفكار متمرّدة على الأنماط الرجعية التي تروجها تيارات سياسية".

ويعيد أشرف تعريف نفسه كمصمم أزياء في تصريح لرصيف22: "المصمم عموماً يطرح رؤى وأفكاراً يؤمن بها على مستويات مختلفة، ومسألة الحقوق والحريات الفردية على غايةٍ من الأهمية في مجتمعنا الراهن، وتحتاج لجهودٍ متكاتفة لنيلها على أكمل وجه".

ويبدي أشرف تخوّفه من "مساع سياسية واجتماعية هدفها ضرب بعض المكتسبات، والحيلولة دون تحقيق مكتسبات جديدة متعلقة بالحريات الجنسية أو حقوق المرأة".

في هذا السياق، يشرح أشرف تجربته في مجموعته التي صممها "فرساي": قمت بتصميم فستان جريء، مرتبط أساساً بشخصية ماري أنطوانيت، خصصته للفنانة التونسية مريم بن شعبان، التي أرادت من خلاله أن تردَّ على من حصرها في ثوب المرأة المحتشمة التي لا يحق لها الظهور في صور أخرى تروق لها، واستطاعت أن تؤكد من خلاله حريتها في التعاطي مع جسدها والظهور به وفق خياراتها، وإن كانت على خلاف انتظار من حاولوا تنميطها.

ويرى أشرف أن عرضه هذا في فعالية أسبوع الموضة، تحمل رسالة تقول: هذا قد يكون لسان حال سائر نساء البلاد، اللاتي يقعن أحياناً تحت ضغط فئة من المجتمع ترغب في فرض تصوراتها وقوالبها في التعاطي مع جسد المرأة، أو حتى بعض الأطياف السياسية الحاملة لأفكارٍ محافظةٍ، خاصة فيما يتعلق بالمرأة والجسد وتريد نشرها.

ينظر أشرف إلى الجدل الذي حمله مشاركته في أسبوع الموضة، معيداً مرة أخرى تعريف فنه، يقول: كمصمم أجدني أسعى دائماً للاشتغال في أعمالي أشياء تهدف دائما لتحرير الجسد لا العكس.

وقد سبق ونوقشت في أعمال فنية، النظرة المتشدّدة التي تفرض على المرأة التونسية من أزياء وسلوكيات تنمّطها، ولا تسمح لها بالخروج عنها، أبرزها مسرحية "الهربة" للمخرج الشاب غازي الزغباني، التي جمعت من جهة بين متشدّد ديني وعاملة جنس، ومن جهة أخرى بين "حريف" ساعي إلى إشباع رغبته، وعاملة جنس.

في هذا العمل حاول الزغباني تمرير نظرة المحافظين والمتشددين لجسد المرأة وشرح عقدهم إزاءه، ولكنه أخضعه في النهاية لأهواء بائعة الهوى، في صورةٍ أراد من خلالها الكشف عن تناقضات هذه الفئة التي تنتمي إلى المجتمع والسياسية.

"الأزياء لا بد أن تكون حمَّالة أفكار متمرّدة على الأنماط الرجعية التي تروجها تيارات سياسية" مصمم الأزياء التونسي أشرف البكوش

رسائل حرية جنسية 

المصممة الشابة رانية بن رمضان، الحاصلة على الجائزة الثانية في "مهرجان مصممي الأزياء الشبان" الذي أقيم في 3 مايو الماضي، ترى هي الأخرى ضرورة تبني قضايا الحريات الفردية، بما في ذلك المساواة التامة بين الجنسين أو عدم تجريم المثلية في الملابس التي تصممها.

وتكشف رانيا عن أهمية رسالتها تلك في المناهج التي تعلمتها منذ أن كانت طالبة، تقول لرصيف22: عملنا مراراً على تمرير رسائل تتعلق بالمثلية والحرية الجنسية في تصميماتنا منذ أيام الدراسة في المعهد العالي لمهن الموضة بالمنستير، وحتى في عروض أسبوع الموضة، إيماناً منا بأن هؤلاء جزء لا يتجزأ من المجتمع ولهم حقوق كغيرهم.

ترى مصممة الأزياء رانيا بن رمضان ضرورة تبني قضايا الحريات الفردية في الملابس التي تصممها.

 وقد نشرت لجنة الحريات الفردية والمساواة في الثاني عشر من يونيو 2018 تقريراً تطرّق للإصلاحات الكبرى المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة استناداً الى مقتضيات دستور 27 يناير 2014، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، والتوجهات المعاصرة في مجال الحريات والمساواة. وكان أهم ما ورد فيه إقرار المساواة في الإرث، وإلغاء عقوبة الإعدام، وإلغاء تجريم المثلية الجنسية.

 وقد أحال الرئيس الراحل السبسي التقرير للبرلمان في الثالث عشر من أغسطس 2018 للمصادقة عليه، ولكنه قوبل بتراخي الكتل السياسية الكبرى، لا سيما حركة النهضة الإسلامية (الأغلبية) التي رفضت مسألة المصادقة على التقرير معتبرةً أن النقاط الواردة فيه، وعلى رأسها المساواة في الميراث، تحتاج إلى حوار واستشارة ولا يمكن الحسم فيها بهذه السرعة.

"عملنا مراراً على تمرير رسائل تتعلق بالمثلية والحرية الجنسية في تصميماتنا منذ أيام الدراسة،  وصولا إلى عروض أسبوع الموضة، إيماناً منا بأن هؤلاء جزء لا يتجزأ من المجتمع ولهم حقوق كغيرهم" رانيا بن رمضان مصممة أزياء تونسية

في هذا السياق السياسي والاجتماعي، تقول المصممة رانيا: "رغم عدم تجاوب السياسيين مع مثل هذه التطلعات إلا أننا سنظل نمرّر هذه الرسائل عبر ما نقدمه من أزياء، وأنا على يقين أنه وإن تشبث أصحاب القرار بوجهات نظرهم التي تعتمد الدين والتقاليد كمراجع، فإن رسائلنا ستظل تستفزهم بل وقد تثير إعجابهم سراً، وإن لم يعلنوا عن ذلك".

"المثلي ليس ضحية"

أثارت أعمال فنية شبابية قضايا متعلِّقة بحقوق المثليين، مسرحية "قزح" للمخرج الشاب أيمن الماجري ناقشت حياة المثليين الذكور، حيث منح دور المثلي مكانة درامية في العمل، وحرَّر المثلي من الصورة النمطية التي حصرته في كونه ضحية المجتمع، وإنما تركه يتماهى مع انفعالاته، ويكشف ميوله وأفكاره دون قيد، ودون إطناب ممل. وبهذا يكون الماجري قد حاول تمرير رسالة مفادها أن المثليين جزء من هذا المجتمع، ولا بد من تقبلهم بكل تفاصيلهم.

أما سينمائياً، استعرض فيلم "عزيز روحو" للمخرجة سلمى الشامخ صورة لحياة الإنسان المثلي، وعلاقته بالأسرة وأخته، وكذلك حياته الفنية والاجتماعية بتفاصيلها الصغيرة التي لا يراها الإنسان العادي، والتي عادة ما تجعله محل سخرية أو اشمئزاز الشارع.

العمل كان محاولة لإنصاف هذه الفئة التي مازال يُهضم حقها مجتمعياً وسياسياً في تونس، وقد تم عرض الفيلم في مهرجان أيام قرطاج السينمائية 2015، ونال استحسانا واسعا.

هذه الصرخات الشبابية وصلت مؤخراً لمصممي الموضة، وهؤلاء انخرطوا بقوة في هذا العراك الخفي مع السلطة، بأن استغلوا تنظيم تظاهرات تخصّهم لتمرير رسائل جريئة، تعكس نظرتهم لجملة من المسائل العالقة، المتعلقة بالقضايا الجنسية، والتي تأبى تكتلات سياسية نافذة مجرد النقاش حولها.

ولهذا لم يكن أسبوع الموضة الذي نُظّم بتونس من الـ12 حتى الـ17 من يونيو حدثاً عابراً يستعرض ابداعات الشباب في عالم الأزياء فحسب، بل كان فرصة وظّفها المصممون لتمرير رسائل إلى النخبة الحاكمة. وعلى مدار أيام المهرجان حاول هؤلاء أن يثبتوا انتماءهم لمجتمعٍ متطوّرٍ منفتحٍ وحر، في مواجهة قوالب يحاول البعض تدجينهم بها باسم الدين تارة، وباسم العادات والتقاليد تارة أخرى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard