تستمر العلاقة بين السعودية وحماس على وضعها المتأزم منذ فترة، ويأتي ذلك في ظل استعداد السلطات السعودية لمحاكمة عدد من المعتقلين الفلسطينيين والأردنيين الموجودين في سجونها، بعد أكثر من عام من الاحتجاز والاعتقال تعسفياً دون توجيه أية تهم رسمية.
بحسب عدد من ذوي المعتقلين الأردنيين والفلسطينيين في السعودية، فإن السلطات أبلغتهم يوم الثلاثاء الماضي بأن موعد محاكمة أبنائهم المعتقلين لديها ستبدأ يوم غد الأحد في 8 آذار/مارس الحالي.
ويأتي على رأس المعتقلين ممثل حركة حماس السابق في المملكة محمد صالح الخضري (82 عاماً) ونجله المهندس هاني.
كان الخضري مسؤول العلاقات بين الحركة والسعودية، وعمل من هناك لفترات طويلة على جمع التبرعات للفلسطينيين، بعلم من السلطات السعودية. وفي الرابع من نيسان/ أبريل من العام الماضي، كان الخضري على موعد مع الاعتقال من قبل جهاز "مباحث أمن الدولة" السعودي في مدينة جدة. وقتها، كان قد أُبلغ أن الجهاز يريده في قضية صغيرة لفترة زمنية قصيرة، وسيتم إعادته إلى منزله، لكن القيادي الثمانيني المُصاب بمرض السرطان، وبعد مرور ما يقارب العام، لا يزال قيد الاعتقال.
وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، اعتُقل نجله المحاضر في جامعة "أم القرى" في مكة، ولم يكونا الوحيدين اللذين تم اعتقالهما دون توجيه أية تهم، إذ ذكرت منظمات حقوقية أن السعودية تُخفي قسرياً 62 فلسطينياً، منهم من يحمل الجنسية الأردنية.
محاكمة على ثلاثة أيام
في بيان سابق، ذكر "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" (مقره جنيف) أن المعتقلين طلاب وأكاديميون ورجال أعمال وحجاج سابقين، تم عزلهم عن العالم الخارجي من دون لوائح اتهام محددة أو عرض على جهة الاختصاص (النيابة)، ولم يُسمح لهم الاتصال بذويهم أو محاميهم، كما تمت مصادرة أموالهم.
وكانت حماس قد أعلنت في 9 أيلول/ سبتمبر الماضي عن اعتقال الخضري ونجله، وقالت إنه كان حلقة الوصل ومسؤولاً عن إدارة العلاقة مع الرياض على مدى عقدين من الزمن، تقلّد خلالهما مواقع قيادية عليا في الحركة.
حول ملابسات القضية، يكشف رئيس لجنة المعتقلين الأردنيين السياسيين في السعودية خضر المشايخ، في تصريحٍ لرصيف22، أنه تم التأكيد على موعد يوم غد الأحد لمحاكمة شخصيات فلسطينية يتجاوز عددهم الـ40، وجرى تحويلهم جميعاً إلى الدائرة الأولى في المحكمة الجزائية في الرياض، المختصة في النظر في محاكمة الموقوفين والمتهمين في قضايا الإرهاب وتمويل المنظمات الإرهابية وقضايا الأمن الوطني والجرائم المرتبطة بها.
وتستمر المحاكمة لحوالي ثلاثة أيام (الأحد، الاثنين، الثلاثاء)، وفق المشايخ الذي يشير في هذا الصدد إلى أنه حتى هذه اللحظة لم يتم توكيل محامين على اعتبار ارتفاع كلفة توكيلهم في السعودية، مشدداً على المطالبة بتعيين محامين أردنيين ليكونوا متواجدين في جلسات المحكمة.
ويضيف المشايخ أن في جلسات المحاكمة القادمة سيتم عرض التهمة على كل شخص ومن ثم يُعطى الحق في الدفاع عن نفسه على أنه غير مذنب، وبعدها يقوم بطلب مستشار قانوني أردني.
تستعد السلطات السعودية لمحاكمة معتقلين فلسطينيين وأردنيين موجودين في سجونها، بعد أكثر من عام من الاحتجاز دون توجيه تهم رسمية، وعلى رأسهم ممثل حماس السابق في المملكة محمد صالح الخضري ونجله المهندس هاني
وفي ما يتعلق بالجهد المبذول على المستوى الأردني الرسمي، باعتبار أن من المتهمين التابعين للحركة من يحمل الجنسية الأردنية، يوضح رئيس لجنة المعتقلين الأردنيين السياسيين في السعودية أن لقاءً حصل مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي جرى خلاله الطلب من الحكومة الأردنية متابعة هذا الملف، وكذلك تم إيصال رسالة إلى الملك الأردني مباشرة.
وعن طبيعة التهم الموجهة إليهم، يشدد المشايخ على عدم وجود تهم رسمية خلال العام، وسيتم توجهيها في المحكمة القادمة، أما مجريات التحقيق فقد تمثلت في بعض الأسئلة حول علاقات المعتقلين مع حماس وتمويلها في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى العمل في شركات استثمارية متهمة بتمويل الحركة، منوهاً على أن هذا الفعل غير مجرّم لدى الحكومة السعودية، وكان يقع في الفترات الماضية من دون مشاكل.
ويوضح: "نحن نتحدث عن أموال وتبرعات تم تحويلها في أوقات سابقة لبعض الأقارب والأصدقاء، ولا نستطيع أن نجزم أن هذه التهم يُدان عليها المواطن الأردني في السعودية، لذلك هذا الفعل غير مجرّم إن تمّ فعلاً".
ويشير المشايخ إلى أن العدد الكلي ممن تم اعتقالهم في هذا الملف والمتهمين بالانتماء لحركة حماس هو 62 شخصاً، وتم الإفراج عن أربعة منهم، ليصبح العدد حالياً 58 شخصاً يحملون الجنسية الفلسطينية والأردنية، بينما يبلغ عدد الأشخاص الذين يحملون الجنسيات الأردنية (من أصول فلسطينية) الثلاثين، علماً أن الذين سيتم تحويلهم إلى المحكمة هم 40 شخصاً بين أدرني وفلسطيني.
"لم ينتهكوا معايير الإقامة"
في سياق متصل، يشير الكاتب الفلسطيني إبراهيم المدهون، المقرب من حركة حماس، في حديث مع رصيف22 إلى وجود مجموعة من المعتقلين الفلسطينيين الذين لا ذنب لهم إلا ارتباطهم وانتمائهم لقضيتهم، فهم "لم ينتهكوا أي من معايير إقامتهم في السعودية، إذ كانوا يمارسون ما كانوا يمارسونه قبل سنوات طويلة ولم يتجاوزوا ما تقره القوانين والشرائع المعمول بها في المملكة"، معتبراً أن اعتقالهم جاء مفاجئاً لهم ولكل فلسطيني، خصوصاً أن هناك حملة كاملة تستهدف أبناء الشعب الفلسطيني وبعض الأردنيين الذين يقدمون دعماً معنوياً للقضية الفلسطينية.
ويتساءل المدهون: "لا أحد يعرف حتى اللحظة بأي تهم سيُحاكمون، فهل سيُحاكمون بتهمة انتمائهم لفلسطين أو الحكومة الفلسطينية السابقة بقيادة حماس، أم بتهمة تعاملهم مع فصائل وأحزاب فلسطينية"، مشدداً على وجود حالة استنكار شعبية واسعة فلسطينية وأردنية لاعتقال هؤلاء، ومطالبات من غالبية الفصائل الفلسطينية بإطلاق سراحهم.
"بموجب المعطيات الراهنة، يظهر وجود إصرار سعودي على عدم فتح أية نافذة للحوار مع حماس في الداخل السعودي وخارجه، ورفض مقابلة أي مسؤول من الحركة حتى هذه اللحظة، حسب مصدر رفيع المستوى في حماس
ويعتبر المدهون أن هناك تقصيراً من السلطة الفلسطينية بالتحرك من أجل إطلاق سراح هؤلاء لحسابات لديها مع السعودية، إلا أن هناك الكثير من القيادات الفلسطينية حاولت التواصل مع الجهات السعودية للإفراج عنهم، ولا تزال تحاول.
ويوضح المدهون أن الفصائل الفلسطينية الأخرى قامت بجهد ولا تزال في هذا الإطار، وتحدثت مع العديد من الدول لتتوسط لدى السعودية، مثل مصر وبعض الدول الخليجية وحتى بعض الدول الإسلامية، لكن الجواب يأتي دائماً بشكل سلبي.
كما يكشف الكاتب الفلسطيني عن محاولات توسط من قبل بعض القيادات والرموز المعنوية والدعوية والسياسية والأدبية السعودية التي رفض الكشف عن اسمها من أجل تحريك الملف، وتستمر المحاولات إلى الآن من دون استجابة.
أزمة غير مسبوقة
تشهد العلاقة بين السعودية وحماس أزمة غير مسبوقة لم تعد الحركة قادرة على إخفائها، أو حتى احتوائها، في ظل رهانات حماس على محاور تُعرف بالمعادية للرياض، كالمحور الإيراني أو ما يسمى بـ"محور الممانعة" والمحور القطري - التركي الذي يعدّ تنظيم الإخوان المسلمين - المنبثقة عنه حماس، جزءاً منه.
ومن هنا، تثير ارتباطات حماس بهذين المحورين هواجس السعودية وحالة من انعدام الثقة بين الجانبين، بينما تعتبر الرياض أن المتغيّرات الطارئة على المنطقة والتي باتت تهدد بمزيد من الفوضى في سياق صراع النفوذ الجاري لا مكان فيها للمواقف والسلوكيات الرمادية، واللعب على التوازنات على غرار ما تقوم به حماس وما كانت تقوم به سابقاً في علاقتها مع المملكة.
وقد اتسمت العلاقة بين الطرفين بالتذبذب خلال العقدين الأخيرين، واستمر هذا الوضع حتى وصول الأمير محمد بن سلمان الذي اتخذ موقفاً صارما وحازماً من جماعات "الإسلام السياسي".
وبموجب المعطيات الراهنة، يظهر وجود إصرار سعودي على عدم فتح أي نافذة حوار مع حماس في الداخل السعودي وخارجه، ورفض مقابلة أي مسؤول من الحركة حتى هذه اللحظة، وهذا ما يؤكده مصدر رفيع المستوى في حركة حماس لرصيف22، لافتاً إلى أن قيادات حماس تواصلت أكثر من مرة مع السعودية عبر نوافذ مختلفة منها الديوان الملكي وجهاز أمن الدولة السعودي، إلا أنهما رفضا، وربطت إعادة العلاقة مع الحركة بقطع علاقاتها مع إيران.
وحول هذه العلاقة، يعلق المدهون بالقول: "أعتقد أن حماس معنية بالعلاقة مع السعودية ومعنية بتعزيزها وفتح باب الحوار، وتعمل قيادات ورموز حماس على زيارة السعودية، حتى رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية سيحاول أن يزور المملكة ويطرح ملف المعتقلين الفلسطينيين"، معقّباً "لو أرادت السعودية أن يكون لها دور في القضية الفلسطينية يجب أن تسوي الخلافات مع حركة حماس وتفرج عن المعتقلين وتستقبل قيادات الحركة وتتفاهم معهم، لأن حماس لم تغلق الباب في وجه السعودية وعلى الأخيرة أن تدرك حجم حضور الحركة ونفوذها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون