يتسم عالم الرغبات الجنسية للإنسان بالتعقيد والخفايا، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يمتلك تفضيلات جنسية متباينة، ويقوم بتطويرها مع مرور الزمن لتتخذ أشكالاً معيّنة، وقد باتت الاختراعات الجنسية في العصر الحديث، تمتلك حصة وافرة من البحث العلمي، كما أن صناعة الجنس تجني أموالاً طائلة، بحيث يتم ابتكار الكثير من الأدوات الجنسية التي تهدف لإشباع الرغبات الجنسية المختلفة للأفراد.
والهوس الجنسي أو الفيتيش، هو شعور بالإثارة الجنسية من شيء معيّن أو نشاط أو جزء من الجسم، وغالباً ما يكون هذا الهوس الجنسي متأصلاً في رغبة المرء، وبالتالي يكاد يكون من المستحيل أن يشعر هذا الأخير بالإشباع الجنسي دون تضمين هذا الأمر المحدد في حياته الجنسية.
الهوس السحري
ظهر مصطلح fetishism للمرة الأولى في أواخر القرن الثامن عشر، وهي كلمة مشتقة عن الكلمة البرتغالية feitico التي تعني "الهوس السحري"، للتعبير عن مدى سيطرة الهوس الجنسي على الشخص المعني، فيصبح هذا الأخير وكأنه واقع تحت تأثير سحر أو تعويذة ما، بحيث أنه يجد صعوبة في الفصل بين هذا الهوس وحياته الاجتماعية العادية، كما أنه لا يصل أبداً إلى النشوة الجنسية دون تضمين هوسه أثناء ممارسة الجماع.
ولكن من أين يأتي الفيتيش؟
شغل هذا السؤال بال العلماء لفترة طويلة، ومع ذلك لا يزال هناك القليل جداً من الأبحاث المتعلقة بهذا الموضوع، وقد يعود ذلك إلى تعقيدات علم النفس الجنسي، بحيث أنه من الصعب أحياناً شرح سبب تفاعل دماغنا في ظل وجود بعض التحفيزات.
البعض ينجذب جنسياً إلى أصابع القدم، لأنها تبدو في شكلها أقرب إلى شكل العضو التناسلي، كما أن رائحتها تشبه إلى حدّ كبير رائحة إفرازات العضو التناسلي
والواقع أن الإجابة الأكثر شيوعاً على السؤال المتعلق بكيفية تكوّن الفيتيش، تشير إلى أن الهوس الجنسي هو استجابة متعلّمة، فعلى سبيل المثال، عندما يتم إقران عنصر محايد مثل الحذاء، مع شيء "مثير" مثل صورة عارية، فإن العنصر المحايد سابقاً يصبح مرتبطاً بالإثارة الجنسية.
هذه النظرية تم إثباتها في العام 1966، من خلال دراسة أجراها ستانلي راشمان، حيث تم عرض مجموعة من الصور الفوتوغرافية الملوّنة التي تعود لنساء عاريات على الشاشة لمدة 15 ثانية، تليها صورة أخرى تعود لزوج من الأحذية النسائية السوداء بطول الركبة لمدة 30 ثانية، وفي نهاية المطاف كشفت الدراسة أن المشتركين باتوا يشعرون بالإثارة الجنسية بمجرد النظر إلى صورة الحذاء الأسود.
وفي سياق متصل، هناك نظرية أخرى متعلقة بالفيتيش، تشير إلى وجود سمات شخصية محددة تمكّن المرء من أن يصبح أكثر عرضة لتطوير أشكال معيّنة من الهوس الجنسي.
وتعليقاً على هذه النقطة، قال عالم النفس الدكتور جوستين لوميلير، إن فكرة أن يولد المرء مع فيتيش ليست مثبتة علمياً بعد، ولكن هذا لا يستبعد احتمال أن يولد الأشخاص مع استعداد عام لتطوير الفيتيش: "على الرغم من أن الشخصية تتأثر بلا شك بالعوامل البيئية، فقد أشارت العديد من الدراسات إلى أن هناك عدداً من السمات الشخصية قابلة للوراثة إلى حد ما"، وفق ما قاله لوميلير، مضيفاً: "هذا يمكن أن يفسر السبب في أن بعض الناس أكثر عرضة لتطوير الهوس الجنسي من غيرهم".
فيتيشية القدم... أكثر أنواع الهوس الجنسي شيوعاً
قد يصاب الناس بالهوس الجنسي تجاه أي شيء تقريباً.
في هذا الصدد، يقول الدكتور ريتشارد كروجر، أستاذ مساعد في الطب النفسي في جامعة كولومبيا، إن الفيتيش "يمكن أن يكون أي شيء يمكن تخيّله".
وبحسب إحدى الدراسات، والتي تضمنت أكثر أنواع الهوس الجنسي شيوعاً، كبعض أعضاء الجسم، مثل الأقدام، أو بعض السمات الجسدية، مثل السمنة المفرطة، الأقراط أو الوشوم، اتضح أن الأقدام هي الأكثر شيوعاً إلى حدّ كبير.
الفيتيش يمكن أن يكون أي شيء يمكن تخيّله
فالبعض قد ينجذب إلى السيقان الرشيقة والمتناسقة، وقد تجذبهم أيضاً الأقدام المزيّنة بالخلخال والألوان الزاهية على الأظافر، ولكن هذا الإعجاب قد يتحول إلى ما يعرف بـ"فيتيشية القدم" Foot fetishism أو بودوفيليا، أي الشعور بالرغبة والشهوة الجنسية عن طريق مداعبة، لمس، لعق أو شم رائحة القدم.
واللافت أن الشخص المصاب بفيتيشية القدم لن يشعر بالمتعة دون مداعبة قدمي الآخر، ومع الوقت قد يتطور الهوس ليشمل كل ما يرتبط بالأقدام، بخاصة الأحذية ذات الكعوب العالية.
وقد ذكر عالم النفس الدكتور جوستين لوميلير، الذي جمع بيانات حول موضوع فيتيشية القدم لكتابه Tell Me What You Want، أن 1 من كل 7 أشخاص أبلغوا عن اختبارهم لتصور جنسي مرتبط بالقدمين، ومع ذلك أكد أن عدد الأشخاص الذين لديهم هوس جنسي حقيقي للقدمين من المحتمل أن يكون أصغر من ذلك بكثير.
من هنا أوضح جوستين أن الهوس الجنسي بالقدم هو أكثر من مجرد تجربة عابرة، بل هو عبارة عن تطوير حالة من الولع بالأقدام، وتفضيلها عن باقي المناطق المثيرة في الجسم.
والحقيقة أن النظريات والتفسيرات العلمية حول فيتيشية القدم تختلف بحسب الثقافات والأعراف.
فقد اعتبر المحلل النفسي الشهير سيغموند فرويد، أن الشخص الذي لديه فيتشية للقدم، تكون لديه عدة اعتبارات ومعايير للقدم التي تثيره، خصوصاً بما يتعلق بمقاس القدم، طول الأظافر وطلائها، الأصابع، الرائحة وغيرها، مشيراً إلى أن البعض ينجذب جنسياً إلى أصابع القدم، لأنها تبدو في شكلها أقرب إلى شكل العضو التناسلي، كما أن رائحتها تشبه إلى حدّ كبير رائحة إفرازات العضو التناسلي.
في كتابها The Encyclopedia of Unusual Sex Practices، كشفت المتخصصة في العلاقات الجنسية، بريندا لوف، أن هناك العديد من الأسباب التي تكمن وراء فيتيشية القدمين، والسبب الأول هو أن غالباً ما تكون الأقدام هي الجزء الأول الذي يلمسه الطفل من الأم أو الأب أثناء بداية زحفه على الأرض، هذا بالإضافة إلى تعزيز تلك الصورة الذهنية لدى الطفل، حين يلعب الوالدان معه من خلال دفعه بأقدامهم للأعلى، أو مساعدته على المشي من خلال ركوب الطفل على أقدام الوالدين.
وبالتالي اعتبرت لوف أن سهولة الوصول إلى القدم عوضاً عن الأعضاء التناسلية قد يعزز هذا الهوس لدى البعض، بالأخص في حال كان الرجل مثلاً يعاني من مشاكل في أدائه الجنسي.
في المقابل يرى البعض أن هذا النوع من الهوس قد يكون سببه عضوياً وليس نفسياً، فقد أمضى الدكتور فيلايانور راماشاندران، أستاذ علم الأعصاب وعلم النفس في جامعة كاليفورنيا، سنوات عديدة في دراسة وتحليل الآليات العصبية التي تسبب السلوكيات البشرية، وتحدث عن الطرف الشبحي، أي الشعور بالألم في الطرف الغائب أو المبتور، وهو ما يفسر أيضاً ظاهرة فيتيشية القدم.
فبحسب راماشاندران، كل نقطة في الجسم لديها نقطة مقابلة في العقل: عندما يفقد الشخص أحد أطرافه، يقوم الدماغ بتجديد مساحة الدماغ المتصلة بهذا الجزء من الجسم، فيشعر المرء بالكثير من الأحيان وكأن هذا الجزء المفقود لا يزال موجوداً، ففي إحدى الدراسات التي قادها فيلايانور، أفاد العديد من الاشخاص الذين فقدوا قدماً أن بإمكانهم اختبار المتعة الجنسية بمجرد التفكير في القدم المفقودة.
بمعنى آخر، اعتبر فيلايانور أن الأقدام والأعضاء التناسلية تتقاسم نفس المنطقة من القشرة الحسية في الدماغ، الأمر الذي قد يؤدي إلى تأثر المنطقتين ببعضهما.
هذا ويرى علماء آخرون، أمثال الدكتور جيمس غيانيني، من جامعة أوهايو، أن الولع بالأقدام ظهر بقوة بعد انتشار الأمراض المنقولة جنسياً، بحيث شكل هذا السلوك منفذاً لإقامة علاقات جنسية عن طريق الأقدام، كبديل عن العلاقة الجنسية التقليدية، وهو ما أكدته دراسة أجريت في العام 1989 والتي أظهرت أن حالات هذا النوع من الفيتيش قد تزداد استجابة للخوف من الأوبئة والأمراض المنقولة جنسياً.
متى يصبح الفيتيش اضطراباً؟
أوضح الأخصائي في العلاقات الجنسي أنطوني حكيم، أن الهوس الجنسي هو عالم واسع ومليء بالتعقيدات، بحيث أن أي شيء يمكن أن يتحول إلى فيتيش: "وذلك عن طريق قيام المرء باستبدال جزء من الجسم أو أي غرض آخر للوصول إلى المتعة والنشوة الجنسية".
وعن تطور الفيتيش مع الوقت، قال أنطوني لرصيف22: "لكل شخص تفضيل جنسي معيّن قد يتطور إلى الولع الجنسي أو الفيتيش"، مضيفاً بأن ذلك يحصل في الغالب عندما يعاني المرء من كبت جنسي لفترة طويلة، فيقوم بإشباع حاجاته الجنسية من خلال أمور معيّنة، بعيداً عن وجود شركاء فعليين، كمشاهدة أفلام إباحية، أو التركيز مثلاً على الرجلين والأحذية، ومع الوقت يترسخ الأمر في الحياة الجنسية ويتحول إلى ولع جنسي.
هذا وأشار أنطوني حكيم إلى أن بعض الاشخاص يجدون أنفسهم عاجزين عن الوصول إلى النشوة الجنسية عن طريق الممارسات العادية، مثل الإيلاج أو الجنس الفموي، بل فقط عن طريق تضمين هذا الهوس الجنسي أثناء ممارستهم للجنس مع الشريك: "يصبح من الصعب على الشخص المعني أن يشعر باللذة بمعزل عن الفيتيش"، على حدّ قوله.
في الحقيقة، لا يعتبر الهوس الجنسي في حد ذاته اضطراباً، ولكنه قد يصل إلى هذا المستوى إذا كان يسبّب ضيقاً شديداً ومستمراً.
في هذا الصدد، قال ريتشارد كروجر، لموقع webmd: "سواء كان الشخص يفعل هذا الأمر لوحده أو مع شريكه، لا توجد مشكلة طالما كان سعيداً به، وطالما حقق الأمر متعة، ولم يُجبر أحد على المشاركة فيه".
وبدوره كشف أستاذ علم النفس في كلية طب وايل كورنيل، كينيث روزنبرغ، أن المرضى يأتون إليه لأنهم يشعرون أن الأمر يسبب لهم مشكلة: "ليست سلوكياتهم مثيرة للاهتمام ولا ممتعة ولا حتى مثيرة جنسياً. إنهم ببساطة لا يقومون بتجربة وسائل جديدة للتعبير الجنسي، إنما هم يائسون، وفي بعض الأحيان يشعرون بالأسى الشديد بسبب سلوكياتهم، حيث يكون الانتحار أحد الخيارات الواردة".
بعض الاشخاص يجدون أنفسهم عاجزين عن الوصول إلى النشوة الجنسية عن طريق الممارسات العادية، مثل الإيلاج أو الجنس الفموي، بل فقط عن طريق تضمين هذا الهوس الجنسي أثناء ممارستهم للجنس مع الشريك
وبالتالي يتحول الهوس الجنسي إلى اضطراب حقيقي عندما يشعر المرء أن الأمور أصبحت خارج السيطرة، بحيث أن البعض يتغيّب عن عمله، أو يقرر البقاء دوماً في منزله لكي يمارس هوسه في السر.
واللافت أنه في الكثير من الأحيان، قد يفشل المصاب بالفيتيش في إقامة علاقات جنسية هادفة مع أشخاص آخرين، بحيث أن البعض يفضّل قضاء الوقت بصحبة نفسه، حتى عندما يكون في علاقة عاطفية مع شخص آخر، وهو ما يسبب مشاكل بين الطرفين.
وعن هذه النقطة، قال روزنبرغ: "إذا قال شريكك: (ارتدي الليلة حذاءً مثيراً) ستقولين على الأرجح: (لم لا؟) ولكن إذا قال: (يمكنك النوم في الغرفة الأخرى، ولكن اتركي لي الحذاء)، عندها قد توجد مشكلة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 5 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين