تخيل أن يقفز عليك كائن فضائي "بدون لا إحم ولا دستور"، الخوف من هذا المشهد وغرابة الشعور هو المثال الأقرب لما انتاب سكان منطقة جبل اللويبدة ووسط البلد، في العاصمة الأردنية عمان، عند رؤيتهم لافتة لواحدة من أشهر ماركات المقاهي العالمية، منصوبة في قلب المنطقة.
لا داعي لشرح ما هي منطقة وسط البلد في العاصمة عمان، ففي كل بلد هناك "وسط البلد"، وهي المناطق الأكثر إخلاصاً ومحاكاة لتراث وهويّة المدينة، لكني سأحكي عن منطقة اللويبدة تحديداً.
حالة اللويبدة باختصار، مثل حالة كليات الفنون في الجامعات، يعيش فيها الشباب والشابات مساحة حرية، يعرفون ويعرفن أنها في كثير من الأحيان خارجة عن أحكام المجتمع التي تمارس تحت ظل "العادات والتقاليد"، فكأن كل ما في اللويبدة خارج عن ذلك بشكل مميّز.
في مواجهة تشوية الهوية البصرية والاجتماعية
في هذه الفترة، تواجه اللويبدة، وهي مقر المثقفين/ات والصحافيين/ات والفنانين/ات، بالإضافة الى منطقة وسط البلد، حالة أقرب إلى الغزو الاقتصادي العالمي، لمسه سكان تلك المناطق ومرتادوها، عندما نصبت لافتة لمقهى عالمي في الحيّ، أمام دوار باريس، كما وفوق البريد الأردني في وسط البلد، لافتات سرعان ما ساهمت بإطلاق عشاق اللويبدة، من مثقفين وفنانين ومبدعين حملة اسمها "محلي"، لمواجهة ذلك الغزو ومنعه من طمس الهوية العمّانية القديمة والتي ترتكز في اللويبدة ووسط البلد.
إن حملة "محلي"، والتي هي بتنظيم "صوت الناس"، كما هو منشور على صفحتهم على الفيسبوك، تهدف إلى حماية عمّان القديمة، وقد وجاء في المنشور أيضاً: "لقد خسرنا ما يكفي من طبيعة وهوية عمّان القديمة، وإذا صمتنا على دخول وافتتاح شركات عظمى لأحياء عمّان القديمة، مثل جبل اللويبدة، فإن ذلك سيساهم بتدمير المنتج المحلي والهوية البصرية والاجتماعية للمكان وسكانه".
كما جاء في منشور "محلي" التالي، والذي نسرد أدناه الأسباب الجوهرية لرفض المجموعة افتتاح شركات تجارية عالمية وكبيرة:
"سيؤثر فتح تلك الأماكن سلباً على الملاحم الصغيرة المحلية في المنطقة، المحامص، الدكاكين، محلات بيع الخضار والفواكه، المخابز ومحلات بيع الحلويات والتي تعمل منذ عقود في الأحياء. افتتاح مقهى أو متجر أو مطعم عالمي، صحيح ممكن أن يوظّف عشرات الشباب والشابات العاطلين عن العمل ولكنه بنفس الوقت يُنهي عمل مئات الأفراد من أسر المشغّلين للمحلات المحلية في الأحياء".
ويتابع المنشور: "خسارتنا لطبيعة العلاقات الاجتماعية التي تخلق وتنمو بوجود المحلات المحلية ستكون خسارة كبيرة لا تعوض. بطبيعة الحال خسرنا الكثير من النسيج الاجتماعي الجميل في عالم اليوم الاستهلاكي، ولكن سنخسر ما تبقى من نسيج اجتماعي للأبد إن لم نتصرف وبسرعة".
تهدف حملة "محلي" إلى حماية عمّان القديمة، وقد وجاء في المنشور أيضاً: "لقد خسرنا ما يكفي من طبيعة وهوية عمّان القديمة، وإذا صمتنا على دخول وافتتاح شركات عظمى لأحيائها،فإن ذلك سيساهم بتدمير المنتج المحلي والهوية البصرية والاجتماعية للمكان وسكانه"
كما أطلقت الحملة عريضة لجمع تواقيع لدعمها من أجل التحرك من خلالها على الأرض ومخاطبة المسؤولين، وصلت التواقيع إلى أكثر من 2500 توقيع حتى الآن.
"رح تنقطع أرزاق كثير"
محمد النابلسي، أحد مطلقي حملة "محلي"، وصاحب أول مقهى محلي في اللويبدة منذ العام 2006، وفي حديث له، بيّن أن خطاب الحملة اقتصادي اجتماعي بعيد عن السياسة، وذلك عندما سألته ما إذا كانت هناك أسباب سياسية تتعلق بمقاطعة شركات عالمية؟
وأشار أن اللويبدة، والتي تضم أكثر من 56 مركزاً ثقافياً، مثل ملتقى الشعراء ونقابة الفنانين ورابطة الكتاب وغيرها، غير معتادة على النمط الغريب فيها، والذي سيشوه وجوده الهوية الحقيقية للويبدة، ويخدش تراثها وأصالتها.
"دب كبير" بهذا وصف محمد النابلسي الشركات الأجنبية صاحبة العلامات التجارية الكبرى، والتي في طريقها إلى غزو اللويبدة، ويتابع: "تخيلي هاد الدب الكبير بده ينافس استثمارات محلات أردنية عمانية بحتة، هون مو بس تشوهت عمان القديمة، هون رح تنقطع أرزاق كتير".
وبين النابلسي أن حملة "محلي" تسير باتجاه تصاعدي، وتمت مخاطبة معنيين ومسؤولين ونواب وأمانة عمّان الكبرى، إضافة إلى توجيه رسالة إلى رئيس الوزراء، عمر الرزاز، الذي هو أيضاً من سكان اللويبدة، "وأصر على البقاء في منزله حتى عندما أصبح رئيساً للحكومة".
وهو ما يؤكده سمير جبر في حديثه، وهو صاحب دكان في منطقة اللويبدة، والذي يتوقع بأن غزو المحلات العالمية للويبدة ستشجع مالكي المحلات، مثل الدكاكين ومحلات الخضراوات وغيرها، على رفع الإيجارات على التجار.
"إحنا مو قد هالحمل مرة"، يقول سمير جبر، ويؤكد دعمه لحملة "محلي" التي لا تدافع عن تجار وسكان اللويبدة فقط، بل تدافع عن عمّان القديمة وهويتها وميزتها، ويتابع: "الناس هون شبه بعض والاستثمار الأجنبي مش شبهنا".
عبد الله الباشا، شاب من رواد المقاهي المنتشرة في اللويبدة وعند سؤاله عن موقفه من حملة "محلي"، أجاب: "أنا عندي مشكلة مع غزو الشركات الأجنبية لدول العالم الثالث، بشكل عام أنا لا أفهم السماح لشركات أجنبية عندها ملايين بمنافسة محلات صغيرة، أنجحها صافي دخله في الشهر 2000 دينار".
وقال في سياق حديثه عن خصوصية اللويبدة: "بالنسبة إلي، تاريخ اليسار موجود هون في اللويبدة، فَ إنت لما تفتح ستاربكس فيها هاي باختصار تعليمة علينا إنه طز فيك إنت ومبادئك".
"دب كبير هذه الشركات، وهاد الدب الكبير بده ينافس استثمارات محلات أردنية عمانية بحتة، هون مو بس تشوهت عمان القديمة، هون رح تنقطع أرزاق كتير"... أردنيون يتحدثون عن قلقهم من تشويه هويّة المدينة القديمة
"رح نضل نقول لا"
وفي حديث لها لرصيف22، قالت ليندا خوري، وهي واحدة من مؤسسات حملة "محلي"، إن ما تسعى إليه الحملة هو محاولة منع دخول الشركات العالمية على مناطق عمّان القديمة، والسبب هو التأثير على الهوية الثقافية، فاللويبدة لها هوية ثقافية مميزة تحاكي عمّان القديمة، بالأخص فيما يتعلق بالطابع البسيط فيها الشبيه بالقرى.
وتتابع: "هون كل الناس بتعرف بعض، والمحلات صغيرة ومؤخراً عم بصير دخول المبدعين ومبادرات شبابية بسيطة للمنطقة، حتى المحلات محلات أصلية"، وتضيف: "كتير بوجّع نلاقي لافتة لمحلات عالمية جنب محلات محلية بسيطة، لما يفوت الواحد على محل واحد منهم لازم يسلم على أصحاب باقي المحلات".
واعتبرت ليندا أن دخول محلات عالمية لعمان القديمة شيء مهين، واستشهدت بمثال لافتة لواحدة من المقاهي فوق مقر البريد الأردني في منطقة وسط البلد: "هاد المكان فيه ذكريات إنسانية لرسائل أردنيين وشاهد على تفاصيل حلوة، بدل ما يتحول لمتحف منصحى منلاقي لافتة عالمية فوقه".
وختمت: "رح نضل نقول لا لكل من وما يخدش هوية عمان".
أهمية الحفاظ على طابع المدينة
وفي بيان صادر عن "محلي" وصل رصيف22، كُتب فيه: "تؤكد الحملة على أنه أهم أوجه الاستثمار هو الحفاظ على التراث والجذب السياحي المبني على عكس طابع المدينة القديمة بحرفها وطابعها المعماري والإرث الثقافي والتاريخي لها، وهنا يأتي دور الجهات المعنية بدعم المحلي والاستثمار به كوجه سياحي تاريخي جاذب للسياحة تنتظر حالياً الحملة الرد من الجهات المعنية، وتستمر بنشاطها على أصعدة مختلفة للتركيز على أهمية الحفاظ على طابع مدينة عمان القديمة، والوقوف أمام الانتهاكات المتعددة التي تطال حاليا المدينة".
كما تحضّر مجموعة "محلي" لإطلاق أغنية قريباً، لدعم الحملة:
"هاي الأغنية
للعمانية
لنحافظ على الهوية
تراث بلدنا
مسؤوليتنا
وهي حملتنا محلية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين