الضحك علاج فعّال للجسم والروح، والدواء الأمثل لتخفيف الضغوط النفسية، وهذا ما يجعلنا ننظر دوماً للأشخاص الذين يمتلكون حسّ الفكاهة، على أنهم اجتماعيون ويجيدون المهارات الحياتية التي تسهّل حياتهم اليومية.
وعليه، يمكن القول إن الفكاهة هي مهارة مهمة، يمكن تطويرها بهدف التغلب على الواقع المعيشي الصعب للإنسان الحديث.
أما عند الحديث عن العلاقات العاطفية، فنجد أن هناك بعض الأزواج الذين يحاولون دوماً تخطي أزماتهم بالضحك والدعابة، في حين أن البعض الآخر يكون أكثر جدية في التعاطي مع المسائل الحياتية.
التحايل على الواقع المعيشي
يمكن تعريف الفكاهة على أنها القدرة على رؤية النكتة بغض النظر عن ثقل المواقف التي نمرّ بها، أو القدرة على التلاعب بالألفاظ واللعب على الكلمات لتخطي الصعوبات والنزاعات.
في علم النفس الإيجابي، تم تحديد الفكاهة كواحدة من 24 نقطة قوة في الشخصية، تعتبر مهمة لازدهار الجنس البشري.
من هنا يعتبر علماء النفس التطوريّون أن حس الفكاهة يشبه تماماً الفن والموسيقى والأدب والشعر وغيرها من القدرات التي طوّرها البشر على مدى التاريخ، كإشارة صريحة للذكاء، والتي أصبحت في وقت لاحق جزءاً من الطبيعة البشرية، بحيث نجح الأشخاص في الكثير من الأحيان في إدارة التحالفات والصداقات وحلّ الخلافات بين المجموعات المختلفة من خلال النكتة والفكاهة، بالإضافة إلى استغلال الحسّ الفكاهي للتنافس على جذب الشريك/ة في المقام الأول، والمحافظة على العلاقة لوقت طويل.
تفريغ الطاقة المكبوتة
يمكن استخدام الفكاهة لجعل الآخرين يشعرون بالرضا، لاكتساب الحميمية بين الأفراد أو للمساعدة على تخفيف الضغط والتوتر، بالإضافة إلى الوصول إلى درجة معيّنة من الروحانية، على اعتبار أن حسّ الفكاهة يعطي معنى أعمق للحياة، من خلال زيادة الشعور بالرفاهية العاطفية والنفسية، التفاؤل والتخلص من الطاقات السلبية.
من هنا رأى كل من عالم الاجتماع والفيلسوف البريطاني هربرت سبنسر، وسيغموند فرويد، أن الضحك وسيلة لتفريغ الطاقة العصبية المكبوتة.
في كتابه Jokes and Their Relation to the Unconscious، شدّد فرويد على أهمية النكتة بالنسبة للإنسان، على اعتبار أنها وسيلة تفريغ للشحنات الانفعالية وضغوطات الحياة المكبوتة، بحيث لاحظ أن النكتة والفكاهة هما مثل الأحلام، يمكن أن يكون لهما علاقة قوية متأصلة باللاوعي واللاشعور.
وأوضح فرويد أن الفكاهة هي واحدة من أرقى الإنجازات النفسية للإنسان، بحيث يقوم الأفراد بمواجهة القهر والكبت عن طريق الضحك.
بمعنى آخر، أشار إلى أن النكتة تسمح للفرد بالتعبير عن غضبه ودوافعه واندفاعاته اللاوعية، التي غالباً ما تكون ذات طبيعة عدوانية، أو ذات طبيعة جنسية مكبوتة في الحياة اليومية العادية، نظراً لأن العواطف والرغبات الأكثر قمعاً هي الجنسية والعدوانية.
الفكاهة في الحياة العاطفية
الفكاهة أمر مهم في حياة الإنسان، والطريقة الأفضل للتغلب على المشاكل، فهناك بعض الأدلة الثقافية التي تدلّ على أن الضحك يخفّف التوتر، يحسن المزاج ويجعل المرء مرغوباً به، بخاصة في بداية العلاقات العاطفية، حيث يمكن أن يكون حسّ الفكاهة أداة فعّالة، ليس لجذب الشخص الآخر فحسب، إنما للتغلب على أي حرج ينشأ أثناء عملية التعارف.
ولكن بعد اجتياز مرحلة المغازلة، ما حجم الدور الذي يلعبه حسّ الفكاهة في الحياة العاطفية؟
في الحقيقة، إن مشاركة متعة الفكاهة تخلق شعوراً بالحميمية والاتصال بين شخصين، فعندما تضحكون مع الشريك/ة، فهذا يعني أنكم تنشئون روابط إيجابية بينكم وبينه، فتعمل هذه الروابط كقوة عازلة قوية ضد الإجهاد والخلافات وخيبات الأمل في العلاقة، كما أن الضحك معدٍ، فمجرد أن نسمع الآخر يضحك، فهذا يجعلنا وبشكل لاإرادي نبتسم ونضحك بدورنا.
"روح الدعابة تعيدنا إلى مرحلة الطفولة، حيث تتميز علاقات الأطفال ببعضهم البعض بالمرح والضحك والتسلية، وهي مكوّنات تشكل سرّ العلاقة العاطفية الناجحة"
والواقع أن استخدام الفكاهة الإيجابية يساهم في الشعور بالرضا عن العلاقة، ويساعد في الحفاظ على الأشياء المثيرة والحيوية بين الثنائي، فقد وجدت دراسة أجريت على 3000 ثنائي متزوج من 5 دول، أن المرء يكون أكثر سعادة في حال كان شريكه يتمتع بحسّ الفكاهة، مع العلم أن هذه السمة كانت مهمة أكثر من وجهة نظر الإناث.
وفي سياق متصل، كانت إحدى الدراسات قد كشفت أن المرأة التي لديها شريك مرح، تتمتع بنشاط جنسي وبهزات جماعية أكثر قوة مقارنة بالمرأة التي لديها شريك لا يتمتع بحس الفكاهة.
بين السخرية اللاذعة والنكتة الإيجابية
تختلف ردة فعل الناس تجاه الضحك على نطاق واسع: بعض الناس يخافون من الضحك ويميلون إلى تفسيره على أنه شيء سلبي أو مهين، في حين أن البعض الآخر يحب أن يكون مركز اهتمام، ويقوم عن عمد باتخاذ مواقف معيّنة تجعل الآخرين يضحكون عليها، وذلك بهدف تقريب المسافات وتلطيف الأجواء.
لا شك أن الفكاهة تكسر الجليد بين الأزواج، ولكن هل بإمكانها أن تساعد أيضاً في حلّ النزاعات الزوجية؟
في إحدى الدراسات، راقب الباحثون 60 ثنائياً كانوا قد تزوجوا حديثاً، وتحدثوا عن مشكلة واجهتهم في زواجهم، ومقدار الفكاهة المستخدمة في المحادثة، بالإضافة إلى الكشف عن مقدار الإجهاد في حياتهم، وبعد متابعتهم لمدة 18 شهراً، كانت النتائج مفاجئة للغاية: بالنسبة للأزواج الذين أبلغوا عن ارتفاع معدل الإجهاد في حياتهم، كلما لجأ الزوج إلى الدعابة، كلما زاد احتمال انفصال الزوجين.
في المقابل، في دراسة مشابهة شملت 130 ثنائياً متزوجاً، تبيّن أن لجوء الزوجة إلى الفكاهة تنبئ بمزيد من الاستقرار الزوجي على مدى 6 سنوات، وذلك في حال أدت الفكاهة إلى انخفاض في معدل ضربات القلب لدى الزوج، بمعنى آخر إذا كانت الفكاهة تقوم بتهدئة الزوج، فقد تكون مفيدة للزواج.
وبالتالي، من خلال نتائج هاتين الدراستين يمكن ملاحظة الوظيفة المتباينة للفكاهة بالنسبة للرجال والنساء: بالنسبة للرجال، قد تكون الفكاهة وسيلة لصرف الانتباه عن التعامل مع المشاكل في العلاقة، ربما في محاولة للحد من قلقهم الشخصي، من ناحية أخرى، قد تستخدم النساء الفكاهة لخلق جو أكثر استرخاء يمكن أن يسهل المصالحة.
"النكتة تعرّي الشخص وتجعله شفافاً ومرتاحاً مع نفسه ومع الآخر، وهذا يقرب المسافة بين الطرفين ويجعل الرسميات تغيب بينهما"
في هذا الصدد، اعتبر الأخصائي في علم النفس هاني رستم، أنه من المهم التمييز بين النكتة اللاذعة التي تتضمن السخرية والإساءة للآخر، بخاصة وأنها تكون في الغالب رد فعل سلبي عدواني وتدمر العلاقة العاطفية، وبين النكتة الإيجابية التي تلطف الأجواء وتبعث الفرح في النفوس، مشيراً إلى أن النكتة تكون في بعض الأحيان بمثابة آلية دفاع defense mechanism يلجأ إليها البعض لإخفاء حزنه.
وتحدث رستم لرصيف22 عن أهمية النكتة الإيجابية في حياة الثنائي: "النكتة تعرّي الشخص وتجعله شفافاً ومرتاحاً مع نفسه ومع الآخر، وهذا يقرب المسافة بين الطرفين ويجعل الرسميات تغيب بينهما".
من هنا اعتبر هاني أن الدعابة تساعد الأزواج على تخطي المشاكل، تبسيط الأمور واحتضان بعضهم البعض بجوّ مفعم بالمرح والتسلية، مضيفاً بأن حسّ الفكاهة يجعل العلاقة تتسم بنوع من المساواة: "عندما أنظر إلى الآخر على أنه مساوٍ لي، أتعامل معه بأريحية".
هذا وأشار هاني رستم إلى أن "روح الدعابة تعيدنا إلى مرحلة الطفولة، حيث تتميز علاقات الأطفال ببعضهم البعض بالمرح والضحك والتسلية، وهي مكوّنات تشكل سرّ العلاقة العاطفية الناجحة"، على حدّ قوله.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 22 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت