كثر هو الكلام عن الإيزيديين مؤخراً، خاصة بعد الجرائم التي قد افترفها تنظيم "داعش" ضد أفراد هذه الديانة في العراق، وفي مصر لفت الإيزيديون الانتباه بعد لقاء إحدى الإيزيديات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وتنتمي أبرز طائفة من الايزيدية للأكراد، ويعيش معظمهم في جبل سنجار بالعراق بجانب مجموعات موزعة في سوريا، مصر، والمغرب، وخارج الدول العربية يتوزعون في ألمانيا، هولندا، تركيا، إيران، جورجيا وأرمينيا التي أُنشئ فيها أكبر معبد للإيزيدين في العالم خلال لعام الماضي 2019، ويُقدّر تعدادهم ما يزيد عن مليون إيزيدي.
"الطاووس يدير الكون"
عن معتقدات وطقوس الديانة الإيزيدية، يقول أحد معتنقيها أشرف عطية (48 سنة) من القاهرة، ويعمل مدرساً للفلسفة، إنَّ عقيدتهم تقوم على أنَّ الله ترك الكون مانحاً الطاووس "الشيطان" سلطة إدارته.
ويرى عطية وجود تشابهات بين الإيزيدية والإسلام، الذي يدين به غالبية المصريين، يقول لرصيف22: "عباداتنا تتقارب مع الإسلام في بعض الأشياء، فالصيام لدينا يكون ثلاثة أيام من طلوع الشمس إلى غروبها، ويكون عيدنا في اليوم الرابع للصيام، وعيدنا الرئيسي يكون في الخامس والعشرين من شهر أبريل من كل عام، وهو ذكرى ميلاد أحد الشخصيات المقدسة في الإيزيدية، وهو عدي بن مسافر".
"نحن عبدة الإله الطاووس الذي تسمونه الشيطان، أعيش حياة طبيعية، ليس صحيحاً أنني أستحم باللبن المثلج، ولا أغسل أسناني بدماء القطط، أمارس طقوساً دينية قريبة من طقوس الإسلام والمسيحية، فعقيديتي خليط ذكي وجميل من كل ديانة"
من جهة أخرى، تختلف الإيزيدية عن المفهوم الشائع عن الديانات، فهي بحسب عطية "ديانة مغلقة على ذاتها، غير تبشيرية، والكثير من تعاليمها شفهية، لا نقبل معتنقين جدد، ونصلى 3 مرات في اليوم، بينما يصلي المسلمون 5 مرات، ونتوجه للشمس في لحظات الغروب والشروق، ونقدسها جل تقديس، وكذلك القمر والنجوم، إيماناً بأن الإله موجود في كل نور يأتي من السماء".
ويستطرد عطية: "نتخذ من الشمس قبلة لنا في الصلوات، عدا صلاة الظهر، فنتجه نحو ضريح عدي بن مسافر، وننقسم كمعتنقين للديانة إلى ثلاث طوابق اجتماعية، وهي طبقة الشيخ وطبقة البر وطبقة المُريد، وتحرم علينا العقيدة الزواج من طبقة أخرى غير التي ينتمي لها الرجل الإيزيدي".
"أعيش حياة طبيعية"
إيهاب فوزي، ملحن موسيقى مصري (28 سنة) عندما يتحدث عن عقيدته مع زملائه وأصدقائه، يزيل اللبس ما بين "الإيزيدية" و"اليزيدية"، إضافة إلى شائعات أخرى يسمعها من مصريين عن أبناء طائفته أو ديانته، يقول لرصيف22: "أنا إيزيدي ولست يزيدي، فالأولى ديانة مستقلة والثانية طائفة من الإسلام، نحن عبدة الإله الطاووس الذي تسمونه الشيطان، أعيش حياة طبيعية كأي شاب آخر في عمري، فليس صحيحاً أنني أستحم باللبن المثلج، ولا أغسل أسناني بدماء القطط، لا ألبس الأسود باستمرار، وأمارس طقوساً دينية قريبة من طقوس الإسلام والمسيحية، فعقيديتي خليط ذكي وجميل من كل ديانة".
وعن شهرتهم بـ"موسيقى الشيطان"، الاسم الذي يُطلق على "الميتال"، يتابع الملحن الشاب: "ليس الهدف من الموسيقى الصاخبة التي نقدمها زعزعة الاستقرار والسلام العام كما يتهمنا البعض، أفتخر لكوني أحد أفراد الديانة الإيزيدية، ولا تشغلني البلاغات التي تطاردني في كل مناسبة أحييها، وأعلن فيها عقيدتي، مصر بلد آمن يعترف بحقوق جميع الأديان، لكن هناك بعض البشر فيها يعتبرون أنفسهم حاملين راية الدفاع عن العقائد، وبدلاً أن يوجهوا طاقاتهم تجاه الإرهاب والسلوكيات الخاطئة، يوجهونها لشباب يؤمن بحرية الأديان، ولا يؤذي مشاعر أحد".
ويقول فوزي، وهو مؤسس صفحة medic التي تحاول نشر موسيقى "الميتال" في الأوساط العربية: "هي نوع من الموسيقى لها جمهورها، ولا علاقة لها بالترويج للماسونية أو محاربة أي ديانة أخرى، وارتبطت بنا كإيزيديين لكون أول من استخدمها هو أنطون ليفي، مؤسس الكنيس الشيطاني والإنجيل الأسود، وحتى لو صنفها البعض بأنها أغان هستيرية، فلا ننسى أن الموسيقى الغربية كلها بالنسبة للمجتمع الشرقي ينطبق عليها نفس الحكم، سواء كانت موسيقى البلاك ميتال، الهافي ميتال والديث ميتال".
"لا نسب أديان وآلهة أخرى، وهذه من تعاليم عقائدنا".
ويدافع فوزي عن الموسيقى التي يقدمها بسبب الشائعات التي تلتصق بها، من أنها تدفع الشباب للانتحار، وتسب الذات الإلهية، وتمجد في الشيطان الأعظم، قائلاً: "هل ألصق هذه الاتهامات هو متخصص في الطب النفسي، أم أنه جمهور يشوه موسيقى غريبة على مسامعه لاختلافه معها شكلاً ومضموناً؟ ومن قال إن أغانينا تسب الإله؟! نحن مجموعة من الشباب نمجد عقيدتنا، لكن لا نسب أديان وآلهة أخرى، وهذه من تعاليم عقائدنا".
وينهي فوزي حديثه قائلاً: "الموسيقى التي نقدمها هادفة، لكن المجتمع يرفض الحداثة، وليست كلها موسيقى صاخبة، فلدينا مقطوعات هادفة بموسيقى وريتم هادئ، كأغنية Mama said، وأغنية ozzy ozbourne الجميلة، وهي أغنية مصحوبة بموسيقى مليئة برسائل تعطيك الأمل في الحياة، وكذلك مقطوعات scorpions التي تتحدث عن التغيير والاضطهاد".
مفتي مصر: "عقيدة بلا ملة"
يرى كريم عمران، إيزيدي وهو شاعر غنائي (26 سنة) في حديث لرصيف22، أن استضافة نادية مراد، وهي فتاة إيزيدية، في إحدى مؤتمرات الشباب، ومنحها فرصة التعبير بحضور الرئيس، يفتح آفاقاً للتعامل مع هذه العقيدة، والاندماج معها في المستقبل.
يقول عمر: "عقيدتنا لا تقوم على التبشير، وبالتالي لا يمكن أن تمثل خطورة على أصحاب الديانات الأخرى، وهي من العقائد النادرة في العالم التي تكتفى بنفسها، ولا تقبل معتنقين جدد".
وبسؤاله عن كيفية اعتناقه هذه الديانة، يقول عمران: "ولدت في هولندا، كان والدي إيزيدياً وأمي شيعية، وتركوا لي حرية اختيار العقيدة، وحينما عدنا لمصر وجدت مجتمعاً مختلفاً عن أوروبا، الحياة هنا كلها قيود، ينزعجون من حفلاتنا، ينبذون عبادتنا، لكننا نحترم تقاليد المجتمع ورفضه لأي عقيدة جديدة وغير مألوفة، لا نسعى للتوسع، يكفي أن نشعر بالسلام والأمان في بلداننا".
وكانت نادية مراد، قد أثارت الجدل بظهورها في مؤتمر الشباب المصري في نهاية العام 2018، ووعدها الرئيس السيسي، أن مصر ستدافع عن قضية الإيزيديين أمام المجتمع العالمي ضد جريمة تنظيم داعش.
"ولدت في هولندا، كان والدي إيزيدياً وأمي شيعية، وتركوا لي حرية اختيار العقيدة، وحينما عدنا لمصر وجدت مجتمعاً مختلفاً عن أوروبا، الحياة هنا كلها قيود، ينزعجون من حفلاتنا، وينبذون عبادتنا"
وكانت هذه هي المرة الثانية التي يستضيف فيها السيسي فتاة إيزيدية، لتحكي قصة معاناتها مع تنظيم داعش، وكانت المرة الأولى قبلها بعام، مع الفتاة العراقية لمياء حجي، والتي كشفت خلال المؤتمر قصتها المؤلمة واغتصابها على يد داعش، وسط تفاعل من الحاضرين.
وقد أفتى الشيخ علي جمعة، مفتي الديار المصرية، في تصريح تليفزيوني سابق، أن الإيزيدية "عقيدة بلا ملة"، مشيراً إلى أن بعض رموزهم لهم احترام كبير في المذهب السنّي، مثل عدي بن مسافر، وعبد القادر الجيلاني، موضحاً أن "مشكلة هذه الديانة أنه يحيط بها كثير من الغموض، ولا يوجد فيهم علماء يمكن مخاطبتهم".
ويعتبرها جمعة ديانة مستقلة بذاتها، موضحاً أن مصر كدولة ترحب، وتحتضن بالأقليات الدينية، كالبهائية والدروز والقاديانية، وكلها فرق ليست من الإسلام، ومع ذلك عاشوا في مصر بسلام وأمان كبيرين.
وقال جمعة إن الإيزيدية ربما هي نفسها الطائفة اليزيدية إحدى فرق الإسلام، اختلفت مع السنة في بعض الأمور البسيطة، لكن فجوة الاختلاف اتسعت بمرور الزمن، ومع مرور الوقت انشقَّت انشقاقاً كاملاً، استقلت بنفسها، وأصبحت ديناً قائماً بذاته، ولها معتقدات، وصفها مفتي مصر بـ"الغريبة"، منها أن المرأة "غير مكلفة"، وأن الشيطان هو نفسه الإله، و"نكران الآخرة تماماً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون