لم يكن ما يحدث خارج مصر يجذب مؤدي المهرجانات المصري "ميدو القناص" الذي يقول لرصيف22 إن أكثر ما يهتم به في الحياة هو موسيقى المهرجانات، لكن المشهد اللبناني استرعى انتباهه بعدما تابعه على الفضائيات العربية، فشعر بحالة من الحب نحو ما يحدث في بلد لم يزره من قبل، واتفق مع أفراد فريقه على أن تكون أغنية المهرجان الجديدة رسالة تضامن مع اللبنانيين.
في العام 2016، انطلق "تيم ميدو القناص" لأول مرة، وهو يتكون من "ميدو" و"فوزيكا" و"زيزو" الذين كثيراً ما تفاعلوا مع مواضيع سياسية تحدث في بلادهم، على سبيل المثال قدموا أغنية مهرجان "تذكرة الموت" وهي عن قصة الشاب المصري الذي مات في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعدما طلب منه موظف تذاكر القطار أن يقفز مع صديقه فيما القطار منطلق بسرعة، كما قدموا مهرجاناً آخر عن شهيد الشهامة، وهو الشاب الذي مات طعناً أثناء دفاعه عن فتاة تعرضت لتحرش في إحدى المحافظات المصرية.
وبرغم أن مؤسس الفريق يؤمن أن أغاني المهرجانات هي حالة فنية خاصة بمصر، فقد وجد في تشرين الأول/أكتوبر أن ما يحدث في لبنان مختلف تماماً عما حدث في باقي الانتفاضات العربية. يقول لرصيف22: "وجدت شيئاً مختلفاً، شعباً راقياً وجميلاً، وأناساً من جميع الأعمار والفئات، تجمعهم الرغبة في أن تكون بلدهم أفضل، أعجبني المشهد العام".
فكر "ميدو القناص" في أن يقدم أغنية مهرجان خاصة للمحتجين في لبنان، ولم يكتف بأن يعرض على الشاعر سيد الجبالي أن يكتب كلمات المهرجان، مثلما يحدث في الغالب، بل قرر أن يشارك هو في الكتابة وفي التوزيع الموسيقي. فعل ذلك لأنه شعر أن ما شاهده في الثورة اللبنانية "يجب أن يتحول إلى عمل فني".
أهلاً وسهلاً
تقول كلمات المهرجان: "مرحبتين أهلاً وسهلاً... لبنان أرض السحر السهلة... أنتو شعب محترمين... من مصرنا نبعتلكوا (نرسل لكم) صوتنا... إحنا معاكوا وأنتوا أخواتنا".
تصف كلمات المهرجان ثوار لبنان بالأحرار، وبأن لبنان "أرض الميت (المائة) سندال" في إشارة إلى شجاعة شعبه، لافتةً إلى "الشياكة والأناقة" اللتين يتميز بهما المحتجون.
وتكمل كلمات المهرجان: "بيروت تشوفها يجيلك صدمة... ومن طرابلس نواة هاجمة... بالأدب وبكل لباقة".
ووصف صناع الأغنية بعض المعارضين للثورة اللبنانية والذين هجموا على المحتجين وهدموا خيمهم بأن "العين بتحفظ شكل الحقد... عنيكوا حمرا ومفيهاش صدق... قلوبكوا (قلوبكم) صفرا وعايزة الحرق... نفسي أعرف جنسك إيه".
رغم اعتقادهم أن أغاني المهرجانات خاصة بالحالة المصرية، إلا أن المشهد اللبناني استفز "ميدو القناص" وفريقه، فشعروا بـ"حالة حب" دفعتهم لإنتاج "لبنان الشعب الراقي"... رصيف22 سأل الفريق عن كواليس الأغنية
"بيروت تشوفها يجيلك صدمة... ومن طرابلس نواة هاجمة... بالأدب وبكل لباقة"... فريق مهرجانات مصري يهدي اللبنانيين أغنية ثورية
ويقول صناع المهرجان لهؤلاء المهاجمين الذين يظنون أنفسهم أقوياء: "لو الأسد كان ملك الغابة... مكنش حطوا (انتصروا) عليه الديابة"، في إشارة إلى أن المحتجين هم الذين انتصروا في نهاية الأمر.
وهنالك أيضاً رسالة إلى الجيش اللبناني: "ممنوع تخلي كلاب متسابة ونفذ كلامي متقوليش ليه".
ويصف المهرجان بيروت بأنها "أميرة وقصرك عالي... يا اللي جمالك وصفه خيالي... ياللي جمالك جوه القلب... أنت العشق وأنت الحب... وفي أرضك ما في غدار".
"لبنان حالة مختلفة"
بحسب صناع المهرجان، فإن الحراك اللبناني لا يشبه أي حراك آخر، يقول "ميدو": "مشهد المحتجين حضاري جداً، وكان واضحاً أنهم مصرون على تحقيق هدفهم مهما كلف الأمر، الحقيقة أن لبنان حالة مختلفة".
"وجدنا في الحراك اللبناني ما نتمنى أن نراه في جميع بلادنا العربية، وهو الجمال والشياكة والاهتمام حتى بنظافة الميادين التي ينتشر فيها المحتجون". يقول لرصيف22 "فوزيكا" و"زيزو"، وهما من المشاركين غناءً في المهرجان.
ويكمل المؤديان أنه بعدما رفع الفريق المهرجان على قناتهم الرسمية على يوتيوب في 27 تشرين الأول/أكتوبر، حقق حتى اليوم 45 ألف مشاهدة، وهذا ما يثبت أن "الرسالة وصلت إلى أهلنا في لبنان"، وفق قولهما.
وبحسب "ميدو"، فإن بعض الشباب اللبنانيين تفاعلوا مع المهرجان وبعثوا للفريق برسائل شكر، مضيفاً "أرسل لنا متظاهرون مقاطع فيديو وهم يرقصون على موسيقى المهرجان في لبنان، وهذا ما جعلنا نشعر بسعادة كبيرة".
ويكمل "فوزيكا" و"زيزو" أن نجاح المهرجان خرج من اليوتيوب وأصبحت هناك حافلات و"تكاتك" تشغله لزبائنها، وهو ما يعتبرانه دعاية إيجابية للحراك اللبناني بين المصريين، وخصوصاً بين جمهور وسائل المواصلات الشعبية.
"ثورة في ذاتها"
أغاني المهرجانات هي حركة موسيقية شعبية ظهرت في السنوات الأخيرة في مصر، وتتميز بإيقاعها المتشابه، وكلماتها المستوحاة من الشارع الشعبي.
"المهرجانات نجحت في أن تتخطى المناطق الشعبية إلى المناطق الراقية، لأن الحركة الموسيقية تُعتبر ثورة في ذاتها، لذلك من الطبيعي أن تتطور وتهتم باحتجاجات تحدث خارج الحدود".
وبرغم أن أغلب وسائل الإعلام المصرية تتجاهل أغاني المهرجانات، ولا تقم باستضافة صناعها في برامج التوك شو وفي البرامج الفنية، كما لا تتوقف بعض المواقع والصحف عن نشر مقالات لبعض الكتّاب الذين يعتبرون هذا النوع من الموسيقى إفساداً للذوق العام... برغم ذلك كله، بقيت هذه الحركة الموسيقية الحديثة مستمرة في الانتشار والنجاح، مستعينة بيوتيوب، ووسائل المواصلات الشعبية الأخرى، مثل "التكاتك" و"الميكروباصات".
ولا يعرف السبب الكامن وراء إطلاق كلمة مهرجانات على هذا النوع من الموسيقى التي بدأت بالظهور قبل ثورة يناير المصرية على نطاق ضيق في بعض الأفراح الشعبية. لكن شهرتها زادت بعد الثورة بين كل الطبقات الاجتماعية، وباتت جزءاً أساسياً في الأفراح وأعياد الميلاد وحفلات التخرج الجامعي، حتى أمام لجان الاقتراع خلال الاستحقاقات الانتخابية.
وحققت بعض أغاني المهرجانات مشاهدة لم تحققها أغان أخرى في مصر. على سبيل المثال، حقق مهرجان "العب يالا" لأوكا وأورتيجا، وهما من أقدم فرق المهرجانات في مصر نحو 170 مليون مشاهدة على يوتيوب منذ نشره في آب/ أغسطس 2017.
وتتناول موضوعات أغاني المهرجانات الفقر وغدر الأصدقاء والمخدرات والقضايا السياسية والعلاقات العاطفية.
وبحسب الناقد الفني مصطفى حمدي، فإن المهرجانات نجحت لعدة أسباب على رأسها أن الأغنية الرومانسية التقليدية لم تتطور، وهذا ما جعل المستمع يبحث عن شكل فني يعبر عن العصر، مضيفاً أن أغاني المهرجانات أقبل عليها الجمهور أثناء ثورة يناير، ثم أصبحت هي الرائجة لأنها تعبر عن الناس.
ويعتبر حمدي، في حواره مع رصيف22، أن المهرجانات لون فني يشبه المجتمع الحالي، ولذلك من الصعب وقف موجته من قبل الأنظمة أو الرقابة، بل على العكس ستتطور مثلها مثل أي موجة فنية ظهرت في العالم.
ووفق حمدي، فإن المهرجانات نجحت في أن تتخطى المناطق الشعبية إلى المناطق الراقية، لأن الحركة الموسيقية تُعتبر ثورة في ذاتها، لذلك من الطبيعي أن تتطور وتهتم باحتجاجات تحدث خارج الحدود.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...