شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كأسٌ في يدٍ وفي الأخرى ضفيرتُك... عن مقهى

كأسٌ في يدٍ وفي الأخرى ضفيرتُك... عن مقهى "كَهوة وكتاب" في بغداد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب

الأربعاء 11 مارس 202011:31 ص

يأتي هذا المقال ضمن الملفّ الذي أُطلق منذ شهر مارس/أذار 2020, في قسم "رود تريب" بـرصيف22، والمعنوَن: "داوِ الهمومَ بقهوةٍ سوداءِ... المقاهي العربية".


عند مدخل شارع حيّ الكرادة وسط العاصمة العراقية، بغداد، حيث المحالّ التجارية والمقاهي والعيادات الطبية، يقع مقهى "كَهوة وكتاب" -"قهوة" بالكاف والخط الذي يُثقلها باللهجة العراقية-.

في مدخل المقهى الذي يقع في الطّابق الثاني بإحدى المباني، صورٌ باللون الأسود والأبيض لأدباء وفنانين ورياضيين عراقيين وعرب وعالميين؛ صور الجواهري، ومظفر النوّاب، ومشاهير آخرين منهم الكاتب العراقي، أحمد سعداوي، الحاصل على الجائزة العالمية العربية للرواية (البوكر) عام 2014، وفيروز وغابريل ماركيز.

في عام 2016 فكّر صاحب دار عدنان للطباعة والنشر في شارع المتنبي ببغداد، ياسر المُتنبي (33 عاماً)، بخوض تجربة جديدة غير بعيدة عن الكُتب، وقرر إنشاء مشروع "كهوة وكتاب" حيث التجربة الأولى في العراق من نوعها.

المُتنبي الذي فقد والده في تفجير شارع المُتنبي عام 2007، أخذ على عاتقه توسعة مشروعهما الكُتبي والخروج من الإطار التقليدي نحو تسويق أفضل وشُهرة أوسع، فبدأ مشوار "كهوة وكتاب".

قبل هذا المقهى كانت هُناك مقاهٍ عديدة تُعتبر مركزاً لتواجد الأدباء والفنانين والرياضيين مثل مقهى "أبو زهراء" و"رضا علوان" القريبين من "كهوة وكتاب" بعشرات الأمتار، لكن توفير الكُتب للقراءة وللبيع في مقهى، فكرة لم تكن موجودة سابقاً.

يُحاول الُمتنبي أن يوسع عنوان مشروعه ويبدو انه لم يكتف بتسميته "مقهى"، ويُحبذ أن يطلق عليه تسمية "ملتقى كهوة وكتاب"، ويُعلل ذلك لرصيف22: "لم يعد مجرد مقهى، فهو مكان تجمع الفنانين والرياضيين والأدباء والصحفيين، ليس هذا فحسب، بل فيه صار مكاناً ثابتاً لتوقيع الكُتب وإقامة النشاطات الثقافية".

يقول ياسر المتنبي  لرصيف22: "مرّت ثلاثة أعوام على افتتاح الملتقى. هذا حلمي الذي حقّقته، فمنذ سنوات كُنت أحلم بهكذا مشروع وفي (الكرّادة) تحديداً التي تُمثل روح العاصمة بغداد".

ويضيف أن: "كهوة وكتاب مكان يجتمع فيه المثقفون والفنانون والشباب المهتمون بالأمور والنشاطات الثقافية. وتُنضّم فيه فعاليات ثقافية متنوعة. الحمد لله أنني استطعتُ أن أفتتحه، وأن أعمل على توسعته إلى الضُعف تقريباً".

عندما افتتح مشروع "كهوة وكتاب" كان فيه عشر طاولات تقريباً، ومساحته لا تتجاوز الـ70 متراً، لكنه اليوم توسّع وأصبحت الطاولات ضعف ذلك، وفيه مساحة للنشاطات والفعاليات الثقافية.

ما يختلف في مشروع كهوة وكتاب هو أن صاحبه كُتبيّ بالأساس، ووالده كُتبيّ، لذا دمج بين المكتبة والمقهى، بمعنى أن مشروعه ليس مقهى فقط وفيه بعض الكُتب، بل مقهى وكُتب في آن واحد

يقول المتنبي أيضاً: "عملنا الكثير والكثير من الفعاليات التي لم تستطع أي مؤسسة ثقافية أو حتى وزارة أن تقوم بذلك. واحتفينا بكُتاب وعملنا حفلات تأبين لمثقفين رحلوا، والعديد من حفلات توقيع الكُتب وأمسيات شعرية وعزف وموسيقى، وشاهدنا أفلاماً وكرّمنا مبدعين".

نجح المُتنبي في التسويق لمشروعه، فالمنُاسبات التي تشهدها "كهوة وكتاب" تُبَثّ على صفحة المقهى في الفيس بوك. وليس هذا فحسب، بل حرص أيضاً على إبراز الوجوه المعروفة من رواد المقهى أو الذين يزورونه بين حين وآخر.

على عكس المقاهي التقليدية في العراق والتي هي "ذكورية" بحتة، خلق "كهوة وكتاب" وقبله "رضا علوان" مساحة لالتقاء الجنسين في مقهى واحد، وكسرا حواجز كثيرة وضعتها سلوكيات مجتمعية فصلت بين الجنسين، فأصبحت فضاءً مفتوحاً لكليهما.

لا يعتبر المُتنبي هذا الملقتى ملكاً له، بل مساحة التقاء أصدقائه ونجوم العراق، ووفقاً لقوله، فإن "كلَّ من يزور المكان يتعلق به، لأنني لم أفرض أيَّ قيود، ولَم نتعامل مع روادنا كزبائن أبداً". ويتحدث عن تحول المكان إلى مساحة للتعاون بين الجيل الشاب والجيل القديم من خلال تعايشهم اليومي داخل المقهى.

جاء افتتاح "كهوة وكتاب" في أيام سوداء كان يعيشها العراق، خاصة حيّ "الكرادة" الذي شهد في منتصف عام 2016 تفجير الكرادة الشهير الذي راح ضحيته أكثر من 350 عراقياً. لا يبعد المقهى عن مكان التفجير سوى مئات الأمتار، وعندما تم افتتاحه كان شارع الكرادة مغلقاً، وخُصّص حينها للمشاة فقط.

على عكس المقاهي التقليدية في العراق والتي هي "ذكورية" بحتة، خلق "كهوة وكتاب" وقبله "رضا علوان" مساحة لالتقاء الجنسين في مقهى واحد، وكسرا حواجز كثيرة وضعتها سلوكيات مجتمعية فصلت بين الجنسين

ولأن العراق كان يمرّ بظرف أمني صعب بسبب خوضه حرباً كبيرة ضد تنظيم داعش الذي سيطر على ثلث مساحة البلاد، يَعتبر المتنبي افتتاح المقهى في ذلك الوقت "تحدياً كبيراً".

يقول بطل آسيا في المنتخب العراقي عام 2007، نشأت أكرم، وهو أحد رواد "كهوة وكتاب": "المقهى تمكّن من إحداث نقلة نوعية من خلال جمع المثقفين والشباب والأدباء والفنانين والرياضيين. شخصياً، أحرص على الحضور في هذا المكان الثقافي المهمّ. وهو صرْح جميل يجمعنا في مكان واحد".

يضيف مُبتسماً: "أتمنى أن يتوسع المقهى ويكون المبنى كلّه كهوة وكتاب". ويربط أكرم بين نشاط المقهى والمؤسسات الحكومية، ويُشير إلى أن "المقهى استذكر وكرّم شخصيات رياضية وأدبية وإعلامية تناستها الحكومات العراقية وأهملتها".

يحضر أكرم بشكل دائم مع زوجته الروائية العراقية، حوراء النداوي. ويبثّ المتنبي على حسابه في الإنستغرام بعض اللحظات الشعرية والأدبية لأصدقائه النجوم الذين يزورونه.

يقول الروائي العراقي أحمد سعداوي لرصيف22: "ما يختلف في مشروع كهوة وكتاب هو أن صاحبه كُتبيّ بالأساس، ووالده كُتبيّ، ولديه دار طباعة ونشر، كما أنه يمتلك علاقات إيجابية وطيبة، لذا دمج بين المكتبة والمقهى، بمعنى أن مشروعه ليس مقهى فقط وفيه بعض الكُتب، بل مقهى وكُتب في آن واحد، ولا يقلّ قطاع عن آخر، لذا استفاد من رصيد علاقاته مع المثقفين وخلق جمهوره".

قلّدته مشاريع أخرى في البصرة والموصل من خلال استنساخ تجربة "كهوة وكتاب

ويضيف: "النشاطات الثقافية في كهوة وكتاب، هي ليست نشاطات ثقافية فقط، بل فيها بُعد ترويجي للمقهى، حتى صور النجوم التي علّقها، كان فيها شيء من الترويج، رغم أن عتباً كثيراً وقع عليه بشأن وضع صور شخصيات دون غيرها، وكان يُعلّل ذلك بأن هذه هي صور أصدقائي".

استوحى المُتنبي، مثلما يُحبّ أن يُلقب نفسه بعد اسمه الأول، فكرةَ المشروع من مصادر وأماكن متعددة، لكنه تحول إلى نموذج، وعلى إثر ذلك قلّدته مشاريع أخرى في البصرة والموصل من خلال استنساخ تجربة "كهوة وكتاب".

لا يُفكر المتنبي بإبقاء هذا المكان في الكرادة وحيداً، ويسعى إلى افتتاح فروع له في بغداد وبقية المحافظات العراقية، لكنه مازال ينتظر استقرار الأوضاع في البلاد حتى يمضي بتوسعة مشروعه.


عنوان المقال مستلهم من شطرٍ لجلال الدين الرومي: "كأسٌ في يد، وفي الأخرى خصلة من شعر الحبيب/ لمثل ذلك الرقص أتوق في وسط الساحة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image