شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
انزع حذائي، وألبسني خفيّ

انزع حذائي، وألبسني خفيّ "المخمليين"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 15 فبراير 202010:35 ص

هناك احتفال دائم وفرحة عامرة تشهدها كل أسرة، حين يخطو الطفل لأول مرة، هي بداية تحوّله من كائن ذي حركة مقيّدة، يعتمد على والديه، إلى فرد قادر على التنقل واختبار العالم. هذه اللحظة الرومانسية يرافقها أيضاً إعادة تكوين للفضاء الداخلي، واعتماد أشكال من الحماية تقي الطفل أثناء الحركة في أرجاء المنزل، أهم هذه الأشكال، يطبّق على جسد الطفل نفسه، وتتمثل بالحذاء، الجهاز المصمم طبياً في تلك المرحلة، وذلك لضمان أسلوب المشي القويم على الأرض الصلبة، هذا الجهاز يمتلك قيمة رمزية كالأم نفسها من وجهة نظر لاكانيّة، هو علامة على قرار من "الأم المحبّة" التي تمنع طفلها من المشي حافياً، ليتحول إلى غرض يدل على اختلاف جسد الطفل عن جسد الأم، و"المشي" باستخدامه يعني أن العالم حين اختباره واكتشافه مختلف عن تأويلات الأم.

يتجاوز الحذاء بتسمياته وأنواعه المختلفة وظيفة حماية القدم أثناء الانتقال، هو انعكاس للتغير السياسي والاقتصادي: جلدي، قماشي، خشبي، للرجال أو النساء، الموضة جعلت من الأحذية عنصراً شديد الأهمية وعلامة على الاختلافات الطبقية، هو يعكس الأناقة وشدة وطء الأرض، وكيفية الحركة والدور الاجتماعي المرتبط بها، هناك أحذية تطير لرسل الآلهة، وأخرى جلدية مزخرفة للمناسبات الرسمية، عسكرية وأخرى زجاجية أو للاكتشاف، الحذاء امتداد مؤلم للقدم في بعض الأحيان، وتحاط به أساطير مختلفة.

يقال في إحدى الأساطير إن شهرة الكعب الرجالي الأحمر تعود إلى القرن السابع عشر، والملك لويس العظيم أو لويس الرابع عشر، إذ يقال إنه كان يرتدي الكعب لقصر طوله، مع العلم أنها عادة كانت منتشرة حينها، لكن اللون الأحمر سببه أنه دعس في بركة دم حين كان في واحد من مسالخ باريس، وحين عاد للبلاط، ظن الناس أنها زينة، ومن هنا نشأت هذه الموضة

واحدة من الحكايات تقول إن شهرة الكعب الرجالي الأحمر تعود إلى القرن السابع عشر، والملك لويس العظيم أو لويس الرابع عشر، إذ يقال إنه كان يرتدي الكعب لقصر طوله، مع العلم أنها عادة كانت منتشرة حينها، لكن اللون الأحمر سببه أنه دعس في بركة دم حين كان في واحد من مسالخ باريس، وحين عاد للبلاط، ظن الناس أنها زينة، ومن هنا نشأت هذه الموضة، هذه الحكاية على عدم دقتها تختزل القيمة الاجتماعية التي تمثلها الأحذية، بغض النظر إن كانت مريحة أم لا، فحتى الآن مازالت معادلة الجميل مقابل المريح صعبة التحقيق، مع ذلك بقي مثلاً اللون الأحمر كزخرفة دلالة على الغنى والجاه، كما في أحذية كريستيان لوبوتان ذات الأسفل الأحمر والكعب العالي، التي ظهر تصميمها الأول عام 1993، وكان الأحمر أسلوباً لجعل الحذاء أشد جاذبية، كونه "لم يمتلك الطاقة الكافية" حسب تعبير لو بواتن، إذ يهدف لجعل السكربينة تعكس أطول مدى ممكن للساقين، كي تشد عضلة بطة الساق، بل أنه صمم حذاء مع دايفيد لينش، يمزج بين حذاء راقصة البالية وبين الكعب شديد العلو، وقام لينش بعدها بإخراج الإعلان الخاص بهذا التصميم.


الهيبة والدور والاجتماعي والأناقة خصائص يختزنها الحذاء وزينته وأسلوب المشي فيه، هناك التثاقل والتخفف، التمايل الـ"cool" الذي انتشر مع الثقافة السوداء في الستينيات مع عازفي الجاز، كمايلز دايفز، الذي كان يفضل حذاء ويجون الجلدي الذي يسهّل الانزلاق على الأرض، في حين هناك البسيطة، الجلدية، الخالية من الزخرفة عدا خط ذهبي، كما في تصميمات سيلفاتوري فيراغاموس، المشي فيها منتظم، يتوزع فيها الوزن وتنضبط الخطوات ثقة على الأرض، وهناك الطفو الحذر، المقتبس من راقصات البالية، حيث لا تمشي المرأة، بل تتنقل بقفزات بسبب حذائها الذي يلامس الأرض بأكملها، وعليها أن تبذل جهد دفع وزنها من الكعب إلى أعلى الأصابع، وهناك المشي اللاواقعي لعارضات الأزياء وكعوبهن العالية، لا يمكن حصر الموضوع أو ضبطه بل فقط التعليق عل بعض أشكاله.


الدور الاجتماعي قبل التصميم

يرتبط الحذاء وأسلوب المشي بتصور مسبق عن شكل الجسد، وخصوصاً "اللحم المؤنث" الذي يخضع للتشوه في بعض الأحيان بسبب المعايير الجمالية الذكورية، والمثال الأشهر هو التقليد الصيني الذي يحتفي بالأقدام الصغيرة، التي تعتبر معياراً جمالياً في كل أنحاء العالم، ضمن المتخيل الفانتازمي الرجولي.

لن نصف العملية القاسية والحذاء المصمم لتكوير القدم، لكن المثير للاهتمام أن هذه العملية وفي تمثيلاتها لاحقاً، تعكس سطوة التحديقة الذكورية الشهوانية، إذ كلما استحالت الحركة، تشوهت وصغرت القدم، ارتفعت القيمة الجمالية والمكانة الاجتماعية، والحالة المثالية لهاتين القدمين بعد سنين من ارتداء الحذاء تسمى ببراعم اللوتس، وضمن التمثيلات الإيروتيكية تتحولان إلى "حفرة" يلج فيها الذكر، وكأن "الإعاقة" التي تقع على القدمين تهدف إلى إعادة تشكيل اللحم المؤنث و"نحته" ليصبح فرجاً فقط، يُستَعرضُ علناً، ويُرهَزُ سراً، هذه الاستخدام الإيروتيكي الفيتشي يظهر أيضاً في الأدب الليبرتاني، حيث تحول سيفرين في رواية لودفيغ فون مازوخ "فينوس ترتدي الفراء"، إلى مسؤول عن تبديل أحذية معشوقته واندا، التي تأمره أن "أَنزَعْ حِذَائيّْ، وأَلبِسنِيْ خُفَيّ المُخمَلييّن".

أحذية الرعب والسخرية

يعكس الحذاء الشرط السياسي وأسلوب الحركة ضمن فضاء المدينة التي تختبر الحرب أو الاحتلال، ولا نقصد فقط تصميمه، بل أسلوب الحركة الذي يفترضه التصميم، وهذا ما ظهر في باريس حين كانت تحت سيطرة النازيين، إذ كانت الحركة بالسيارة مقيّدة، والجميع يمشي وينتظر في الطوابير، والانتقال الجسدي يجب أن يكون بحذر ولا يثير الشبهات، حينها انتشرت الأحذية النسائية ذات الكعوب العالية الخشبية من تصميم بيير دوندان، تلك التي تلمس الأرض بأكملها، هي مريحة للمشي والوقف، في ذات الوقت تمنع القدم من لمس الأرض، و لابد من ثني الركب أثناء المشي بها، ما يعني المشي ببطء خوفاً من أعين المخبرين التي تراقب المارة، لتكون الخطوات حذرة ومدروسة، ولا حركات مفاجئة.

هناك أحذية تطير لرسل الآلهة، وأخرى جلدية مزخرفة للمناسبات الرسمية، عسكرية وأخرى زجاجية أو للاكتشاف، الحذاء امتداد مؤلم للقدم في بعض الأحيان، وتحاط به أساطير مختلفة

هذه العلاقة بين الحذاء والانتقال تظهر في بوضوح في الزي العسكري، إذ يرى بول فيريليو، أن العسكرة تعتمد على قدرة انتقال الكتلة البشرية التي تمثل الجيش بين مكان وآخر، ويشير أن جودة الحذاء العسكري علامة على مدى جاهزية هذا الجيش وقدرته على الانتقال والسيطرة على التراب، وهنا يتبادر للرأس التعبير الذي يوصف به الجيش السوري النظامي بكونه جيش "أبو شحاطة"، أي من وجهة نظر مختلفة عن تلك الشعبية، يمكن فهم هذه الكتلة البشرية ذات الشحاطة، أنها عاجزة عن الانتقال، مبتذلة، تهترئ على الطريق من مكان لآخر، غير مجهزة بما فيه الكفاية، ويقال إن التسمية ظهرت بعد حرب 1973.

ذات الأمر مع حذاء "رين" الرياضي الذي تحول إلى رمز الهروب أثناء الثورة السورية، حيث كان يرتديه عناصر النظام أثناء فرارهم من مراكزهم، لكن في مناطق أخرى تحول إلى غرض فيتشي يتم تبجيله ووضعه على الرأس بل وصناعة تماثيل له، بوصفه رمزاً لمؤسسة تحلّ الأمن وتضبط النظام العام، مؤسسة تتحرك خارج القانون وذات سطوة تغير التراب وتنفي الحياة.

الحذاء والشرط الفني

أشهر تمثلات الأحذية في تاريخ الفن هي تلك التي نراها في لوحة فان كوخ "حذاء"، والتي يعلق عليها الناقد ما بعد الحداثي فريدريك جيمسون، بوصفها تعكس معاناة طبقية وشخصية، ويقارنها بلوحة الأحذية التي أنتجها آندي وارهول، بوصفها تركز على الاستنساخ والتماثل والتقليد، كل واحد من هذه الأحذية يمثل موقفاً أيديولوجياً، حسب تعبير جيمسون، فالأولى تستخدم دوماً، ولو اهترأت لا يبدلها صاحبها بل يصلحها، هي تختزن الأثر اليومي للعمل، في حين أحذية وارهول مستنسخة رخيصة، يمكن رميها وشراء غيرها، هي متراكمة ومتوافرة ، فحذاء كوخ يمثل الأصالة والتفرد، في حين أن تلك التي تعود لوراهول تمثل السطحيّة والنوستالجيا الفارغة، كونها أشبه بصورة نيغاتيف لأصل غير حقيقي، أي أصل غير موجود في العالم، مجرد كولاج متكرر ومنسوخ.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard