"ما منطاطي ما منطاطي (لا نخضع)… الأوليغارشية على صباطي (حذائي)"، بهذه الكلمات علق أحد أبرز الصحافيين الاقتصاديين في لبنان، محمد زبيب، على حادثة الاعتداء عليه مساء 12 شباط/فبراير، عبر حسابه على فيسبوك.
تعرض زبيب للضرب المبرح حتى سقط أرضاً أثناء توجهه إلى سيارته في موقف سيارات في شارع الحمراء عقب مشاركته في ندوة عنوانها "السياسات المالية والإجراءات المصرفية" على أيدي ثلاثة مجهولين ولاذوا بالفرار فور الاعتداء عليه.
واعتبر العديد من الصحافيين اللبنانيين ووسائل الإعلام المحلية أن هجوم "البلطجية" على زبيب "مستوى جديد من الترهيب ومواجهة الرأي الآخر"، و"تطوّر خطير لانعكاسه السلبي على الحريّات الإعلاميّة" و"رسالة ترهيب للجسم الإعلامي كله لا سيما الأصوات العالية منه".
#محمد_زبيب ضهر وأقوى من قبل يا زعران جاييكن يا حرامية.#القوة_للناس#متضامن_مع_محمد_زبيب pic.twitter.com/ED9CEp1gCd
— Adham Hassanieh أدهم الحسنية (@AdhamMG) February 12, 2020
كما نددوا على وجه الخصوص بالاعتداء على "صحافي الناس" وشددوا على أن "الصحافة مش مكسر عصا".
"تطور خطير ورسالة ترهيب لإسكات الحقيقة"... الاعتداء على صحافي الناس محمد زبيب بعد هجومه على مصرف لبنان
لماذا زبيب تحديداً؟
تسمية "صحافي الناس" لم تأت من فراغ وإنما استحقها زبيب عن جدارة، فهو الصحافي الذي عمد إلى تبسيط النظريات والإجراءات الاقتصادية الصعبة وتقديمها إلى العامة ليعوا ما يحدث من حولهم.
ومنذ 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ينتفض اللبنانيون ضد الطبقة السياسية التي يتهمونها بالوقوف خلف اقتراب البلاد من حافة انهيار اقتصادي هو الأخطر منذ الحرب الأهلية.
وتأزمت الأوضاع الاقتصادية جراء هذه الاحتجاجات، وعجزت الحكومة عن وقف تدهور العملة المحلية وارتفاع التضخم، ولجأت إلى بعض القرارات التي اعتبرها متخصصون عاملاً في تعميق المعاناة الاقتصادية.
ويتظاهر اللبنانيون بشكل شبه يومي أمام المصارف التي يتهمون القائمين عليها بنهب أموالهم مع تقييد سحب الأموال والودائع.
وزبيب واحد من الأصوات العالية التي تفضح أثر مثل هذه الإجراءات على المواطنين.
وقبل أيام، حذر زبيب من خطورة قرار الحكومة تسديد أكثر من خمسة مليارات دولار من سندات الدين بالدولار والفوائد هذا العام، مبيّناً أن ذلك يعني "عدم تمويل استيراد الأدوية والقمح والمحروقات والحاجات الملحة لمدة عام، وعدم دفع حقوق مليونين و250 ألف مودع يعادل مجمل حساباتهم هذا المبلغ".
كذلك تحدث عن "أفكار خطيرة" مطروحة حالياً للتعامل مع أزمة العجز عن تسديد الديون وفوائدها، مبرزاً أن أخطرها "الاقتراح الرامي إلى إنشاء صندوق تُخصص له إيرادات حالية ومستقبلية، منها إيرادات الخصخصة وإيرادات ضريبية معينة ورهن إيرادات مستقبلية ولا سيما من النفط والغاز".
وأضاف أن هذا الاقتراح "يكرّس أولوية الدائنين على المجتمع وحاجاته الملحة، ويمنحهم الأفضلية في الدفع قبل الأجور ومعاشات التقاعد والحماية الاجتماعية والخدمات الأساسية وتوفير الأمن. ويرهن الأجيال الحاضرة والمقبلة لخدمة الدائنين على حساب مستوى المعيشة والعدالة الاجتماعية والتقدّم".
زبيب هو من الأصوات العالية التي تفضح الأولغارشية الحاكمة التي يتهمها الشارع بالفساد لأنها تستأثر بالسلطة والمال وتفقر الشعب اللبناني
زبيب ومصرف لبنان
وآخر ما كتبه زبيب قبل الاعتداء عليه، هو الحثّ على رفض "الصلاحيات الاستثنائية الإضافية لمصرف لبنان"، مطالباً بالإفصاح عن حسابات المصرف الحقيقية والتحقيق في عملياته ومحاكمة حاكم مصرف لبنان ونوابه والمجلس المركزي والهيئة المصرفية العليا وهيئة التحقيق الخاصة ولجنة الرقابة على المصارف".
ودفع هذا بالكثير من الناشطين لترجيح أن الاعتداء رسالة تهديد لثنيه عن "فضح جرائم مصرف لبنان والمسؤولين عنه".
لكن الاعتداء لم يسكت صوت زبيب الذي لم يهتم بالحديث عما جرى له عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، واستأنف على الفور "فضح الأوليغارشية"، في 13 شباط/فبراير، فنشر جدولاً للجنة الرقابة على المصارف تبرز فيه شرائح الودائع معلقاً عليه: "هذه الأوليغارشية ليست نهّابة فقط بل غبية جداً. هل يعتقدون حقاً أننا سنخاف ونستسلم؟ امعنوا النظر في الجدول. وتعرّفوا على من يسرقنا".
ثم أردف: "طبقة الـ1% مسؤولة عن 98% من سحوبات الودائع. صادروا أجورنا ومدخراتنا ليسحبوا 15.3 مليار دولار في العام الماضي وحده".
وجاء الاعتداء على زبيب بعد قليل من تصريح مصدر حكومي لرويترز بأن لبنان في سبيله إلى طلب المساعدة الفنية من صندوق النقد الدولي من أجل وضع خطة لتفادي انهيار مالي، بما في ذلك كيفية إعادة هيكلة دينه العام.
نقابة محرري الصحافة اللبنانية وصفت الاعتداء بـ"الغادر والجبان" وطالبت جميع السلطات، لا سيما القضائية، بإنزال أشد العقوبة بالمعتدين.
إدانة واسعة ومطالبات بضبط المعتدين
نقابة محرري الصحافة اللبنانية وصفت الاعتداء بـ"الغادر والجبان" وطالبت جميع السلطات، لا سيما القضائية، بإنزال أشد العقوبة بالمعتدين.
وتابعت في بيان: "الصحافة اللبنانية ليست مكسر عصا. هذا اعتداء على نقابة المحررين. على السلطات تأمين أقصى حماية للصحافيين".
وأعرب مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية سكايز (عيْنا سمير قصير) عن تضامنه الكامل مع زبيب، مشدداً على ضرورة "التحقيق لكشف هوية المعتدين ومن أعطى الأمر، مهما علا شأنهم، ومحاسبتهم بشدة".
ونبه إلى أن "زبيب قلم رصين وصوت قوي مكرّس لمساءلة من هم في أعلى الهرم وللدفاع عن العدالة الاجتماعية".
ولفت تجمع نقابة الصحافة البديلة، غير الرسمي، إلى أن الهجوم على زبيب سببه "أنه يفضح الأوليغارشيّة ويشرح حقيقة ارتكابات النظام بحق الناس"، منوهاً بأن "الاعتداء عليه هو اعتداء على كلّ الصحافيين، والثوّار، وجريمة ضد الحريّات".
وأعلن وقفة شعبيّة "تضامناً مع زبيب، وتأكيداً على مطالب الثورة ورفضاً للسياسات الاقتصاديّة للسلطة اللبنانية التي أوصلتنا للانهيار وتدفعنا الثمن" مساء اليوم أمام مصرف لبنان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...