شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"سحل وإهانة وإساءة معاملة"... جدل تردّي خدمات الصحية في الأردن يتجدّد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 12 فبراير 202006:38 م

"في المركز بيدخل المريض ومعه انتكاسة، ما بيراعوا هذي الحالة أو وضعه وظروفه… بيزيدوها عليها بالضرب والإهانات. بدو يتحمم الواحد (المريض) الحمام جماعي كلو خلط مع بعض. الحلاقة مرة كل أسبوع أو أسبوعين وبيجي حلاق يحلق للكل بنفس الشفرة".

هذا ما قاله نزيل سابق يدعى محمد في مستشفى "المركز الوطني للصحة النفسية" في الأردن، والمعروف بـ"مصح الفحيص" خلال تحقيق استقصائي مصور لقناة رؤيا المحلية.

عُرض التقرير في إطار برنامج "نبض البلد" في حلقة 11 شباط/فبراير التي سلطت الضوء على حقوق المرضى النفسيين والعلاج النفسي في الأردن.

وسبب التقرير صدمةً قوية، قرر على إثرها وزير الصحة الأردني سعد جابر، في 12 شباط، فبراير، إحالة الفيديو المصور إلى النائب العام "لإجراء المقتضى القانوني بمن يثبت بحقه أي إساءة إلى المرضى والتحقق مما ورد في الفيديو المتداول".

ولفتت القناة في تحقيقها إلى أنها سعت إلى منح وزير الصحة حق الرد قبل نشر التحقيق، إلا أن الوزير رفض مشاهدة ما وثقته أو التعليق عليه.

"سحل وإهانة واعتداءات جسدية وإساءة معاملة"... قناة أردنية تصدم الرأي العام بمشاهد من داخل المركز الوطني للصحة النفسية. والوزير يفتح تحقيقاً

وضع سيىء للصحة النفسية في الأردن

ويقدر الإنفاق الحكومي على قطاع "الصحة النفسية" في الأردن بنحو 3% من موازنة قطاع الصحة. ويرى مختصون في الصحة النفسية أن "نتائج تقييم خدمات الصحة النفسية في الأردن تشير إلى غياب سياسة واضحة أو خطة وطنية مكتوبة ومعتمدة. كما لا يتوفر قانون خاص بالصحة النفسية إنما تتم معالجة هذا المحور من خلال بعض التشريعات النافذة بشكل جزئي"، وفق ما نشره موقع "الغد" المحلي في أيار/مايو عام 2018.

التقرير عينه نقل عن دراسات أكاديمية أن نسبة تراوح بين 12 و 20% من الأردنيين تعاني اضطرابات نفسية، وهي النسبة التي تعادل مليون و750 ألف مواطن تقريباً. يتمكن نحو 5% منهم فحسب من تلقي العلاج النفسي.

ويعالج مئات الأردنيين سنوياً في "مصح الفحيص"، بعضهم يمكث فيه أسبوعاً واحداً، وبعضهم قد تطول مدة علاجه. وفق بيانات وزارة الصحة الأردنية، أدخل 2720 مريضاً ومريضة إلى المركز عام 2018.

وأبرزت "رؤيا" أن اللقطات التي ترصد "انتهاكات جسدية وسوء معاملة وإهانات لفظية"، جرى تصويرها من داخل المركز في آب/أغسطس الماضي، وأن إعداد التحقيق جاء استجابةً لشكاوى متكررة من ذوي مرضى في المركز تتعلق بتعامل الكادر الطبي مع المرضى.

سحل واعتداءات جسدية ولفظية

وقالت زوجة النزيل السابق محمد: "لما خرج زوجي لاحظت علامات ضرب على إيديه. لما سألته قال إنو التمريض نزلوا فيه وضربوه وكان هذا الشيء مأثر فيه".

وأوضحت أنها جرى تشخيصها بمرض نفسي ثلاث مرات وطلب منها دخول المركز لكنها رفضت تماماً بعد تجربة زوجها.

وأردفت: "يا ريت المسؤولين يقوموا بزيارة مفاجأة للقسم السادس ويشوفوا كيف المريض بتسلميه وكيف بترجعي بتوخذيه… مكان بس نزلتك عليه بتخوف".

"بنات مثلاً مصابات بانهيار عصبي يتذكروا إشي صار معهن ويبكوا أو يصرخوا تيجي الممرضة ‘اخرسي يا (مسبة) اسكتي يا (مسبة)‘ البنت ما ترد لأنو منهارة، تحكي الممرضة أنا حامل تعالوا جروها (لمريضات أخريات)، فيجروها من رجليها وكأنها خروف جر حتى غرفة العزل (الانفرادي) ويسكروا عليها"، تقول إحدى النزيلات في الفيديو.

وتتابع: "من الشغلات كمان أن الغرفة فيها حمام لكنه مسكر ومتعطل".

وتخلل التقرير عرض فيديو يُظهر واقعة سحل مريضة وهي تصيح "أنا بقوم لحالي.. بقوم لحالي" فيما تصرخ الممرضة في عدد من المريضات: "يلا فوتوا اسحبوها لجوا". 

شاهدة عيان أخرى وصفت بـ"الزائرة الدائمة لإحدى المريضات" تحدثت أيضاً عن طلب ممرضات من مريضات نقل مريضة بعينها إلى "العزل".

وأشار أحد مراجعي المركز إلى "عنف متبادل بين الطرفين، المرضى والممرضين"، شارحاً "أحياناً بيتكاتروا (يتحدوا) الممرضين عليهم وممكن يضربوه (أي مريض) ويهينوه ويسجنوه (في العزل)". 

ويُسمع صوت إحدى المريضات وهي تصرخ "أنا مريضة ضغط، أنا مريضة ضغط" فيما يغلق بوجهها الباب.

كذلك يُسمع صوت ممرضة وهي تأمر مريضة "إلى الزاوية" وترمي إليها وسادة صغيرة.

الخبير الأردني في حقوق الإنسان فادي القاضي اعتبر أن الممارسات التي رصدها التقرير "شكل من أشكال سوء المعاملة، وليس بالضرورة تعذيباً، لكنه معاملة تحطّ من الكرامة الإنسانية، عدا أنها قاسية وتتسبب بإساءة جسدية وعنف لفظي، وهذه كلها أمور تستوجب التحقيق".

ولفت التقرير إلى أن واقعة سحل المريضة تنتهك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص في مادته الخامسة على أنه "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطة من الكرامة". كما تنتهك اتفاقية مناهضة التعذيب التي وافق عليها الأردن.

تشكيك وتساؤل غريب

"ما أعتقد أنه حقيقي. قد يكون خارج الأردن. لا يمكن يصير لأنو أنا بدي أعرف مين اللي صور. ليش جاعد يصور وإيه الغاية من التصوير؟ المرضى ما معهم تليفونات. التليفونات مع التمريض. هل ممكن الممرضات يصوروا ويقدموا شي ضد أنفسهن؟"، هكذا رد مدير المستشفى نائل العدوان على المشاهد التي عرضها عليه منفذو التحقيق.

غير أن هنالك مشاهد يسمع فيها صوت مريضة تصرخ مناديةً "يا نائل يا عدوان يا مدير المستشفى يا أبو طلال".

ودحضت المحامية الأردنية إسراء محادين مزاعم العدوان قائلةً: "هناك سيدة تناديه باسمه، وأحد الأسُرَّة مدون عليه ‘مباع لوزارة الصحة‘. هذه مؤشرات عن مكان الواقعة وتستوجب التحقيق للتأكد أن هؤلاء الأشخاص استغلوا سلطتهم ضد هؤلاء الأشخاص الضعفاء أم لا".

ورد العدوان: "إذا كان هناك أي تقصير أو إهمال من طاقم التمريض ونجم عن  هالشي مشكلة، طبعاً بيكون فيه عقوبات إدارية، وهلا نادر ما يتحول (إلى التحقيق). يعني هو الاعتداء بيصير إنو دفشوه (أبعده) ضربوا كف كذا يعني ما فيه إصابات اللي بمعنى إيذاء جسدي اللي يتطلب تحويل إلى مستشفى".

مدير المركز ترك كل المشاهد جانباً وسأل "من صوّرها وما هدفه؟"، ودافع عن "الزق وضرب الكف" وغيرهما من اعتداءات الكادر الطبي على المرضى 

لا مبرر للانتهاكات

وعلّقت المحامية والحقوقية الأردنية تغريد الدغمي على ذلك: "أي انتهاك لحقوق الإنسان هو كارثة. لا يمكن أحكي عن أي انتهاك أنو هذا بسيط أو جسيم أو ممكن غض الطرف عنه. ولا يمكن تبرير أي انتهاك".

في الأثناء، حذر القاضي من أن يكون تصريح العدوان مؤشراً إلى أن هذه الممارسات "نهج يتكرر".

وقالت محادين: "في دولة مؤسسات تقوم على سيادة قانون يفترض أن المقصر يحاسب".

ودافع العدوان عن عزل بعض المرضى في غرفة حجز انفرادي، ووصف ذلك بالإجراء المتبع عالمياً، زاعماً أن تلك الغرفة تراعي الإرشادات العالمية والمتمثلة في كونها "مبطنة بالإسفنج لحماية المريض من إيذاء نفسه بضرب الحائط برأسه مثلاً".

غير أن فريق القناة لاحظ عقب جولة سمح له بها في بعض الأقسام، منها غرفة العزل، أن الغرفة بعيدة تماماً عن تلك المواصفات، فهي "بباب ونافذة حديديتين وجدران إسمنتية، وتخلو من أي شيء، عدا مرتبة إسفنجية على البلاط".

وعلقت الاختصاصية النفسية لينة عاشور على إجراء عزل المرضى انفرادياً بالقول: "تغير هذا المفهوم حديثاً. يجب أن تكون الغرفة نظيفة ومبطنة ومضاءة جيداً".

ومن الشكاوى التي رصدها التقرير إجبار المرضى على التعامل بعضهم مع بعض في أمور الرعاية المنوطة بطاقم التمريض نظراً لقلة أفراده.

ولفتت زائرة إلى أنه في بعض الفترات تتوفر ممرضة واحدة في قسم كامل وتأمر بعض المريضات مثلاً بتبديل ملابس مريضة أخرى أو حملها ونقلها.

ورد العدوان على ذلك بأنه "معروف عالمياً أن العلاج النفسي يعاني قلة عدد المتخصصين به والمقبلين عليه بسبب ‘الوصمة‘ والخجل من الحديث عن علاج المرضى النفسيين".

وتفاعل الكثير من الأردنيين مع التقرير المصور واعتبروه "خطيراً جداً وكارثياً وصادماً"، فيما وصفه مشاهدون بـ"الكابوس". واستنكر بعضهم ما قالوا إنه "رد آلي" لكل مسؤول في موقع المتهم.

غير أن قرار التحقيق في الواقعة أرضى الكثيرين، منهم وزير الإعلام الأسبق نبيل الشريف الذي كتب عبر تويتر: "خيراً فعل وزير الصحة بتحويل فيديو مركز الصحة النفسية إلى النائب  العام للتحقق مما ورد فيه، فلا أحد يقبل بهذه التجاوزات إن صحت، وليس من المصلحة أيضاً السكوت عن تجاوزات في نقل الحقائق للرأي العام إن صحت أيضاً".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image