كثيراً ما تتردد على مسامعنا العبارة التالية: "عكس الحب ليس الكراهية وإنما اللامبالاة"، إلا أنه على أرض الواقع قد يتحول ما كان في يوم من الأيام حباً عظيماً ومشاعر جياشة تجاه من نحب، لكره ونفور.
"لا أعرف ماذا حصل بالضبط، كل شيء كان يسير على خير ما يرام، وكانت علاقتنا تشبه قصص الخيال المليئة بالعشق والشغف والحب، لحين اكتشفت بأنه يخونني... عندها شعرت بأنه وحش، كائن من دون قلب، خدعني بحبه المزيّف وبكلامه المعسول، في الوقت الذي كان فيه منخرطاً في علاقة حب مع امرأة أخرى... أكرهه ولا أطيق لفظ اسمه أو رؤية وجهه على الإطلاق... أتمنى أن يذوق طعم الخيانة وأن تطعنه حبيبته الجديدة تماماً كما فعل بي".
هذا ما قالته لي صديقتي بنبرة حاقدة، بعدما اكتشفت أن الشخص الذي أحبته من قلبها كان يخونها مع زميلته في العمل، واليوم وبعد مرور أشهر على هذه الحادثة، لا تزال عبير (اسم مستعار) تعبّر عن نفورها من حبيبها السابق، وترفض رفضاً قاطعاً أن تحتفظ بأي ذكرى منه، فقد سبق وأن مزقت الصور التي تجمعهما ورمت جميع الهدايا وكل ما من شأنه أن يذكرها باللحظات الجميلة التي امضتها معه، وكأنها تريد بذلك "قتله" معنوياً والتخلص من أي وجود له في حياتها.
ما حصل مع هذه الشابة قد يحصل مع أي شخص منّا، ففي أحيان كثيرة قد نحب بشكل جنوني، وفجأة تنقلب الأمور رأساً على عقب، ويتحول هذا الحب الكبير إلى نفور وكراهية، ونبدأ في الغالب بلوم أنفسنا ونقسو على قلبنا لكونه أحب شخصاً لا يستحقنا.
بين الحب والكراهية... شعرة
إن أجمل ما في هذا الكون هو الحب الذي يعطي لحياتنا معنى، فعندما نحب بصدق نشيح بنظرنا عن عيوب الآخر ونبذل ما بوسعنا من أجل إنجاح العلاقة، فنقدّم التنازلات والتضحيات بهدف أن نعيش لحظات استثنائية لا تشوبها شائبة، باستثناء جرعة صغيرة من الغيرة التي تعطي رونقاً خاصاً للعلاقة، إلا أن هناك بعض العوامل التي تعكر صفو الحب، كالخيانة وحب التملك وعدم الاعتذار، وتزداد الأمور سوءاً عندما يتشبث كل طرف بموقفه ورأيه، وتتوسع دائرة المشاكل والخلافات فيسود الجفاف وتنقطع العلاقة، سواء بالودّ والاحترام أو بقلوب ملؤها الحقد والكره.
في هذا الصدد، تحدث موقع listdose عن أبرز الأسباب التي قد تقف وراء تحول الحب إلى كراهية، من بينها:
الخيانة: تعتبر الخيانة أسوأ ما يمكن أن يحدث في العلاقة العاطفية، فعندما يخدعكم الشريك فإن ذلك يكون بمثابة ضربة قاسية وتصرف يخلّف وراءه جرحاً عميقاً قد يتحول إلى كراهية، فبمجرد أن تتخيلوا الشخص الذي خدعكم وخان ثقتكم، فإن ذلك سيجعل قلبكم يمتلىء بالغضب والكراهية تجاهه.
حب التملك: من الطبيعي أن تشعروا بالغيرة عندما تلاحظون أن شريككم يتحدث عن شخص آخر ويمدحه باستمرار، ومن الطبيعي أن تحصل بعض المشاكل بينكم وبين الشريك بسبب رغبتكم في الحفاظ على الطرف الآخر، إلا أن ذلك قد يتحول إلى هوس بالتملك، وهو أمر ينفر الشريك ويجعله يكرهكم ويقرر وضع حدّ للعلاقة التي تأسره.
غياب الرومانسية: عندما تكون العلاقة العاطفية في بدايتها، تكون الرومانسية في ذروتها، غير أن هذا الأمر قد لا يدوم، بحيث أن السحر قد يتلاشى مع مرور الوقت، فقد تستعيدون الذكريات الجميلة واللحظات القديمة وتسألون أنفسكم: لماذا تغيّرت الأمور كثيراً؟ وعندما تبحثون في الموضوع مع الشريك فإن هذا الأخير قد يجيبكم بأن المسألة مرتبطة بالتقدم في العمر، ولكم من المهم أن تعيدوا إحياء الحب حتى لا تقع العلاقة في فخ الفتور والجفاف.
محاولة تغيير الشريك: في بعض الأحيان قد تعتقدون أنه لمجرد أن يحبكم الشريك، فإنه سيكون على استعداد لفعل أي شيء من أجلكم، صحيح أنه لا مانع من تغيير بعض الأشياء الصغيرة والعادات البسيطة، إلا أنه عندما تحاولون تغيير أسلوب حياة شريككم بالكامل تبدأ المشاكل في الظهور، وكأنكم تعترفون أنكم في الأساس لا تحبون الشخص الذي هو عليه بل تريدون تغييره تماماً حتى تحبوه، وعليه سيفقد الطرف الآخر هويته ويصبح دمية بين أيديكم.
الكذب: عندما يبدأ الشريك باخفاء بعض الأمور عن الطرف الثاني، فإن علاقة الحب القوية قد تتدمر بسهولة، فإن الكذب يعني ببساطة أنكم لا تثقون بشريككم لإخباره بنواياكم، أو أنكم تفعلون شيئاً ما وأنتم على يقين بأنه لن يعجب الطرف الآخر، والكذب مسألة خطيرة، ولعل الجزء الأسوأ فيها هو عندما تنفضح الكذبة، إذ إن الثقة قد تصبح معدومة بين الطرفين وعندها تشق الكراهية طريقها إلى قلوبكم.
فيزيولوجية الحب والكره
اعتدنا أن نضع الحب والكره في قطبين متقابلين متباعدين، فنعتبر أن الشخص الذي يحب لا يمكنه أن يكره، وننظر إلى الكره كشعور لا يمت إلى الحب بصلة، غير أن الانفعالات البشرية أكثر تعقيداً من ذلك، فالحب والكره هما وجهان لعلاقة واحدة، وفق ما تؤكده الأخصائية في علم النفس نرمين مطر.
ففي حديثها مع رصيف22، أشارت مطر إلى أن الحب والكراهية هما من أكثر المشاعر التي يختبرها الإنسان في حياته والتي تختلف بحسب الظروف: "عندما يكره المرء فإن كراهيته تأتي من سبب معيّن، وعندما يحب فإن حبه يكون مرتبطاً بعوامل محددة".
اعتدنا أن نضع الحب والكره في قطبين متقابلين متباعدين، فنعتبر أن الشخص الذي يحب لا يمكنه أن يكره، وننظر إلى الكره كشعور لا يمت إلى الحب بصلة، غير أن الانفعالات البشرية أكثر تعقيداً من ذلك، فالحب والكره هما وجهان لعلاقة واحدة
وأوضحت نرمين أن مشاعر الحب والكراهية يمكن ترجمتها بالكثير من الأفعال، فشرحت ذلك بالقول: "يلي بحب بيقدر يسامح، يعطي ويقدم تنازلات... الحب هو عالم كتير واسع وما بينحصر بتعريف محدد، والأمر نفسه بينطبق على مفهوم الكراهية".
وكشفت مطر أن الإنسان بشكل عام بإمكانه أن يختبر تضارباً في المشاعر، كأن يحب ويكره في الوقت نفسه، إنما من المهم أن يتوقف على حقيقة مشاعره وتحليلها، إذ أن هذا الأمر يدلّ على الوعي وعلى الذكاء العاطفي"، على حدّ قولها، مشيرة إلى أن الانتقال من الحب إلى الكراهية قد يكون سريعاً وحاداً.
في الحقيقة، ليس هناك من تعريف دقيق للحب في علم النفس، ولا يتفق جميع علماء النفس على نظرية أن الحب هو عاطفة، إذ يعتبر البعض أنه نوع من "الجنون المؤقت"، جنون لذيذ يسمح للبعض بتجاهل إخفاقات الأشخاص الذين يحبونهم لفترة طويلة حتى الإنجاب مثلاً، ولبعض المحظوظين قد يبقى الارتباط العاطفي عميقاً ويستمرّ حتى الموت.
ويوضح موقع The Conversation أن الحب يجلب معه الدافع، بحيث أننا كبشر، ننجذب، وبشكل مغناطيسي تقريباً، لوجود اتصال وثيق وحميم مع أحبائنا، أما بالنسبة إلى فيزيولوجية الحب فهي واضحة تماماً: دقات قلب سريعة، فرط التعرق، تنفس بشكل سريع وتدفق الناقلات العصبية السعيدة.
وكشف الموقع أن هناك جانباً واحداً من الوقوع في الحب بوسعه مساعدتنا على فهم مدى سرعة التحول إلى الكراهية: في العام 1974، أجرى الباحثون تجربة مثيرة للاهتمام، طلبوا فيها من بعض الشباب عبور أحد الجسور للدردشة مع باحثة جذابة تقف على الجانب الآخر، واللافت أنه كان هناك جسر ثابت وآخر آيل للسقوط، وقد تبيّن أن الرجال الذين عبروا الجسر المتهالك (اختبروا ارتفاعاً في معدل ضربات القلب وتنفساً سريع) طلبوا من الباحثة مواعدتهم بعد المقابلة.
وقد تم تفسير هذه الدراسة على أنها تقدم دليلاً لنموذج العاطفة Schachter و Singer أي أنه عند وجود سبب غير مؤكد للاستجابة الفيزيولوجية، فإننا نبحث عن الأساس المنطقي قبل "الشعور" بالعاطفة الذاتية: ما حصل في الاختبار هو أن سبب ارتفاع معدل الأدرينالين لدى الرجال يعود إلى الجسر المتقلب، إلا أن هؤلاء المشتركين اعتبروا أن استجابتهم الفيزيولوجية هي رد فعل على انجذابهم للباحثة.
وعليه اعتبر الموقع أن الحب يمكن أن يكون مجرد خطأ إسناد هائل، ونظراً لكون فيزيولوجية الحب والكره متشابهة للغاية (زيادة معدل ضربات القلب والتنفس وما إلى ذلك) فإن أي تغيير إدراكي بسيط يمكن أن يحول الرغبة تجاه الشخص إلى جعل هذا الأخير موضوع سخرية، وقد يقود إلى ما يعرف بـ"جرائم العاطفة" أو "علاقة حب وكراهية".
تفاعل الدماغ البشري
الحب هو لغز قائم بذاته، وأحد جوانب هذا اللغز هو كيفية الانتقال بسرعة من حب شخص ما إلى الشعور بالكراهية تجاهه.
وبحسب ما يشرحه علم الأعصاب، فإن الحب والكراهية يرتبطان ارتباطاً وثيقاً داخل الدماغ البشري.
فقد وجد العلماء الذين يدرسون المفهوم الفيزيائي للكراهية أن بعض الدوائر العصبية في الدماغ، المسؤولة عن الشعور بالكراهية، هي نفسها التي تتنشط أثناء الشعور بالحب.
ففي الدراسة التي أجراها البروفيسور سمير زكي من جامعة كوليدج في لندن تم اختيار 17 شخصاً كشفوا عن شعورهم بالكراهية الشديدة لفرد واحد، وقد اختار معظمهم عاشقاً سابقاً أو شخصاً ينافسهم في العمل، هذا وقد أعربت إحدى النساء عن كراهية شديدة لشخصية سياسية مشهورة.
وبعدها قام البروفيسور زكي، بمساعدة جون رومايا من مختبر ويلكوم في قسم بيولوجيا الأعصاب، بتحليل نشاط الدوائر العصبية في الدماغ والتي أضاءت عندما عرضت أمام المشتركين في الدراسة صور تعود لأشخاص يكرهونهم، وبواسطة ماسح ضوئي تبيّن أن الدوائر العصبية تصبح نشطة عندما ينظر الأشخاص إلى صورة شخص يقولون إنهم يكرهونه، كما تبيّن أن "دائرة الكراهية" لديها قاسم مشترك مع "دائرة الحب".
ليس من فرق بين الحب والكراهية، كلاهما عبارة عن نار مشتعلة وارتباط حميم بين قلبين، غير أن سنوات من الحب والعشق والشغف قد تُنسى في لحظة من الكراهية
وتعليقاً على هذه الدراسة التي نشرت في مجلة بلاس وان، اعتبر البروفيسور سمير زكي أن هذه النتائج يمكن أن تفسر السبب الذي يجعل الحب والكراهية يؤديان إلى سلوك متطرف: "غالباً ما يتم اعتبار الكراهية شغفاً شريراً يجب ترويضه والسيطرة عليه واستئصاله في عالم أفضل، ولكن بالنسبة إلى علم الأحياء، فإن الكراهية هو شغف يحظى بالأهمية نفسها التي يحظى بها الحب".
باختصار ليس من فرق بين الحب والكراهية، كلاهما عبارة عن نار مشتعلة وارتباط حميم بين قلبين، غير أن سنوات من الحب والعشق والشغف قد تُنسى في لحظة من الكراهية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...