شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
كمامة الوقاية من الأمراض… لماذا ننبذها ونطاردها ونسخر منها في مجتمعاتنا؟

كمامة الوقاية من الأمراض… لماذا ننبذها ونطاردها ونسخر منها في مجتمعاتنا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 6 فبراير 202004:09 م

إذا كنت تعيش في إحدى البلاد العربية ولم تسافر قبلاً، فأنت غالباً لم تر أي شخص يرتدي كمامة مرأى العين، أو ربما شاهدت شخصاً يفعل ذلك ولكن لظروف قسرية، مثل المرض الشديد أو التظاهر، وربما ابتعدت عنه بضعة أمتار، إما اتقاء لشرّ ما يحمله من مرض مجهول، أو ابتعاداً عن قوات الأمن. نعم، في بلادنا الكمامات إما للمرضى أو للمتظاهرين، أما أن تكون للوقاية.. فتلك رفاهية غير مستحبة.

الشخص الذي يسعى لوقاية نفسه هو يفعل الشيء الصحيح لنا وله، فشخص سليم يرتدي كمامة خير من آخر مريض لا يرتديها.

في الحقيقة، ومن المرجح أننا جميعنا نعلم ذلك، الشخص الذي يرتدي كمامة في الشارع أو المواصلات، عكس المستشفيات والعيادات، فهو غالباً سليم صحياً ولكنه يخشى التقاط عدوى، أو أنه يعاني من مشاكل يسببها له الجو مثلاً، ثم أنه إذا كان بالفعل مريضاً، فمرضه لن ينتقل إليك طالما يرتدي تلك الكمامة، وإن كان مرضه ينتقل بأشكال أخرى، لكان الآن في غرفة حجر صحي ما.

لكن ذلك التفكير تحديداً، من الممكن أن يجبر شخصاً مصاباً بفيروس على التخلي عن كمامته تفادياً للازدراء الذي سوف يتحتم عليه مواجهته، أما عن رجل/امرأة قرر/ت ارتداء الكمامة كحماية، فذلك أصعب بمراحل في مجتمعنا، لعل السبب يعود إلى ما سيواجهه أي شخص يقرر النزول محتمياً بتلك الكمامة، أو كما قالت إحدى الصديقات في منشور لها، تسأل فيه عن الذي ينتظرها إذا ارتدت كمامة، بسبب مشاكل ضيق تنفس تعاني منها، وتخشى أن يتطور الأمر بسبب الزحام وأتربة القاهرة، ثم بدأت في عدّ طُرق السخرية المتوقعة تجاهها، مثل أنها لا تحب أن تعيش كالبقية، وذلك ما تعبر عنه جملة مصرية أصيلة "ما تعيش عيشة أهلك"، وغالباً لم يرتد أهلها كمامات، أو أن يعتبرها البعض مبالغة في تخوفاتها من المرض، وبين هذا وذاك، بعض الناس سيرون أنها نذير شؤم، وأن تلك الكمامة هي التي سوف تجلب كورونا الذي نسمع عنه إلى شوارعنا.

إذ قرر أحد ارتداء الكمامة كحماية، فذلك تحدي، لعل السبب يعود إلى ما سيواجهه في الشارع، أو كما تساءلت صديقة عن الذي ينتظرها إذا ارتدت كمامة، بسبب مشاكل ضيق تنفس، وتخشى أن يتطور الأمر بسبب الزحام وأتربة القاهرة، ثم بدأت في عدّ طُرق السخرية المتوقعة تجاهها

وبالحديث عن فيروس كورونا، منذ طفولتي، وقد شهدت العديد من تلك الأحداث التي يلعب فيها فيروس ما في دور البطولة، وعندما كنت أشاهد في التلفزيون آسيويين يضعون على وجوههم كمامة، وكذلك أوروبيين وأفارقة، كنت أحمد الله كثيراً على أنه لم يجعلنا مضطرين للاحتماء بهذا القناع مثل هؤلاء الناس، هكذا ظننت أن ما يحدث في التلفزيون ليس قريباً منا أبداً، ولم أكن أعلم بأن في مجتمعنا يأتي الفيروس ويأتي الموت ولا تأتي الكمامة مطلقاً، وكأن الناس يريدون لقاء المرض بوجه شجاع لا يهابه.

أما أن ترتدي كمامة فيجب أن يكون لديك سبب أكبر من مجرد كورونا أو مشاكل في التنفس، ففي مصر مثلاً، إذا ما ذُكرت الكمامة فأنت تتحدث عن السرطان فقط، نشاهدها في إعلانات هذا المرض حيث يرتديها الأطفال وقاية لهم بسبب مناعتهم الضعيفة، ويرتديها الزوار حفاظاً على الأطفال.

منذ أيام أطل علينا المذيع المصري شريف عامر، وهو يحاور مصريين عادوا لتوهم من الصين مرتدياً كمامة، الأمر الذي ترجمه الناس على منصات التواصل الاجتماعي على أنه إهانة لهم، وأنه كان الأجدر بالسيد المذيع عدم استضافتهم من الأساس بدلاً من الجلوس معهم بهذه الهيئة، وبغض النظر عن أن شريف وضع الكمامة في وقت لاحق لبداية الحلقة، على سبيل تعليم الناس كيف يرتدونها فقط، لكن ذلك يُخبرنا الكثير عن نظرة المجتمع لمن يرتدون الكمامات، تماماً كما وصفوا شريف بأنه متكبر يسعى لإهانة ضيوفه، سوف يرون أن من يضع كمامة هو حتماً يبادر بإهانة من سيلقاهم في الشارع، في المواصلات العامة، وفي العمل أيضاً.

السخرية من الوقاية لا تتوقف فقط عند الكمامات، لكنها تطال أشكالاً أخرى، فالأم التي تطلب عدم تقبيل طفلها، هي بنظر بعض الناس أم "موسوسة"، أي أنها تخاف على طفلها زيادة عن اللزوم، وأنه سوف يكبر ليُصبح "دلوع ماما" لأنه لم يتم التعامل معه مثل بقية أطفالهم "بلا خوف"

السخرية من الوقاية لا تتوقف فقط عند الكمامات، لكنها تطال أنواعاً أخرى من الوقاية، فالأم التي تطلب من أصدقائها عدم تقبيل طفلها في الفم أو الامتناع عن إعطائه الشوكولا لعدم إفساد نظامه الصحي، هي بنظر بعض الناس أم "موسوسة"، أي أنها تخاف على طفلها زيادة عن اللزوم، وأنه سوف يكبر ليُصبح "دلوع ماما" لأنه لم يتم التعامل معه مثل بقية أطفالهم بلا خوف.

كذلك الرجل الذي يصطحب معه أدواته عند الحلاق، ينظر له بعض الناس على أنه متكبر يتعامل معهم تعامل الصحيح مع الأجرب، يخشى مشاركتهم بضع أدوات، مثل الفرشاة أو ماكينة الحلاقة، رغم أنهم جميعاً يتشاركون تلك الأدوات بلا مشكلة تُذكر، وهكذا أمثلة عدة تجعل من الشخص الحريص كائناً فضائياً لا يمت للواقع بصلة ولا يُشبه الناس في مجتمعنا.

أخيراً، وكما تعلمنا وقرأنا في الورقة الأخيرة من كراساتنا الدراسية مراراً، فإن الوقاية خير من العلاج، وفي كل الأحوال، الشخص الذي يسعى لوقاية نفسه هو يفعل الشيء الصحيح لنا وله، فشخص سليم يرتدي كمامة خير من آخر مريض لا يرتديها بلا شك، وإن حدث ووصل فيروس كورونا إلى بلادنا، فالإجراءات الصحية الحكومية المتبعة لن تكون كافية لتقينا منه، حينها سوف نُجبر على ارتداء الكمامات، ولكن بعد أن يكسر بعضنا هذا التخوف من استهزاء الناس به، ليصبح لدينا عدد كبير من الضحايا، ضحايا الفيروس ومن قبله السخرية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image