تكشف حكايات المعلقات في غزة، اللاتي ينتظرن قرار المحكمة للبت في طلاقهن، ليس فقط القصور القانوني الذي ينتصر للرجل، ولكن أفعال عنف، وإهانات يرتكبها الأزواج بلا وجود رادع أو ضابط مجتمعي، يمنحهن حقوقهن الأساسية، وكأنه أمر واقع على المرأة الفلسطينية أن تتعايش معه.
"أعولها نهاراً ويضاجعها ليلاً"
بدأت قصة منى (اسم مستعار لربة منزل تبلغ من العمر 37 عاماً)، في عام 1998، عندما تزوجت وهي في الخامسة عشر من عمرها، بعد محاولات ذويها بإقناعها بزواج، حظيت إثره بسبع سنوات زوجية أولى، تصفها بـ"الهادئة والمستقرة نسبياً"، حتى انتقلت مع زوجها لمنزل مستقل عن العائلة.
بدأ يعود في ساعات متأخرة من الليل، أو صباح اليوم التالي، متذرعا بظروف وجوده في مناطق حدودية، وبدأت بمتابعته لتكتشف أنه على علاقة جنسية بأخريات: "عندما صارحته بما أعرف قام بضربي بشكل مبرح، حتى انكسرت قدمي وعظام من الصدر".
"تزوجت في الخامسة عشر من عمري، وعدت لزوجي بعد الطلاق تحت ضغط عائلتي".
"وعدت للمنزل بعدما تم سجنه وتعهده بالإصلاح، وبعد مرور شهور من تعهده، طالبني بالسفر لجمهورية مصر العربية لإتمام أوراقي الخاصة بالجنسية، وبعد العودة من القاهرة إلى غزة طلب مني الذهاب لإعالة صديقتي كونها مريضة بالسرطان، لأكتشف بأنني أذهب لإعالتها نهاراً وهو يذهب ليضاجعها ليلاً في منزلها، بحكم أنهما متزوجان عرفياً، وسألته عن حقيقة علاقته بها وصارحته بما أعرفه عنهما، فانهال عليّ بالضرب المبرح، قاذفاً إياي بكلمات تمس شرفي وعرضي".
ومع تطور علاقته مع أكثر من سيدة، بدأت منى تشكو، وكل مرة تتناقش معه بأفعاله، تحظى بضرب مبرح، ليصل به الحال بأن يطلق الرصاص الحي صوبها، بعد حديثها عن صديقتها التي أصبحت عشيقته ويضاجعها.
تقول منى لرصيف22: "قام بإخباري أنه سيسافر إلى مصر، وطلّقني وقال لي بأني محرمة عليه".
"بعد العودة من القاهرة إلى غزة طلب مني الذهاب لإعالة صديقتي كونها مريضة بالسرطان، لأكتشف بأنني أذهب لإعالتها نهاراً وهو يذهب ليضاجعها ليلاً في منزلها، بحكم أنهما متزوجان عرفياً"
كانت تلك المرأة الأولى، ولكنهما سرعان ما استأنفا علاقتهما الزوجية، بضغط من عائلتها، وكانت أحياناً تقوم بإعداد الطعام لهما، زوجها وزوجته الثانية، تقول منى: "في عام 2017، كان الفراق بعد ضربي لعدم طهوي الطعام الخاص بهما، وقلت له: قمت بطهو أكلة المفتول إن تريد تعال تناول أكلك عندي، على إثر هذه الجملة انهال عليّ بالضرب المبرح وشوه جسدي، وكاد يفقدني عيني، فهربت تاركة المنزل وقمت برفع قضية في المحكمة ضده، ولليوم يتم تسويف الأمور ولم أحصل على قرار بإقرار حقي الشرعي، بالرغم من مرور عامين على القضية".
"يقيدني ويضربني أثناء الجماع"
أما سلمى (اسم مستعار)، ربة منزل، فكان سبب "هروبها من بيت الزوجية"، حسب وصفها، قيام زوجها، وهو سائق، بالتعامل معها بوحشية في لحظات الجماع، من ضرب وربط يديها وقدميها بالسرير، ما دفعها من الهروب بعد مرور شهرين من زواجهما، رافضة العودة للمنزل من جديد رغم كافة المحاولات.
تقول سلمى (ربة منزل، 38 عاماً): "أنا إنسانة ولست حيواناً، والحياة الزوجية بما تحمله من تفاصيل حتى في الجماع، تكون ضمن الحدود دون عنف، وذلك بما تعارف عليه الشرع والعادات التي نشأنا عليها، واليوم مضى عام ونصف وأنا أحمل لقب معلقة، دون حصولي على حريتي، على الرغم من تقدم العديد من الخطاب، كوني بمقتبل العمر".
نهاد (اسم مستعار لغزاوية من أصول مصرية تبلغ من العمر 38 عاماً)، تزوجت عام 2007 من فلسطيني الجنسية مواليد مصر، وأنجبت أطفالها الثلاثة في مصر، تركها زوجها، وعاد إلى غزة عام 2012، قائلاً لها: "سأذهب زيارة يومين وراجع"، وامتدت المدة لسنة بذريعة أفضلية العمل في غزة.
تقول نهاد لرصيف22: "جئت لغزة عبر الأنفاق بعد التعرض للتهديد من قبله عام 2013، حين قال لي: إما بتيجي أنت وأولادك أو بأخذ أولادي وخليكي عند أهلك، الخيار لك".
أحست نهاد بالخوف، ومع وصولها عرفت أن أخيه الأكبر هو من طلب منه ذلك، عاشت في غرفة في شقة أخيه، واستمرت التدخلات في حياتها الزوجية، وخصوصياتها، مما دفعها لطلب الطلاق، ولم يعترض زوجها.
ولكنها أجلت قرارها 5 سنوات، تقول: "خوفي إني أتطلق عشان جيت عبر الأنفاق، وين أروح وأنا مليش حد، والكل بيخوفني".
"وقمت برفع قضية لكسب الحرية، واليوم دخلت بعامي الثاني دون الحصول على حقوقي الشرعية والقانونية، حيث لم يلتزم بدفع النفقة التي أقرتها المحكمة".
"الزوجة تدفع الثمن"
تثير قضايا المعلقات في المحاكم الكثير من الجدل حولها، من حيث مقدار الضرر الذي يلحق بالزوجة في عدم نيل حقها بشكل فوري ومتكامل، يقول القاضي الشرعي إبراهيم النجار، قاضي الاستئناف في المجلس الأعلى للقضاء الشرعي: "قضايا تعليق الزوجات بغزة مشكلة، في ظل تراجع الجسم القضائي بحسم هذه الملفات".
ويضيف النجار لرصيف22: "أن الشرع والتشريع أعطى الحق للزوجة المطالبة بالتفريق في حال تم إحداث ضرر بحقها، من تهجير أو حدوث شقاق ونزاع أو التفريق بالغياب، ولكن تواجه الزوجات عقبات حتى تحصل على قرار المحكمة، لكثرة الملفات وقلة عدد القضاة، إضافة إلى أن القانون مجحف، وذلك جراء عدم السماح للزوجة بالمطالبة في الحقوق الزوجية قبل مضي عام من الشقاق والنزاع وهجرها بيت الزوجية".
"هربت من بيت الزوجية بعد مرور شهرين، بسبب وحشيته في لحظات الجماع، يربط يدي وقدمي بالسرير، ويفعلها بوحشية... أنا إنسانة"
يوضح القاضي النجار أن القضاء يلجأ للجنة تحكيم خارجية، تعمل لفض النزاع والوصول لحلول، وفي حال عدم التوصل للحلول يتم دراسة الأقوال وإحالة قرار اللجنة للقضاء للبت في القرار، والذي يكون أحياناً غير منصف للزوجة، لتضليل الزوج لبعض الحقائق، مستغلاً خجل أو خوف الزوجة.
تشرح غادة الصوص، مسؤولة الوحدة القانونية في مركز الأبحاث والاستشارات القانونية والحماية للمرأة، طبيعة الإجراءات القانونية أكثر: "نقوم بدراسة ملف السيدات المعلقات في المحاكم بعد توجههن لدينا، ويتم رفع قضية تفريق مع إثبات وجود مشكلة، بداية رفع التفريق لعدم الإنفاق بعد مطالبتها بنفقاتها، ولكن عليها الانتظار ستة شهور، ليحق لها المطالبة بالتفريق جراء عدم التزام الزوج بدفع النفقة، ولكن نواجه مشاكل في حالات التفريق في الشقاق والنزاع، والذي بدوره يمر بخطوات قضائية طويلة الأمد، بعد إثبات الضرر، ما يجعلنا أمام تضليل وإنكار الزوج للحقائق".
"حالات التفريق في النزاع تمر بخطوات قضائية طويلة، ما يجعلنا أمام تضليل وإنكار الزوج".
وتضيف الصوص: "في غزة، باتت يظهر تفريق الغياب، وذلك بعد قيام الأزواج بالسفر والهجرة للخارج تاركين الزوجات في غزة، ومرور العديد من الأشهر دون تواصل أو إجراءات فعلية لإتمام التجمع من جديد، ما يجعل الزوجة تنتظر عاماً من الهجر والفرقة ليسمح لها المطالبة بتفريق الغياب بعد إثباته، ملحقاً العديد من الإشكاليات تدفع الزوجة ثمنها".
وصرحت الصوص لرصيف22 أن الاحصائيات الواردة من مركز الأبحاث والاستشارات القانونية والحماية للمرأة تفيد بأن عام 2019 شهد ارتفاعاً بعدد الملفات التي يعمل عليها، حيث بلغت 342 ملفاً لزوجة معلقة، حينما بلغت 252 ملفاً في عام 2018.
وأفاد القاضي النجار أن عدد ملفات المرحلة من عام 2019 للعام الجاري، المتعلقة بقضايا تعليق الزوجات داخل المحاكم الشرعية تجاوز 420 ملفاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين