يعتبر الثدي رمزاً للأنوثة وللأمومة في آن معاً، وهو من أكثر المناطق إثارة في جسم المرأة ومحرّك أساسي للرغبة الجنسية، فقد أظهرت الأبحاث أن بعض النساء يصلن إلى النشوة بمجرّد مداعبة الثديين، ولكن بهدف أن تشعر الأنثى بالمتعة في هذه المنطقة بالتحديد، يجب عليها أن تحب وتتقبل صدرها كما هو، وعدم مقارنة جسمها بأجسام النجمات المثيرات اللواتي يظهرن على أغلفة المجلات أو الشاشات.
ولكن نتيجة "الصناعات الإعلانية" التي تروج لمعايير جمالية معيّنة، والتي تعتبر أن الصدر الممتلىء هو "سلاح" فعال للإغراء الأنثوي، كما أنه يثير المخيّلة الشهوانية لدى الكثير من الرجال، قد تشعر بعض النساء بالقلق بشأن حجم الثدي لديهن، فيهرع بعضهن إلى طبيب التجميل لتكبيره وحشوه بالسيليكون، غافلات عن حقيقة أن الجمال يكمن في الاختلاف، وأن لكل شخص ميزاته الخاصة.
وفي المقابل، وفي الحديث تحديداً عن الشكل الخارجي، ففي حين أن بعض الرجال تجذبهم عيون المرأة أو شعرها أو ثغرها، والبعض الآخر تأسره ابتسامتها، هناك بعض الرجال الذين يعتبرون أن "أجمل ما في المرأة ثدييها".
ما الذي يجعل هذا الجزء من جسد المرأة يحظى بكل هذا الاهتمام؟
يبدو أن اهتمام الرجل بثدي المرأة يعود لأسباب علمية متعلقة بعملية التطور.
فقد كشفت إحدى الدراسات أن هنالك سببين أساسيين وراء انجذاب العديد من الرجال نحو أثداء النساء:
التشابه بين الأثداء والأرداف: في أشكالها، تشبه أثداء النساء المؤخرات وذلك لسبب وجيه، بحسب ما يؤكده العلماء التطوريون.
تقول هذه النظرية، إن هرمون الاستروجين الأنثوي يقوم بتجميع الدهون بالأرداف، وذلك لسبب تطوري تبيّن فيه المرأة للرجل أنها تتمتع بخصوبة عالية.
فالرجل الذي يميل إلى اختيار امرأة ممتلئة الصدر، ينظر إليها، من دون أن يعي ذلك، كخيار أفضل وأكثر فاعلية لإرضاع أطفالهما، كما أنه يراها قوية أكثر من الناحية الجسدية، لتحمل مشقّة الولادة وتربية الأولاد.
وفي هذا الصدد، قال عالم الأنثروبولوجيا بوبي لو، لصحيفة الصن البريطانية، إن المؤخرات المدوّرة "تطورت في سياق تنافس الإناث لجذب انتباه الذكور، ومن أجل الالتزامات الأمومية، حيث تمثل مصدر قوة للسيطرة على الذكور، على اعتبار أنها تمثل عرضاً صادقاً للدهون الاحتياطية".
الرجل الذي يميل إلى اختيار امرأة ممتلئة الصدر، ينظر إليها، من دون أن يعي ذلك، كخيار أفضل وأكثر فاعلية لإرضاع أطفالهما، كما أنه يراها قوية أكثر من الناحية الجسدية، لتحمل مشقّة الولادة وتربية الأولاد
وبدوره أوضح الأخصائي في العلاقات الجنسية الفريد كيند، أن البشر قديماً لم يكونوا يواجهون بعضهم أثناء ممارسة الجنس، وبالتالي كان الجزء السفلي هو "موقع العرض الجنسي الرئيسي".
من هنا يعتقد علماء الأنثروبولوجيا أن حب الرجال للأثداء ينبع من التشابه بينها وبين الأرداف، بخاصة وأنها أصبحت أكثر جاذبية عندما بدأ البشر بممارسة الجنس وجهاً لوجه.
رابط الرضاعة الطبيعية: بطبيعة الحال، تعتبر الوظيفة الأساسية للثديين هي تغذية الأطفال عن طريق الرضاعة، إلا أن بعض الباحثين يعتقدون أن الاهتمام الجنسي بالثديين يخترق دورة الرضاعة الطبيعية، بحيث يتم استخدامهما لغرض آخر.
فبحسب نظرية سيغموند فرويد، يمرّ الكائن البشري بعدّة مراحل في مسار تطوّر رغبته الجنسية، والتي تبدأ من فترة الرضاعة، حين يكتسب الطفل اللذة من بعض النشاطات التي يقوم بها عن طريق الفم/ مصدر الشهوة الجنسية. هذه المتعة تعود لتنعكس مع بلوغ الرجل مرحلة النضج، عندما يبدي اهتماماً أكبر بالثدي وبحجمه لدى المرأة، خصوصاً خلال الجماع.
بمعنى آخر تعتبر هذه النظرية أن سرّ انجذاب الرجل غرائزياً إلى ثدي المرأة يعود لمرحلة الطفولة.
والواقع أنه أثناء الرضاعة الطبيعية، يتم تحفيز هرمون الأوكسيتوسين المعروف بـ"هرمون الحب"، ما يولد إحساساً جميلاً، كما أنه يقوي الروابط بين الأم وطفلها، وبالمثل، عند تحفيز الثديين أثناء ممارسة الجنس، يتم إطلاق أيضاً الأوكسيتوسين، الأمر الذي يؤدي إلى الشعور بالسعادة والتقارب بين الثنائي، بالإضافة إلى الاسترخاء والرضا الجنسي.
في كتاب The Chemistry Between Us: Love, Sex, and the Science of Attraction، حاول كل من الباحثين في علم الأعصاب البشرية من جامعة إيموري في ولاية أتلانتا الأميركية، لاري يونغ وبريان اليكسندر، الوقوف على الأسباب العاطفية والبيولوجية والثقافية التي تكمن وراء انجذاب الرجال لأثداء النساء.
وتوصل الباحثان إلى القول بأن حب الرجال للأثداء يعود إلى ذكريات موجودة في اللاوعي، تتمحور حول تأثير تلاعب الأطفال بصدر أمهاتهم لجهة إطلاق الأوكسيتوسين: "عندما يتم إطلاقه، ينصب تركيز الأم على طفلها ويصبح الرضيع أهم شيء في العالم".
ولكن الأبحاث التي أجريت على مدار الأعوام القليلة الماضية، أظهرت أن هذه الدائرة ليست مخصصة للرضع فقط، إذ تبيّن أن تحفيز الحلمة يعزز الإثارة الجنسية لد الغالبية العظمى من النساء، وينشط نفس مناطق المخ، مثل تحفيز المهبل والبظر.
وعليه، اعتبر لاري يونغ أن التطور البشري قد استغلّ دائرة عصبية قديمة قد تطورت في الأصل لتعزيز الرابطة بين الأم والرضيع أثناء الرضاعة الطبيعية، بشكل جعل هذه الدوائر في الدماغ تستخدم لتعزيز الروابط بين الأزواج، والنتيجة؟ الرجال مثل الأطفال، يحبون الأثداء.
وقال يونغ: "عندما يلمس الرجل أو يدلّك ثدي شريكته، فإن هذا يؤدي إلى إطلاق الأوكسيتوسين في دماغ المرأة، تماماً مثل ما يحدث عند إرضاع طفل. ولكن في هذا السياق، يركز الأوكسيتوسين انتباه المرأة على شريكها الجنسي، ما يعزز رغبتها في الارتباط مع هذا الشخص"، مشيراً إلى أن الرجل في هذه الحالة يشعر بأنه مرغوب أكثر من قبل شريكته.
وقال لاري يونغ إنه "من الناحية البيولوجية، إن هوس الرجل بصدر المرأة هو غريب جداً"، مشيراً إلى أن "الرجال هم الثدييات الوحيدة المهووسة بصدر المرأة من الناحية الجنسية، والمرأة هي الوحيدة بين الثدييات التي يكبر حجم ثدييها عند البلوغ، ونحن أيضاً الفصيلة الوحيدة من الثدييات التي يقوم الذكور فيها بتدليك وتحفيز ثدي الأنثى باستخدام الفم، أثناء المداعبة والجماع".
ولكن السؤال الذي يبرز في هذا الشأن: لماذا حدث هذا التطور في البشر وليس في الثدييات الأخرى؟
بحسب لاري يونغ، فإن ذلك يعود إلى حقيقة أن الإنسان في الغالب ينخرط في علاقات أحادية، بعكس 97% من الثدييات الأخرى، أما السبب الثاني فقد يكون متعلقاً بكوننا منتصبي القامة ونمارس الجنس وجهاً لوجه، ما يوفر فرصة أكبر لتحفيز الحلمتين أثناء العلاقة.
هذا واعتبر يونغ أن انجذاب الرجل نحو ثدي النساء أمر نابع من الغريزة الإنسانية وليس وليد التنشئة الاجتماعية، قائلاً: "الصبيان لا يتعلمون في الملعب أنه يجب عليهم أن يهتموا بالأثداء، هذا الأمر بيولوجي ومتأصل بعمق في مخنا".
الاختلافات الثقافية
على غرار أي تفسير تطوري للثدي، تواجه نظرية لاري يونغ الكثير من الانتقادات، بخاصة في الشق الثقافي، فقد قال المتخصص في علم الإنسان فران ماسيا- ليز، إنه عندما يطرح علماء أحياء تطوريون سبباً عالمياً للسلوك والعاطفة، فإنه من المهم دوماً طرح السؤال التالي: ماذا عن الاختلافات الثقافية؟
فعلى الرغم من تفضيل أغلب الرجال الثديين وانجذابهم لهما، إلا أنه ليس من الواضح إذا كان هناك "اهتمام" عالمي تجاه الثديين، بحيث هناك ثقافات عديدة يختلف رجالها في انجذابهم عن باقي الثقافات.
التطور البشري قد استغلّ دائرة عصبية قديمة قد تطورت في الأصل لتعزيز الرابطة بين الأم والرضيع أثناء الرضاعة الطبيعية، بشكل جعل هذه الدوائر في الدماغ تستخدم لتعزيز الروابط بين الأزواج، والنتيجة؟ الرجال مثل الأطفال، يحبون الأثداء
ففي دراسة أجريت في العام 1951 على 191 ثقافة، وجد عالم الأنثروبولوجيا كليلان فورد، وعالم الأخلاق فرانك بيتش، أن ثديي المرأة مهمان جنسياً للرجال في 13 ثقافة. ومن بينها 9 ثقافات يفضل رجالها الأثداء الكبيرة، وثقافتان ينجذب رجالها للثدي الطويل والمتدلي، وهما الماساي في أفريقيا ومانوس في جنوب المحيط الهادئ، كما وأن هناك 13 ثقافة أخرى ركز رجالها على الثديين أثناء ممارسة الجنس.
في حديثه مع موقع رصيف22، أوضح الأخصائي في العلاقات الجنسية أنطوني حكيم، أنه من الناحية الأنثروبولوجية، هناك نظرية تشير إلى أن انجذاب الرجل لصدر المرأة يعود إلى الرمزية التي يحملها الثدي لجهة الدلالة على الخصوبة والرضاعة.
وكشف حكيم أن حجم الصدر يلعب دوراً مهماً بنظر العديد من الرجال: "ينجذب الكثير من الرجال للصدر الممتلىء، بحيث أن البعض يعتبر أنه كلما كان حجم الصدر أكبر، كلما كان ذلك دليلاً على أن المرأة تتمتع بصحة أفضل، مع العلم أن هذا الأمر ليس دقيقاً".
هذا وأشار أنطوني حكيم إلى أنه في science of attraction (علم الجذب) هناك الكثير من الأمور التي لا نزال نجهلها حتى الساعة، خاصة لناحية إعطاء أجوبة شافية حول الأسباب الكامنة وراء تفضيلات معيّنة.
في الختام يبقى جسد الإنسان، وبخاصة جسد المرأة، لغزاً غامضاً وعرضة للكثير من التكهنات الفلسفية والنفسية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...