بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات الشعبية، أصبح للبنان حكومة جديدة تضم بشكل غير مسبوق ست وزيرات لحقائب حساسة. لكن السؤال الذي يشغل الجميع هو هل تستطيع هذه الحكومة أن تنال استحسان الشارع المنتفض وتحقق مطالبه، وأن تقود البلاد بعيداً عن الانهيار الاقتصادي الوشيك؟
أعلن، مساء 21 كانون الثاني/يناير، تشكيل حكومة رئيس الوزراء حسّان دياب (61 عاماً)، من 20 وزيراً، يتولون المسؤولية الوزارية جميعاً للمرة الأولى عدا وزير البيئة دميانوس قطار.
للمرة الأولى في تاريخ البلاد، جرى إسناد ست حقائب وزارية لسيدات، أبرزهن زينة عكر عدرا التي تولت حقيبة الدفاع ومنصب نائبة رئيس الحكومة في سابقة تاريخية. وغردت عكر بعد تكليفها معربةً عن تشرفها بأن "تُقلد منصب وزارة الدفاع في دولة عربية".
ورأى ناشطون أن رئيس الحكومة أراد من وراء هذه الخطوة كسب ود المرأة اللبنانية التي كانت محركاً رئيسياً في الانتفاضة الشعبية.
وقال دياب للصحافيين: "هذه حكومة المرأة التي تشارك في السلطة التنفيذية قولاً وفعلاً وبقوة حضورها وفعاليتها وليس بمنة من أحد. حكومة تتولى المرأة فيها التمثيل الوازن (الثقيل). وحكومة تشغل فيها المرأة موقع نائب الرئيس لأول مرة أيضاً وأيضاً في تاريخ لبنان".
وأسندت وزارة العدل إلى ماري كلود نجم، ووزارة العمل إلى لميا يمين، ووزارة الدولة لشؤون المهجرين إلى غادة شريم، ووزارة الإعلام إلى منال عبد الصمد، ووزارة الشباب والرياضة إلى فرتينيه أوهانيان.
حكومة "استثنائية"
ولادة الحكومة الجديدة لم تكن سهلة برغم دعم حزب الله وحلفائه السياسيين وعلى رأسهم الرئيس ميشال عون، بعد الفشل في التوصل إلى اتفاق مع رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري المقرب من الغرب والخليج.
وفي معرض حديثه عنها، اعتبر وزير الخارجية اللبناني الجديد ناصيف حتّى أن هذه الحكومة تمثل "فريق إنقاذ" تكنوقراطياً، متعهداً العمل على تلبية مطالب الشارع المنتفض منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ومبيناً أن ذلك سيكون سريعاً، لا متسرعاً في ظل الضغوط الاقتصادية والمالية الهائلة.
حكومة المرأة… حكومة إنقاذ… حكومة اختصاصيين… حكومة اللون الواحد… حكومة استثنائية، تعددت التسميات ويبقى السؤال: هل تنجح حكومة حسان دياب في انتشال لبنان من الانهيار الاقتصادي وتحقيق الإصلاح الذي يتطلع إليه الشارع المنتفض؟
في الوقت نفسه، تعهد دياب تحقيق أهداف الانتفاضة الشعبية وانتشال البلد من أزمة اقتصادية تعد الأصعب منذ الحرب الأهلية.
وأضاف: "يعيش الوطن مرحلة صعبة من تاريخه. هذه الحكومة هي حكومة مصغرة لا تتمدد للتسويات وتوزيع جوائز الترضية الوزارية. حكومة فصل النواب عن الوزارة، وهي من دون نواب. حكومة اختصاصيين لا يقيمون حساباً إلا للغة العلم والمنطق والخبرة ومصلحة الوطن. حكومة غير الحزبيين لا يتأثرون بالسياسة وصراعاتها…".
وأردف: "كل وزير من الوزراء هو تكنوقراط بعيد عن السياسة".
وفيما أصر دياب على أن تشكيلته تمثل "حكومة بمواصفات استثنائية لظروف غير عادية" وتحمل "لون لبنان"، قوبل الإعلان عنها بانتقادات واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشارع.
ونزل متظاهرون إلى الشوارع عقب إعلان التشكيل، وأشعلوا الإطارات احتجاجاً في بعض مناطق العاصمة بيروت والشمال والبقاع وجبل لبنان.
وفتحت قوى الأمن خراطيم المياه على محتجين رشقوها بالحجارة، محاولين تسلق الجدار الحديدي الذي يفصل بينهم وبين مجلس النواب في وسط العاصمة بيروت.
كما دشن ناشطون وسم #تسقط_حكومة_الوكلاء، معلنين أن "حكومة الممانعة لا تمثلني"، و"لا ثقة في حكومة دياب"، ومعتبرين أنها ليست حكومة تكنوقراط ولا مستقلة .
في مواجهة بعض الأصوات التي نادت بمنح فرصة للوزراء الجدد لعلهم ينجحون في ما فشل فيه سابقوهم.
ويرى مراقبون وناشطون أن الحكومة الجديدة هي "حكومة اللون الواحد"، إذ يحسب وزراؤها على الأحزاب الكبرى، لا سيما التيار الوطني الحر بزعامة عون ورئاسة صهره وزير الخارجية السابق جبران باسيل، وحركة أمل التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري، وحزب المردة برئاسة سليمان فرنجية.
في حين تغيّب الحريري وتياره، المستقبل، عن الحكومة، بالإضافة إلى حزب القوات اللبنانية المناهض لحزب الله ويترأسه سمير جعجع والحزب التقدمي الاشتراكي الذي يقوده الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
وعلقت النائبة المستقلة والمناصرة للانتفاضة الشعبية بولا يعقوبيان على التشكيل عبر تويتر: "الوجوه الجديدة هي كرقعة جديدة على ثوب قديم. حسان دياب لم يلتزم وعده بتأليف حكومة مستقلين".
وكتبت الصحافية ديانا مقلد: "تبرز قوة الاختصاصات والاستقلالية في الحكومة الجديدة عبر سيرة الوزير الجديد عباس مرتضى التي لم تتجاوز السطر الواحد"، مردفةً "طبعاً كمان ما ننسى أنه هو أيضاً وزير ثقافة... تم جمع الزراعة مع الثقافة في خلطة تليق بممثل حركة أمل".
للمرة الأولى في تاريخ لبنان حكومة تضم ست وزيرات لحقائب حساسة، بينهن وزيرة دفاع ونائبة رئيس حكومة. ناشطون يعتبرونها "مغازلة" للمرأة اللبنانية التي كانت محركاً رئيسياً في الانتفاضة الشعبية
هل تحظى بدعم خارجي؟
ويتخوف لبنانيون من أن دور حزب الله في تشكيل الحكومة قد يمثل عائقاً أمام إقناع الدول الخارجية بمنحها الدعم المالي الضروري للخروج من الأزمة الراهنة، إذ قال نائب رئيس تحرير صحيفة "النهار" نبيل بومنصف لرويترز: "حتماً لن تكون مهمة سهلة أبداً على حكومة من هذا النوع أن تقنع العالم الخارجي بمساعدة لبنان".
غير أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رحب بتشكيل الحكومة الجديدة في لبنان، صباح 22 كانون الثاني/يناير، مؤكداً أنه سيعمل مع رئيس الوزراء الجديد على دعم الإصلاحات في إطار التزام المنظمة الأممية "تعزيز سيادة لبنان واستقراره واستقلاله السياسي".
والاختبار الأول أمام الحكومة الجديدة هو استحقاقات الديون السيادية، ومقدارها نحو 1.2 مليار دولار سندات مستحقة السداد في آذار/مارس المقبل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون