مقدمة لازمة من النوادر المُبكية
تولد الشائعات في مصر من قمة الهرم السياسي، ثم يتم دحرجتها إلى القاعدة الشعبية لتروّج وتنتشر وتصبح حقيقة لدى الجمهور، تُلهيه عما يفعله الساسة الكبار ببلد السبعة آلاف عام، حسب رأيي، والدليل هو شائعات عديدة، منها تلك التي ترددت عن فاروق حسني، وزير الثقافة المصري أثناء حكم الرئيس الأسبق مبارك، بأنه "مثلي الجنس".
سواء كانت المعلومة صحيحة أم لا، لأن المسألة هي حرية شخصية، لكننا نكتشف في عام 2012، وخلال حوار لـ"فاروق" مع بوابة الأهرام أنها غير صحيحة، حسب تصريحاته، فيقول فاروق حسني: "لستُ شاذاً جنسياً وتزوجت مرتين"، وقال أيضاً: "جريدة كان اسمها شباب الأحرار كتبت في بداية توليّ وزارة الثقافة أنني كنتُ أسير في مظاهرة للشواذ، فتقدمت ببلاغ ضدها، وقال لي المرحوم زكي بدر، وزير الداخلية وقتها: إنت عارف مين إللي عمل فيك الفصل ده؟، قلت له: مين؟، قال لي: موافى، سألته مين موافى، فرد: صفوت الشريف"، ويقصد وزير إعلام مبارك.
مع التحفظ على استخدام المثلية الجنسية "لجلب العار"، إلا أن هذه هي مصر التي كان وزراء حكومتها الكبار يحيكون لبعضهم "الفصول" ليسلوا أنفسهم عن أعباء السلطة التي أرهقتهم، على حساب حريات وحقوق الناس.
قد تكون تبريرات انعزال إيمان الطوخي مقبولة لدى صاحبها، لكن الحاسم في المسألة أنها حُرة... تمثل أو لا تمثل... هذا اختيارها... تغني أو لا...
آه، المقالة أصلاً عن إيمان محمد كمال الطوخي، المولودة في 11 كانون الثاني/ يناير 1958، وتخرجت في كلية الإعلام قسم الإذاعة والتليفزيون عام 1980، حين كان مبارك يستعد لتسلم حكم مصر، بعد عام تقريباً وهي في مطلع العشرينيات من عمرها، لكن بيئة الشائعات التي أوجدها نظام مبارك كانت جديرة لتكون مدخلاً للكلام.
راج عنها خطأ أنها ابنة قارئ القرآن محمود الطوخي، ونالت سخط الناس ودهشتهم بقولهم "سبحان الله! يخلق من ظهر العالم فاسد"، على اعتبار "حرمانية الفن" لدى الجمهور، لكن لا مانع عنده من تتبع أخبارهم وسماع أغنياتهم والاستمتاع بملامحهم وأجسامهم، لكن الحقيقة تقول إنها ابنة الممثل والإذاعي المصري الراحل محمد كمال الطوخي، صاحب الصوت الجهوري الشهير وأحد أزواج الممثلة المصرية الراحلة وداد حمدي.
حتى في اسمها لم تسلم من الأخطاء، لا عجب إذن من أن تعمل ابنة الرجل بالفن... فاسحبوا لعناتكم إن تفضلتم.
خطيبها الأول كان المخرج المسرحي الراحل فؤاد عبد الحي، لكنهما انفصلا لتُخطب للملحن محمد ضياء، الذي لحّن لها واحدة من أشهر أغنياتها: "النظرة الأولى"، واستمرت خطبتهما 3 سنوات ثم انفصلا، ليظهر في الأفق الفنان أحمد زكي الذي أراد الزواج بها، كما تقول حكايات الإنترنت غير الموثقة، لكنها رفضت الارتباط به لسبب غير معلوم.
حواديت نميمة سقطت فيها الفتاة جميلة الصوت والشكل، وتُوّجت بأهم الشائعات التي لاحقتها، ففي عام 1990 تم اختيارها لتقوم بشخصية "إستر بولانسكي"، الفتاة البولندية الإسرائيلية في مسلسل الجاسوسية الأشهر "رأفت الهجان"، "وهنا يُعجب بها مبارك ويتزوجها بل وينجب منها، فتعلم سوزان مبارك بالفضيحة وتطلب من الرجل الذي يحكم مصر، والبالغ من العمر 62 سنة، تطليق الفنانة التي بالكاد وصلت لسن 32 سنة، ثم بأمر سوزان تم استبعاد إيمان ووضعها في القائمة السوداء، فلم يعد يسمع عنها الجمهور شيئاً، وهي التي كانت ملء السمع والبصر في ثمانينيات القرن العشرين وأوائل التسعينيات منه".
عفواً... الأسطر السابقة تضمنت فقط شائعات، لم يكن بها شيء حقيقي سوى أداء إيمان الطوخي لدورها في مسلسل الجاسوسية الأشهر، لكن راجت بالطبع شائعة زواجها من مبارك وأخذت مساحتها وصار يسأل عنها كل مذيع ومذيعة في برامج "التوك شو"، بعد زوال حكم الرجل بثورة شعبية في 2011، لينفي سياسيون وفنانون الأمر بعد سكوت طال لأكثر من 20 سنة، فلا مبارك وعائلته نفوا القصة، ولا نفتها المطربة الممثلة، ولا جرؤ أحد على المساس بهذه الشائعة نفياً أو إثباتاً، ليس فقط من قبيل الخوف، لكن أظن أن السكوت كان مقصوداً، فمثل هذه القصص تسحب الاهتمام من تحت أرجل الشعب لتجرهم أمواج النميمة إلى أرض غير ذات زرع... أرض الغرق في "اللا شيء".
وقد فسر المفسرون اختفاء إيمان الطوخي المفاجئ بشائعة أخرى تفيد بارتباطها سراً بزكريا عزمي، رئيس ديوان رئاسة جمهورية مبارك، وبعد خلافات بينهما أبعدها عن التمثيل نهائياً.
بعد مسلسل "رأفت الهجان" راجت شائعة زواج الطوخي من مبارك وصار يسأل عنها كل مذيع ومذيعة في برامج "التوك شو"، بعد زوال حكم الرجل بثورة شعبية، لينفي سياسيون وفنانون الأمر بعد أكثر من 20 سنة، فلا مبارك وعائلته نفوا القصة، ولا نفتها المطربة الممثلة
تأثرت بمساوئ الوسط الفني، والذي لا يسلم منها أي وسَط آخر، فآثرت الغياب كشهاب خاطف ليبقى منها فقط وهج الشائعات ولتبقى هي، بناء على ذلك حتى اللحظة، نهب الفضاء الإلكتروني، الذي يعيد إنتاج الشائعات حولها للمتاجرة بها واستثمارها وعصرها حتى العظم
الاقتراب من السلطة في مصر أسوأ من الإمساك بدوائر الكهرباء... ومن أراد النفوذ فليتحمل صعق التيار… ربما يسأل سائل: ما الذي يستفيده صفوت الشريف من كون فاروق حسني، زميله في الحكومة، "مثلي الجنس"؟
إجابتي التكهنية تقول: إلصاق هذا الأمر بوزير ثقافة مصر ربما يكون وراءه رغبة في وصم كل المثقفين، لدى عوام المصريين الذين يعتبرون "المثلية" سُبّة. لم يكن الهدف إذن وصم فاروق حسني بل وصم من يديرهم في حظيرة الثقافة المصرية، وهم للأسف المنوط بهم طرح أفكار التغيير الشيطانية وخلافه، وبناء عليه: إذا ضربت الأب في مقتل يعيش أبناؤه كاليتامى.
وإذا انسحب السؤال على استغلال إيمان الطوخي في شائعات وهمية، ربما يكون تفسير إلصاق صفة الخصوبة الزائدة في الرجل الذي نال منه العمر، بل إنه لا يزال قادراً على الزواج من شابة جميلة والإنجاب منها، وبالتالي تنسحب صفة خصوبته إلى ميدان الحكم الذي لا يزال هو قادراً فيه على قيادة الدفة المصرية إلى بر الأمان، باعتبار أن الجنس لا يزال معياراً فكرياً لدى بعض المصريين، يشير إلى الفحولة وصحة البدن وبالتبعية صحة القرار والقيادة.
نعود إلى إيمان الطوخي، التي بدأت تختفي فعلياً من الساحة الفنية عام 1997 وقررت الاعتزال عام 2003، لـ"تعتني بوالدتها المُسنّة" ولأنها "لا تحب الشللية"، نافية ارتداءها الحجاب أو عودتها للظهور مرة أخرى ولو في حوار تلفزيوني، وعلل خطيبها السابق، الملحن محمد ضياء، اعتزالها بأنها "كانت مختلفة عن مطربات جيلها وحساسة بزيادة".
قد تكون تبريرات مقبولة لدى صاحبها، لكن الحاسم في المسألة أنها حُرة... تمثل أو لا تمثل... هذا اختيارها... تغني أو لا... لن ننشغل بذلك، كما لم ننشغل بكثير مما قدمت من فن، ربما نتوقف بتقدير أمام أعمال درامية قليلة جداً لها، مثل "ألف ليلة وليلة" و"رأفت الهجان" و"بوابة الحلواني"، وأغنيات أقل مثل "يا بت ياللي حمامك طار"، "يا قمر يا منور"... كانت خامة جيدة، لكنها افتقرت إلى الخبرة، خاصة في عالم الغناء، فبعد أن اقترنت بكبار الملحنين أمثال عمار الشريعي، والمؤلفين أمثال سيد حجاب، لم تسعفها خبرتها أو ذكاؤها الفني في تقدير ما هي عليه، وتأثرت بمساوئ الوسط الفني، والذي لا يسلم منها أي وسَط آخر، فآثرت الغياب كشهاب خاطف ليبقى منها فقط وهج الشائعات ولتبقى هي، بناء على ذلك حتى اللحظة، نهب الفضاء الإلكتروني، الذي يعيد إنتاج الشائعات حولها للمتاجرة بها واستثمارها وعصرها حتى العظم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...