ثقافة "تقبل الرفض" هي إحدى علامات النضج والرقي، غير أنها كثيراً ما تغيب في مجتمعاتنا الشرقية، لا سيما لدى الذكور الذين يعتبرون الرفض "مساساً بكرامتهم وإهانةً لرجولتهم".
صعّدت أغنية جديدة لمخرج الإعلانات والمؤدي المصري الشاب تميم يونس الجدل بشأن "تقبّل الرفض" على مدار اليومين الماضيين. بعد أغنية "أنتي أي كلام" قدم يونس على النسق نفسه أغنية "سالمونيلا" التي تهاجم الشريكة أو الحبيبة في إطار يبدو كوميدياً ضاحكاً وسط مجموعة من الراقصين وصوت الجيتار.
يبدأ يونس أغنيته بأسلوب يعكس الرغبة والولع، فيقول: "أنا شفتك مرة في حتة (مكان) وطلبتي لاتيه (مشروب ساخن)، فهروحلك نفس الحتة لحد ما أقابلك فيه. ومش همشي أنا قبل ما أخد رقمك فمتكسفنيش".
لكنه سرعان ما يتحول إلى التوعد والهجوم: "وإن قلتي لي لأ؛ يلعن أبو شكلك. بكرة يقابلك حد يقولك لأ تلؤ طعامتك تيجي في كرامتك، ويجيلك سالمونيلا وتصحي فشله (سمينه) وتجري ورايا متلحقنيش… عشان تبقي تقولي لأ".
"لو قولتيلي حاجة غير لا… دا أنا أجيبلك شبكة وشقة دورين حمام بتكييف. وأعملك بيتزا في بيتنا بجبنة تشد بعيد. وأتمنى أقوم من النوم جنبك ع قد ما أعيش، وعسيلي يغني في فرحنا والكل يهيص"، مرة أخرى يتحول إلى الترغيب.
ثم يهدد ثانية: "ليه تقولي لأ يا بيبي تقولي لأ ليه؟ ارفضيني بقرارك أنا عادي كده كده… بس هجري أقول لكل شاب إنك بنت مسكبة (غير متزنة). بلا فرح بلا شقة عشان تبقي تقولي لأ. هوبا عادي نسيتك فجأة. عنيكي طلعت لينسيز (عدسات) زرقا. معايا شنجن وإنتي لأ… عشان تبقي تقولي لأ".
نجح يونس في اكتساح "الترند" للمرة الثانية بعد الأغنية السابقة التي تقتصر على جملة واحدة والتي جعلت منه "نجماً لامعاً". أجبر غالبية الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، وبعض الدول العربية، على الحديث عنه وعن أغنيته.
يحسب ليونس ذكاؤه في تحقيق هذا الرواج لأغنيته، وساعده في ذلك عمله مخرجاً للإعلانات يركز على جذب المتفرج بغض النظر عن جودة ما يقدم، لكن عندما يتعلق الأمر بـ"حرية المرأة وأمانها الشخصيين" فينبغي أن نقول جميعاً ليونس "لأ".
المختلف هذه المرة أن كثيرين فطنوا إلى أن "المزحة" لم تعد لطيفة أو يمكن التغاضي عن الرسالة التي تحملها. انتبه هؤلاء إلى "الكراهية" و"التحريض" اللذين يفوحان من كلمات الأغنية المتخفية خلف ضجة اللحن.
علماً أن الأغنية "خفيفة الظل" وقد حظيت "بالإعجاب الواسع"، واعتقد البعض أن يونس لم يقصد ما فهم منها، وأن التعليقات الرافضة "أفورة نسوية ملهاش لزوم".
تميم يونس عمل احلي اغنية في ٢٠٢٠ خلاص ?? pic.twitter.com/th5Wt4QiH0
— ?????? ????. (@Moataz) January 1, 2020
لماذا لا يمكن التساهل مع كلماتها؟
ليس سهلاً الترحيب بكلمات أغنية كهذه في واحدة من أخطر البلدان على النساء إذ أثبتت دراسة ممولة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أن نحو 99% من النساء في مصر يتعرضن للتحرش الجنسي.
وكانت دراسة أجرتها مؤسسة تومسون رويترز، واستعانت فيها بخبراء متخصصين في مجال قضايا المرأة، قد بيّنت أن مصر "أسوأ مكان في العالم العربي يمكن أن تعيش فيه المرأة" أيضاً.
ربما ساهمت الظروف الراهنة في زيادة الهجوم على الأغنية، إذ تزامن إصدارها مع تداول مقطع فيديو "التحرش الجماعي ومحاولة اغتصاب في الشارع لفتاة في مدينة المنصورة" بعد حادثة مشابهة للتحرش الجماعي بفتاتين في مدينة الزقازيق (شرق البلاد).
"ليست أفورة نسوية"... في مجتمع تتعرض 99% من نسائه للتحرش الجنسي وتتكرر حوادث التحرش الجماعي لا ينبغي التساهل مع الأعمال المحرضة على المرأة يا تميم يونس
يونس برع في الترويج لمنتجه، أغنيته، دونما النظر لجودته. نعترف له بالذكاء في ذلك. لكن عندما يتعلق الأمر بـ"حرية المرأة وأمانها الشخصي" ينبغي أن نقول جميعاً له "لأ"
لعل هذا ما دفع الناشطة الحقوقية والمحامية المصرية نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، للقول عبر حسابها على فيسبوك: "المشرحة مش ناقصة قتلة… مينفعش في بلد لا يوجد به ميثاق إعلامي أو قانون يحمي الناس من العنصرية تخرج أغنية كهذه مخاطبةً مجتمع ذكوري. هذا يفتح باب للتنمر والعنف ضد الفتيات والنساء لا تعلم نهايته".
وأضافت أبو القمصان لرصيف22 أن الأغنية تمثل "جريمة كراهية وتحريض واضحة"، مردفةً "الأغنية سيئة وتجارية".
وحاول رصيف22 التواصل مع يونس للرد على هذه الانتقادات، لكنه لم يرد حتى نشر هذا التقرير. وكان قد خرج في مقطع مصور عبر حسابه على فيسبوك قال فيه: "مكنتش عايز أرد بس مضطر أوضح، معظم الناس حبت الأغنية، وتعليقات قليلة انتقدتها واعتبرتها ضد المرأة. الأغنية قصدت بها السخرية من الشاب الذي يمثل الرومانسية ثم يجن عندما ترفضه الفتاة ويقوم بتوجيه الإهانة لها واتهامها بأمور غير صحيحة ويعاملها بذكورية فيها نقص".
وعلل عدم توضيحه ذلك في "سكريبت" الأغنية بادعاء أن ذلك كان سيؤثر في "عنصر المفاجأة في الأغنية. أنا كنت بهزر ومش هبطل أهزر".
ورداً على "توضيحه"، قالت أبو القمصان: "أرفض أن يحاول يونس تقديم نفسه مثقفاً وصاحب هدف ورسالة. تعليقه مستفز لأنه يعمل في الإعلانات ويفهم جيداً في تأثير الدعاية وكيفية تحريك الرأي العام بأدوات متعددة".
وتابعت: "أفترض أنه يدرك دور الكلمة والصورة والحركة والإضاءة وحتى الملابس فى تشكيل الرسالة وتوجيهها، وأنه يعي ما قدمه بدليل مخاطبته فئة الشباب في مرحلة الدراسة الثانوية والجامعة، وهذا ما اتضح من لبس الراقصين زياً دراسياً".
وأشارت إلى أنه اختار للمرة الثانية أن "يبيع" منتجه مستغلاً الفتيات والنساء لأنهن الموضوع الذي يسهل تسويقه حتى في صفوف المشايخ والدعاة الذين يتركون الدين كله ويركزون على الحيض والنمص، وهذا ما يعني أنه يعرف ماذا يفعل.
وكان عدد من الناشطين المصريين قد أثاروا النقطة نفسها، فأوضحوا أن "يونس كرجل إعلان يعرف أنه لا يهم أن يحب الناس البراند (المنتج) أو لا، إنما المهم هو أن تتحدث عنه"، معتبرين أن الخطورة تكمن في أن "ملايين الفتيان من الطبقة المتوسطة واللي تحتها بيشوفوا في صورة تميم إلهام لنموذج الشب اللي نفسهم يبقوا زيه".
وذكّرت الناشطة أبو القمصان بأغانٍ كان لها تأثير سلبي في وضع المرأة في مصر، وفي الترويج للتحرش الجنسي، من بينها أغنية تامر حسني "أجمل حاجة بحبها فيكي".
وبرغم أن مطلع أغنية حسني "أجمل حاجة بحبها فيكي هي دي طيبة قلبك" عادي وطريف، فإن تصوير الأغنية انطوى على نظرات إيحائية وقحة، تقول أبو القمصان، في إشارة إلى "مؤخرة" الموديل في الأغنية المصورة.
وتضيف: "ظل الشباب يتبعون الفتيات طويلاً، وهم يكررون هذا المقطع معتمدين النظرة الوقحة نفسها التي ترهبهن وتقتحم أمانهن".
اللافت أيضاً أن فتاة تدعى دعاء فتفت اتهمت، عبر حسابها في فيسبوك، يونس بالتحرش بها أثناء عملها معه في أحد الإعلانات التي أخرجها.
وذكرت فتفت في منشورها: "وضع تميم يده على ظهري وضحك باعتبار أن هذه الحركة خفة ظل. كما روى لي عن سيدة وضع يده على قدمها في اجتماع عمل متباهياً بعدم قدرة السيدة على رد تحرشه هذا".
وختمت: "تميم أنت متحرش، لا تستطيع التعامل مع رفض النساء بشكل ناضج. أنت حر في صعود الترند. لكن ليس على حساب قضايا نسوية تحارب جمعيات وأشخاص من أجل زيادة الوعي بشأنها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ 3 أياملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...