في جلسة عقدت يوم الثلاثاء الماضي في إطار منتدى شباب العالم، كرر الرئيس عبد الفتاح السيسي السؤال الذي ألقته إحدى الصحافيات في المنتدى، وقال: "السؤال الخاص بالتواصل مع الشباب، وهل في إجراءات تانية إحنا بنعملها... طبعاً دا شيء مهم جداً جداً".
وبينما كان الرئيس يؤكد للصحافية الأجنبية العناية الكبيرة التي يوليها للتواصل مع "تنسيقية شباب الأحزاب" المصرية، كان أربعة من قادة هؤلاء الأحزاب يطالبون بإطلاق سراح 70 شخصية معارضة، جرى اعتقالهم مؤخراً لتعبيرهم عن آرائهم.
وخلال الأسبوع الماضي، سطعت أضواء الكاميرات في مدينة شرم الشيخ الواقعة في شبه جزيرة سيناء لتغطية السيرك الشتوي المعروف بمنتدى شباب العالم، وأصيب الجمهور بتخمة من عناوين الصحف التي أبرزت صور الروبوت صوفيا وجولاته ومسرحية عن سانتا كلوز والإرهاب، وجولة السيسي السنوية بالدراجة. وحاولت وسائل الإعلام تصوير منتدى شرم الشيخ باعتباره "منصة تفاعلية للحوار بين الشباب وقادة الدولة"، والتأكيد على خطاب من طراز "ضرورة تمكين الشباب" و"دعم الأحزاب" لكي تنتج جيلاً جديداً من القادة.
لكن العرض المسرحي الذي استمر ثلاثة أيام في شرم الشيخ كان محاولة للتغطية على الدراما الحقيقة لواقع المشاركة السياسية في مصر التي تشهد منذ سنوات تضييقاً حقيقياً للمجال العام، وهو مناخ يُنتظر أن تنعقد فيه الانتخابات البرلمانية خلال أقل من سنة، فيما بدأ المتطلعون إلى المقاعد في تشكيل التحالفات والإعداد للحملات.
تجري الإعدادات كذلك لإصدار قوانين جديدة منظمة للانتخابات المنتظر عقدها في تشرين الأول/ نوفمبر 2020. وبدأت الأحزاب بإجراء مشاورات بشأن صوغ تلك القوانين. ونقلت صحيفة الشروق المصرية أن عدداً من الأحزاب اشترط الإفراج عن المعتقلين السياسيين قبل خوض جلسات الحوار التي ينظمها البرلمان لمناقشة قوانين الانتخابات.
مصادر مطلعة صرحت للشروق بأن رؤساء أربعة أحزاب طالبوا حزب مستقبل وطن المسيطر على أغلبية مقاعد البرلمان بالتدخل والضغط من أجل إطلاق سراح المعتقلين. وقال فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إن حزبه، بالاتفاق مع حزب الإصلاح والتنمية وحزبي المحافظين والعدل، قدم لحزب مستقبل وطن قائمة تحوي أسماء 70 من الكوادر السياسية قيد الاعتقال.
وتشمل القائمة المذكورة أسماء عدد الأشخاص المنتمين إلى مجموعة أحزاب وحركات سياسية، منهم عبد الناصر إسماعيل، نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وعبد العزيز الحسيني، نائب رئيس حزب الكرامة، وخالد داود، العضو البارز في الحركة المدنية الديمقراطية والرئيس السابق لحزب الدستور.
حديث السيسي عن تمكين الشباب ودمجهم في العملية السياسية ضجيج بلا طحين. ملف مصر في حرية التعبير يصف الحال أكثر من خطب الرئيس ولقاءاته. هل لمصر أن تأمل مستقبلاً أفضل؟
مصر تبدو على حافة طريق صعب: العملية السياسية على وشك البدء والعقول الناقدة خلف قضبان السجون. والدولة تمارس الرقابة على مختلف المجالات، في الوقت الذي يتحدث فيه السيسي عن فتح الساحة أمام الجميع
خالد داود واحد من الرموز السياسية التي قُبض عليها في حملة اعتقالات شهدتها مصر هذا العام بعد تظاهرات انطلقت في المحافظات المختلفة نهاية الصيف الماضي، وأتت بعد سنوات من الجفاف الحركي. عندما اندفع الناس إلى الشوارع في 20 أيلول/ سبتمبر إثر عرض سلسلة فيديوهات نقلتها شبكات التواصل الاجتماعي، ردت قوات الأمن بحملة اعتقالات عشوائية استمرت عدة أسابيع، وكان في عداد ضحاياها 111 طفلاً، بالإضافة إلى استهداف أفراد على صلة بسياسيين، وصحافيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان.
تأتي الدعوة لإطلاق سراح السياسيين المعتقلين في وقت حرج، إذ يستضيف حزب مستقبل وطن جلسات لنواب البرلمان كي يشاركوا في وضع قوانين تنظيمية لن يقتصر تأثيرها في تشكيل مجلس النواب فحسب، بل يمتد أثرها إلى انتخابات المحليات، بالإضافة إلى مجلس الشيوخ الذي تم استحداثه في التعديلات الدستورية الأخيرة. وكانت الأحزاب الأربعة الداعية لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين قد طالبت كذلك بوضع قانون يعكس "التوازن والتنوع ويمثل جميع أطياف المشهد السياسي".
النائب عبد الهادي القصبي نائب رئيس حزب مستقبل وطن ورئيس تحالف الأغلبية في البرلمان "تحالف دعم مصر"، صرح للشروق: "لا داعي للخوف واليأس الموجود لدى عدد من الأحزاب تجاه جدية الحوار". وهناك تلميحات إلى أن حزب مستقبل وطن يسعى إلى إطلاق سراح المعتقلين.
عقب الجولة الثانية من مناقشة مشروع القانون، صرح القصبي بأن المشروع أُحيل إلى لجنة من الخبراء، مؤكداً أنهم "سيبذلون كل الجهد" للتثبت من دستورية مواد القانون. وعندئذ يُعاد المشروع إلى رؤساء الأحزاب المشاركة. ويتوقع القصبي أن تحصل نقاشات وخلافات بشأن بعض مواد القانون "ولكن لا خلاف على مصلحة مصر العظيمة".
لكن رد الفعل الأمني تجاه مَن كان لديهم أمل في انتخابات 2020 ضَمن إقصاء كل مَن لديهم وجهة نظر معارضة للمشهد السياسي خلال مراحل إعداد قانون الانتخابات الجديد.
المحامي والسياسي الشاب زياد العليمي، وكيل مؤسسي الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي ونائب رئيس الحزب، قُبض عليه في حزيران/ يونيو الماضي ومعه 11 آخرين، كلهم من الأكاديميين والصحافيين والسياسيين. ويُعتقد أن العليمي هو أحد القادة المؤسسين لتحالف سياسي ناشئ اسمه "تحالف الأمل"، وهو تحالف من عدة أحزاب بدأت سلسلة لقاءات على مدار شهرين في الربيع الماضي. ونشر موقع مدى مصر تقريراً يفيد بأن التحالف كان يهدف إلى جمع السياسيين وقادة الأحزاب والصحافيين الراغبين في خوض الانتخابات المقبلة تحت مظلة واحدة، لخوض انتخابات مجلس النواب في 2020.
وعوضاً عن العمل على بناء التحركات السياسية والجماهيرية لكسب مقاعد في البرلمان، يقضي الأعضاء الـ12 لتحالف الأمل وقتهم في الحبس على خلفية "قضية الأمل" التي تنظر فيها نيابة أمن الدولة، وهم متهمون بالـ"تخطيط لهدم الدولة" كما وجِّهت إليهم اتهامات بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين المُجرَّمة في مصر بموجب حكم قضائي صدر عام 2014. ويقول مصدر برلماني إن المتهمين في قضية الأمل كانوا من أشد المعارضين لجماعة الإخوان المسلمين.
من المتهمين في قضية الأمل، يأتي اسما زياد العليمي وحسام مؤنس، عضو حزب الكرامة، في عداد الكوادر السياسية الـ70 الذين تطالب الأحزاب بإطلاق سراحهم، في القائمة التي تعهد حزب مستقبل وطن بالسعي لدى الأجهزة المعنية إلى الإفراج عن الأسماء الواردة فيها.
الانتخابات البرلمانية المصرية في 2020 هي الأولى بعد تمرير البرلمان تعديلات دستورية في ربيع 2019. أضافت التعديلات عامين إلى فترة الحكم الحالية للرئيس عبد الفتاح السيسي وأزالت القيود التي كانت تمنعه من الترشح مرة ثالثة للبقاء في مقعده. كذلك نصت التعديلات على حق القوات المسلحة المصرية في التدخل لـ"صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد". وأخضعت التعديلات نفسها النظام القضائي لمزيد من سيطرة السلطة التنفيذية ممثلةً في الرئيس، إذ أعطت السيسي الكلمة الأخيرة في اختيار القضاة الذين يترأسون الهيئات القضائية الأربع الرئيسية في البلاد.
بالعودة إلى منتدى الشباب، واصل السيسي حديثه للصحافيين المدعوين عن جهود الدولة بغية جذب الشباب المصري إلى المشاركة السياسية، في اليوم نفسه الذي صوت فيه البرلمان للموافقة على تعيين 16 محافظاً جديداً، بينهم 11 من رجال الجيش المتقاعدين. كذلك حرص السيسي على تذكير الحاضرين بأكاديميته الرئاسية "لتدريب وتمكين" قادة الغد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...