كم مرة سمعت نكتة عن علاقة إحداهن بحماتها، وكم مرة شاهدت فيلماً يسخر من الحموات ومن تدخلاتهن في حياة العروسين، كم مرة قرأت مشكلة بين زوجة الابن وحماتها التي تضيِّق عليها حياتها، وتتحكَّم بكل كبيرة وصغيرة فيها؟ ربما مئات المرات.
"أنا حاسة أني متجوزة أمه.. مش متجوزاه هو"، هكذا لخّصت سيدة مصرية مشكلة هامة تعترض حياتها الزوجية، في منشور لها على أحد المجموعات النسائية المغلقة على "فيس بوك".
"استرضاء حماتي جرح كبريائي"
تحكي منى حسن (30 عاماً) مهندسة ديكور، من محافظة بورسعيد، عن علاقتها بحماتها: "تزوجت زميلي في العمل منذ 5 سنوات، كانت أول عامين منها أسوء سنوات عمري، وقبلهم شهور الخطوبة كذلك، كانت حماتي لا تطيقني مهما فعلت".
في البداية حاولت منى استرضاءها، وكسب ودها، بناءً على نصيحة والديها، فأكثرت من الزيارات والمكالمات الهاتفية والهدايا، تقول: "كل هذا فشل، مع الوقت سئمت محاولاتي، وبدأت أشعر أن تلك المحاولات تجرح كبريائي أنا، فتوقفت عن كافة ما أفعله لاسترضائها، بعدها عرفت بشكل غير مباشر من أحد أقارب زوجي، أنها كانت تود تزويجه لابنة أخيها، تلك القصة التقليدية".
ولم تنته المشاكل بين منى وحماتها بعد الزواج، بل تصاعدت الأمور، تقول منى لرصيف22: "بعد الزواج، أخذت حماتي تفتعل المشاكل من أقل هفوة، مثلاً لو ألقت التحية ولم أسمعها، لو نادت مرة ولم أرد عليها في نفس اللحظة، وغيرها من الأمور التافهة والبسيطة كانت كفيلة لاشتعال الأمور بيننا، حتى قرر زوجي أن يوقف التعامل بيننا بشكل نهائي، تجنباً لأي مشكلات، لم نعد نتفاعل مع بعضنا سوى في الأعياد أو أي مناسبات، سواء سعيدة أو حزينة".
"لم نعد نتفاعل مع بعضنا سوى في الأعياد".
وعن سبب تعامل حماتها الجاف معها، تقول منى: "في قرارة نفسي، أعلم أن حماتي ليست شريرة، ولكن السبب الرئيسي الذي يقف وراء عدائها لي، أنها تتعامل بنفس المنطق الذي يتعامل به المجتمع ككل مع الأبناء، فهي تعتبر أن ابنها هو من ضمن ممتلكاتها، فهي التي حملته، وقامت برعايته منذ أن كان "حتة لحمة حمرا"، لذلك فإنها تستمد من هذا المنطق أحقيتها في تحديد مصيره، من يتزوج؟ ماذا يدرس؟ ماذا يأكل ويشرب؟ وللأسف تلك أفكار راسخة في مجتمعنا، ولكن لابد وأن تتوقف، وأن يكون هناك حدود لسلطة الوالدين على أبنائهم".
"طلبت الطلاق بسبب حماتي"
"دي ماكنتش حماتي، دي كانت ضرتي"، هكذا وصفت هند عامر (28 عاماً)، ربة منزل ومطلقة منذ عام ونصف، من محافظة البحيرة، علاقتها بحماتها.
تحكي هند: "الزيجة كانت تقليدية، كان جارنا ومسافر للعمل خارج مصر، ثم عاد في إجازة ورآني، أعجب بمظهري، أقمنا حفل خطوبة أسري، وفي السنة اللاحقة تزوجنا، كانت الأمور تسير على ما يرام، حتى بدأت تحضيرات الزواج، تحولت حماتي من امرأة هادئة لامرأة أخرى مختلفة كلياً".
"أتى يوم، ورأت زوجي يقبلني مودعاً وهو ذاهب إلى أصدقائه، فجن جنونها، وأخذت تصرخ في وفيه، وصفعتني على وجهي، متهمة إياي أنني غير مهذبة وأن أهلي لم يربوني جيداً"
"في الطب النفسي، هناك ما يسمى الحتمية النفسية، أي ما حدث مع الأم وهي لازالت زوجة جديدة، تعيد ممارسته مرة أخرى مع زوجة ابنها، لاعتبارات ذكورية بحتة، تتشبع بها"
تتحدث منى بتفاصيل أكثر عن علاقتها بحماتها: "بدأت حماتي بالتدخل في كل كبيرة وصغيرة، هي التي اختارت الأثاث، طلاء حوائط الشقة، والمفروشات، كل قشة جاءت للمنزل كانت من اختيارها هي، لم أهتم كثيراً، فكنت أقول لنفسي: "عايزة تفرح بابنها"، لكن لاحقاً بدأت ألاحظ غيرتها على ابنها، فمثلاً لو ضحكنا أمامها، أجدها تنهرني أو تفتعل شجاراً لتنكّد على كل الجالسين، حتى أتى يوم، ورأت زوجي يقبِّلني مودعاً، وهو ذاهب إلى أصدقائه، فجُنّ جنونها، وأخذت تصرخ فيّ وفيه، وصفعتني على وجهي، متهمة إياي أنني غير مهذبة، وأن أهلي لم يربوني جيداً، الصفعة كالقشة التي قسمت ظهر البعير، فهاتفت أبي وأخوتي وأتوا وأخذوني، وقررت ألا أعود للمنزل إلا إذا اشترى زوجي لنا شقة مستقلة بعيد عن بيت العائلة، وأن والدته تعتذر لي ولأمي على إهانتها الكبيرة لي، وجدت زوجي يرفض شروطي، وأخذ يردد كلاماً من نوعية: "ست كبيرة خديها على عقلها"، وكأن كبر السن رخصة لإهانة الناس، أو أنه يسقط الأهلية عن صاحبه، فتطلقنا".
على عكس منى، لا ترى هند تفسيراً منطقياً مقبولاً لتصرفات حماتها، تقول: "ليس هناك تفسير واحد منطقي لتصرفات حماتي السابقة، فأنا كنت أشعر أنني في منافسة على حب زوجي واهتمامه، وهو ما يناقض الواقع تماماً، فهي أمه ولها مكانتها الخاصة واحترامها، وأنا زوجته ولي مكانة مختلفة ومشاعر مختلفة، لكنها هي لم تفهم هذا".
"أفسدت فرحتي بطفلتي"
أما ولاء سعيد، اسم مستعار (31 عاماً)، ربة منزل، متزوجة منذ 10 سنوات، من محافظة الفيوم، اختارت أن تعيش في بيت يضم عائلة زوجها، ما منح حماتها مساحة أكبر للتدخل في حياتها وإفساد، ليس فقط حميمية علاقتها بزوجها، ولكن فرحتها بمولودها.
تقول ولاء لرصيف22: "أعيش في بيت عائلة، وكان هذا أسوء وأسخف قرار أخذته في حياتي، للأسف، فرغم كل الوعود بأنه ستكون لي مساحتي الخاصة، وعندما جاء وقت التطبيق كان الوضع مختلفاً تماماً، فأنا لا أشعر بأي خصوصية، بالعكس، أحيانا أشعر وكأني أعيش في الشارع، نسخة من مفتاح شقتي مع حماتي، لذلك فأصبح عادياً جداً، أنا أكون جالسة فأجد من يفتح علي باب بيتي دون استئذان، أكون مثلاً في زيارة لأمي، وعندما أعود أجد من دخل بيتي وعبث بأغراضي وملابسي، وهكذا".
وبعد أن أنجبت ولاء، تطور الأمر، تقول: "عندما أنجبت فتاة في أول حمل لي، حوَّلت حماتي فرحتنا بالطفلة الجديدة لما يشبه صوان العزاء، رغم أننا جميعاً كنا نعرف أن المولودة بنت منذ شهور، لكنها بذلت كل جهدها لإفساد فرحتنا، حتى أنها منعتنا من إقامة "سبوع" للاحتفال بالمولودة، ليس هذا فقط، بل وأصرت على تسميتها على اسم والدتها، لولا تدخل زوجي، خاصة أن الاسم قديم جداً وسيكون سبباً لسخرية الناس من ابنتي، وغيرها العشرات من المواقف اليومية، التي تبدأ منذ استيقاظنا من النوم، حتى ننام مرة أخرى".
"عنف الحموات تقاليد ذكورية"
يستخدم الدكتور روبرت بطرس، يعمل في الاستشارات الأسرية، "الحتمية النفسية" كوصف لما يتفاعل في نفوس بعض الحموات باتجاه زوجات أبنائهم، يقول: "في الطب النفسي، هناك ما يسمى الحتمية النفسية، أي ما حدث مع الأم وهي لازالت زوجة جديدة، تعيد ممارسته مرة أخرى مع زوجة ابنها، لاعتبارات ذكورية بحتة، تتشبع بها".
يشرح بطرس فكرة "الحتمية النفسية" أكثر: "منها مثلاً أن الرجل هو المهم، وأن الزوجة ليست سوى خادمة له ولأهله، وأنها ليست أفضل من حماتها حتى تعامل بشكل أفضل، لذلك فنجد تلك الممارسات الأسرية تورث من جيل لجيل".
يضيف بطرس: "كذلك هناك أعراف وتقاليد اجتماعية، تضيف هالة من القداسة على الأمهات، فنجد الابن غير قادر على أن يكون منصفاً أو أن يخبر والدته مثلاً بأنها أخطأت في تصرف ما، بالإضافة طبعاً للموروث الديني الذي يتوافق مع هوى الموقف: الأم هي وصية النبي، الجنة تحت أقدام الأمهات، الخوف من الوقوع في عقوق الوالدين، وغيرها".
"الثقافة الذكورية تُشعر المرأة التي أنجبت الذكر بأن لها الحق أكثر من الزوجة".
ويشير بطرس أن انتشار الثقافة الذكورية تُشعر المرأة التي أنجبت الذكر بأن لها الحق أكثر من الزوجة، يقول: "هي التي أنجبت الذكر، لذلك فمن حقها أن تشترط وتتحكم، ويكون لها الكلمة العليا في كل شيء، والتفضيل هنا ليس في الإنجاب فقط، وإنما في كل مناحي الحياة، اجتماعية ودينية، كلها تصب في اعتبارات القوة والهيمنة الذكورية".
ويلحظ بطرس تغيراً في تعامل الأجيال الجديدة بندية مع والديهم، ولكن بنسبة ضئيلة، "فلازالت ثقافة الحدود الصحية في التعامل داخل الأسرة الواحدة ليست منتشرة أو معروفة لقطاعات كبيرة جداً، والحدود الصحية هنا، أن كل طرف يعرف واجباته وحقوقه، مثلاً على سبيل المثال، الزوجة ليست مطالبة أو مجبرة على القيام بمهام منزل حماتها أو خدمتها، وأن فعلت هذا فهو تطوع مشكورة عليه، وليس فرضاً".
ويثمن بطرس فكرة السكن المنفصل عن العائلة الأم، حيث يكون هناك مساحة خاصة بالزوجين فقط بعيداً عن تدخل أهاليهما.
وعن أهم السلوكيات التي تحد من تدخل الحموات السلبي، يقول بطرس: "من الأمور الهامة كذلك، أن الزوج هو الذي يقف أمام تسلط والدته، والزوجة هي التي تقف أمام تسلط والدتها، هذه التفصيلة الصغيرة قد تمنع تحول العلاقات الأسرية لعداء، كذلك إرساء قواعد الخصوصية، وتلك الحدود لا تنقص الحب والمودة، وأخيراً، أنه ليس هناك طرف له الأفضلية على الآخر، سواء عاشوا في بيت عائلة أو سكن منفصل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...