أحالت النيابة العامة في المغرب، الجمعة 20 كانون الأول/ ديسمبر، إلى المحاكمة ناشطاً حقوقياً بتُهم تتعلق بالمس بالمقدسات وإهانة العلم الوطني، عقب اعتقاله قبل يومين في مدينة الخنيفرة (وسط المغرب).
وأوقفت الشرطة الناشط عبد العالي باحماد، المعروف باسم "بوذا غسّان"، في سياق حملة اعتقالات واسعة تشنها السلطات، منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، مستهدفةً ناشطين وحقوقيين ينتقدون سياسات الحكومة وأوضاع البلاد الاجتماعية، في تصعيد غير مسبوق منذ حراك الريف عام 2017.
ونقل موقع هسبريس عن حقوقيّيين أن "بداية أطوار هذا الملف تعود إلى الثلاثاء المنصرم لما استمعت العناصر الأمنية إلى الناشط المعتقل نحو خمس ساعات، ليتقرر في ما بعد نقله إلى بني ملال لاستكمال التحقيق معه".
الكل في حريّة مؤقتة
وقال رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عزيز غالي إن سبب متابعة باحماد بهذه التهم تدوينات سابقة نشرها على حسابه الفيسبوكي، "تدل على أن جميع مستعملي فيسبوك هم في حالة حريّة مؤقتة".
وأضاف غالي في تصريح لـ"آشكاين" المغربي أن حالة غسان بودا "تبين أن الدولة تنتظر الفرصة لشن محاكمات على نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي بسبب تدوينات سابقة".
واعتبر غالي حملة الاعتقالات الأخيرة "ردة حقوقية"، ولفت إلى أنه "عوض أن تفتح الدولة المجال لمستعملي الفضاء الرقمي للتعبير عن وجهات نظرهم، ضمن ما يسمى بالصحافي المواطن أو الصحافة المواطنة"، تلجأ مرة أخرى، حسب تعبيره، "إلى إرهاب الجميع من خلال إصدار أحكام مشددة جداً تذكّر بسنوات الرصاص".
وعندما يتحدث المغاربة عن سنوات الرصاص فإنهم يعودون بالذاكرة تحديداً إلى فترة من حكم العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، شهدت، حسب سياسيين وحقوقيين، قصف متظاهرين في الريف و"انتهاكات جسيمة مارسها النظام آنذاك ضد معارضيه من اعتقال قسري بدون محاكمة إلى سرية أماكن الاعتقال ثم التعذيب وقتل المتظاهرين".
استنكار
في سياق متصل، قال الإعلامي المغربي سعيد السالمي في تدوينة على فيسبوك: "لا أدري ما هي التفاصيل التي استنطِق من أجلها عبد العالي باحماد، ولكن إذا كان هذا المنشور الذي قال فيه 'إن في المغرب عاطلين، أنا والأمير رشيد'، فذلك مستوى آخر من السرعة التي مروا إليها في هتلرة المغرب".
وأضاف السالمي: "إذا كان الأمير رشيد (شقيق الملك) مقدساً هو الآخر فيجب متابعة كل الذين هاجموا الأميرة سلمى بعد طلاقها من الملك، والذين يهاجمون الأمير هشام (ابن عم الملك) منذ 20 سنة"، إذ غادر الأخير القصر الملكي قبل سنوات، وانتقد في عدد من تصريحاته النظام الملكي في المغرب.
وتساءل: "من سيجرؤ بعد اليوم على أن يتكلم باسم حقوق الإنسان داخل منظومة المخزن (النظام الحاكم)؟ أليس حرياً بكل المواقع الإخبارية التي تحترم نفسها أن تلقي ببلاغات خدام المخزن في القمامة بعد اليوم؟".
ورأى الحقوقي المغربي خالد البكاري أن التهم التي وجهت لباحماد تجعل منه "معتقل رأي"، واعتبرها "دليلاً على أن الدولة ماضية في نهج تكميم الأفواه، وإشاعة مناخ التخويف، عبر استثمار الإمكانات التي تتيحها قوانين فضفاضة تسمح بتأويلات قد تفضي في أي لحظة بأي صاحب رأي معارض نحو السجن".
السلطات في المغرب تحاكم ناشطاً حقوقياً بسبب تدوينات قديمة له على موقع التواصل الاجتماعي. رئيس جمعية حقوق الإنسان: "جميع نشطاء فيسبوك هم في حالة سراح مؤقت"
وتيرة اعتقال منتقدي سياسات الحكومة في المغرب تتصاعد... متابعة ناشط حقوقي على خلفية "المس بالمقدسات" و اتهام مدوّن بـ"إهانة شخص الملك" والحكم على فنان بتهمة "إهانة مؤسسات نظامية"
وأضاف: "لا أعرف ولم أطلع على التدوينات التي توبع بسببها، لكن يكفي الحديث عن المس بالمقدسات، أو تحقير المؤسسات، أو إهانة العلم، أو ما شابه ذلك من تهم فضفاضة، لاعتبار السيد باحماد معتقلاً بسبب الرأي"، موضحاً أن المتابعة "لم تتم لا بالقذف ولا بالاحتيال ولا بالدعوة للعنف أو الكراهية أو التمييز العنصري".
حملة اعتقالات مفاجئة
قبل أسبوعين، أحالت النيابة العامة في المغرب، في 3 كانون الأول/ ديسمبر، المدون محمد السكاكي المعروف بـ"مول الكاسكيطة" إلى المحاكمة بتهم "السب العلني للأفراد، والإخلال العلني بالحياء، وإهانة المؤسسات الدستورية، وحيازة المخدرات".
وأضافت إلى ملفه، في الـ20 من الشهر نفسه، تهمة جديدة تحت عنوان "إهانة شخص الملك". كل هذا جاء بعد أن انتقد عبر فيديو، نشره في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، خُطَب العاهل المغربي محمد السادس واعتبرها "مجرد خطابات شكلية لا يتم تنزيلها على أرض الواقع".
وبالتزامن مع متابعة السكاكي، تم اعتقال مدون آخر معروف باسم "مول الحانوت" في مدينة تيفلت على خلفية فيديوهات تتضمن مواضيع سياسية.
ولكن الحملة لم تبدأ هنا، بل بدأت حين أصدرت السلطة قبل أسبوع من اعتقال السكاكي، حكماً بالسجن النافذ مدّة عام على مغني الراب المغربي محمد منير المعروف باسم "سيمو الكناوي" بتهم تتعلق بإهانة الشرطة من خلال بثه مقطع فيديو يسبّ فيه أفراد الأمن بعدما "أوقفوه سخروا منه وأذلوه"، حسب تعبيره.
ورجح ناشطون ومنظمات حقوقية دولية أن تكون الأغنية التي أصدرها الشهر الماضي تحت عنوان "عاش الشعب" رفقة اثنين من مغني الراب المغاربة هي السبب الحقيقي وراء سجنه، ويستمر الأخيران في الاختفاء عن أنظار الأمن بعدما أعلنا أنهما ملاحقان منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وتضمنت الأغنية رسائل نقد قاسية موجهة للسلطة، وكانت قد حظيت بتفاعل واسع، إذ تجاوزت خلال ستة أيام 8.5 مليون مشاهدة، متصدّرةً بدلك الترند في المغرب منذ يوم نشرها على موقع يوتيوب.
وينص الفصل 179 من القانون الجنائي المغربي على العقوبة بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وبغرامة تصل إلى ألف درهم (100 دولار أمريكي) لكل من ارتكب إهانة موجّهة إلى شخص الملك أو إلى شخص ولي العهد، ولمن ارتكب إهانة موجّهة إلى أعضاء الأسرة الملكية.
ويعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة تصل إلى 200.000 درهم (20 ألف دولار أمريكي)، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أساء إلى الدين الإسلامي أو النظام الملكي، أو حرض على الوحدة الترابية، حسب الفصل 267 من القانون نفسه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...