هو ممثل قادر على الإبهار بأفكاره وشخصياته "المطرقعة"، كما يجيد لغة شريحة كبيرة من الشباب، في عقله أفكار لشخصيات لا أحد يعرف عنها شيئاً، وسيناريوهات وأغاني راب يضمن نجاحها مسبقاً، المصطلح الأدق لوصفه هو "كتالوج فني" يسير على قدمين، هذا هو أحمد مكي بالنسبة لي ولكثيرين.
كيف يمكن أن يسلك أحد طريقه وسط "عتاولة" جيل الألفية، وعلى رأسهم أحمد السقا ومحمد هنيدي ومحمد سعد الطاغي بشخصية "اللمبي"؟ كان ذلك هو السؤال الموجّهة لشخصية "مهووسة" بالفن وتخرّجت من معهد السينما. الإجابة هي "الثورة"، أي الثورة في الأفكار والشخصيات، والتي اعتمدها أحمد مكي في بداياته، وإن كانت بداية مكي إخراجية بفيلم "الحاسة السابعة"، لكنه سرعان ما وجد ضالته في شخصية "هيثم" بمسلسل "تامر وشوقية" عام 2006، الولد صاحب الشعر المنكوش والحديث المليء بكلمات إنجليزية وإيماءات مثيرة للضحك باليد.
صنع محمد سعد شخصية "اللمبي" وصارت مُسجّلة باسمه، وهكذا فعل مكي بشخصية "هيثم" التي ظهر بها في فيلم "مرجان أحمد مرجان" بجوار عادل إمام، ثم في فيلم كامل حمل عنوان "إتش دبور" في 2008، واكتسح وقتها قائمة الإيرادات.
بجانب بعض أغنيات "الراب" التي زادت من شعبيته، ومحاولات إخراجية، لم يهدأ الشاب الممتلئ بأفكار فنية، فبعد عامين فقط ابتكر شخصية "الكبير أوي" في مسلسل استمر من عام 2010 وحتى 2015، وشهد المسلسل ظهور شخصية "حزلقوم"، التي تعد أيقونة كوميدية بملامحه "البرتقالية" ونبرة صوته في الحديث وسطحيته الجالبة للقهقهة، وهو ما استثمره مكي جيداً في فيلم "لا تراجع ولا استسلام"، في 2010، وتصدر أيضاً شباك التذاكر.
غياب ثورة مكي
بتلك التركيبة استطاع مكي أن يتخذ مكانة منفردة بين نجوم جيله، هو لا يشبه أحداً ولا أحد يشبهه، لكن منذ عام 2010 - صدور الجزء الأول للكبير أوي- وحتى الآن، أي عشرة أعوام، ومكي لا يبارح مكانه ولا يبتكر، بل كل ما يفعله هو استنساخ لشخصيات ناجحة لا أكثر، فالشاب "الثوري" هدأ والأفكار "المطرقعة" لم تعد موجودة.
أقول ذلك بمناسبة ما تم الإعلان عنه من استعداد أحمد مكي لتقديم شخصية "حزلقوم"، ضمن عمل مسرحي قريباً، وذلك على خشبة مسرح " كايرو شو"، حيث تم الانتهاء من القصة ولم يبق إلا وقت قليل للعرض، بحسب تصريحات منتج العرض، مجدي الهواري، هذا بجانب استعداده لجزء جديد من مسلسل "الكبير أوي"، لرمضان المقبل.
خلال 20 عاماً، وهو عمره الفني، وباستثناءات بسيطة، مثل "سمير أبو الليل" و"طير أنت"، انحسر مكي في ثلاث شخصيات هم: "أتش دبور، الكبير أوي وحزلقوم"، ورغم أنها شخصيات ناجحة لكن الاعتماد على تلك الشخصيات لمدة عقدين تجعل من المهمة بمثابة عملية استنساخ، حتى أن مكي اختفى رمضان الماضي لأنه لم يجد بطلة لـ"الكبير أوي"، ما يؤكد أنه أصبح أسيراً لمدرسة "الكاريكتر" التي قد تسعف بعض الوقت، لكنها في النهاية تؤدي إلى "الموت الفني" الذي يسير فيه مكي الآن، حسب رأيي.
"الكاريكتر يكسب أكتر"
"الكاريكتر يكسّب أكتر"، جملة قالها منذ سنوات طويلة الفنان محمد سعد حين سألوه عن تكرار "اللمبي" في أكثر من عمل فني، فأوضح لهم أن المدرسة التي تعتمد على شخصية بعينها مضمونة النجاح والفاعلية، لكن السنوات أثبتت خطأ وجهة نظر سعد، ففيلمه الأخير "محمد حسين" أكمل سلسلة السقوط التي بدأها "سعد" منذ سنوات، وتحديداً حين اعتمد على شخصية "اللمبي" كعنوان لنجاحه الفني.
إن مدرسة الكاريكتر التي قضت على محمد سعد ويقع أسيراً لها اليوم أحمد مكي، تعتمد بالأساس على ابتكار شخصية فنية، وما إن تنجح جماهيرياً حتى يتمسك بها البطل ويقوم بتكرارها في أكثر من عمل، وهي مدرسة لا تحتاج إلى إمكانيات فنية هائلة، فيكفي أن يتمكن الممثل من شخصية واحدة ثم يكررها كثيراً بعد ذلك، لذلك فهي الأنسب لأصحاب القدرات المحدودة.
خلال 20 عاماً، وهو عمره الفني، انحسر مكي في ثلاث شخصيات هم: "أتش دبور، الكبير أوي وحزلقوم"، ما يؤكد أنه أصبح أسيراً لمدرسة "الكاريكتر" التي قد تسعف بعض الوقت، لكنها في النهاية تؤدي إلى "الموت الفني" الذي يسير فيه مكي الآن
إن مدرسة الكاريكتر التي قضت على محمد سعد ويقع أسيراً لها اليوم أحمد مكي، تعتمد بالأساس على ابتكار شخصية فنية، وما إن تنجح جماهيرياً حتى يتمسك بها البطل ويقوم بتكرارها في أكثر من عمل، وهي مدرسة لا تحتاج إلى إمكانيات فنية هائلة
ولأن نجاحها الجماهيري في البداية مضمون، يصبح فشلها في النهاية مضموناً أيضاً، لأن الجمهور وصل لحافة الشبع منها، وقد حفظ "الإفيهات" وأصبحت الشخصية متوقعة، ما يجلب الملل، وبالتالي، فإن عدداً من الممثلين قد لجؤوا إليها كطريق مؤقت لانتشالهم من إخفاق فني، وهو ما فعله محمد هنيدي في فيلم "رمضان مبروك أبو العلمين حمودة"، حيث قدّم نفس الكاريكتر في مسلسل حمل نفس الاسم، لكن "هنيدي" بذكاء اكتفى بالعملين بعد أن استعاد بريقه الفني، وهو ما لم يفعله محمد سعد، صاحب الإمكانيات الفنية الهائلة حين استسلم لها.
إسماعيل ياسين الاستثناء... قليلاً
وفي اعتقادي أن الفنان اسماعيل ياسين هو رائد مدرسة الكاريكتر، فالمتتبع للأعمال الفنية للراحل العظيم، يجدها لم تخرج عن شخصية واحدة كوميدية ساذجة في أحيان كثيرة وباتت "الإفيهات" محفوظة، وحتى نهايات كثير من الأفلام معروفة، ولم يخرج "سُمعة" طوال حياته عن تقديم تلك الشخصية أو ربما هو لم يجد غيرها.
لكن مع ذلك، فقد خدمت إسماعيل ياسين ظروف كثيرة لم تتوفر لمن سار بعده في تلك المدرسة، فالظروف السياسية شجعته أن يستمر في أعماله الفنية التي تتناول حياة العسكرية، وكيف أن الشباب يدخلونها لا يعرفون شيئاً ويخرجون منها أبطالاً، كان ذلك مطلوباً وفعله إسماعيل ياسين وحصد النجاح، لكن بمجرد زوال تلك الظروف مات "سمعة" فنياً قبل أن يرحل عن الدنيا.
لم أتوقع أن أكتب يوماً عن أحمد مكي لأطالبه ألا يكرر نفسه وألا يهدر طاقاته الفنية وسنين الإبداع الحقيقية، في شخصيات حفظها الجمهور، كيف ذلك وهو فنان عنوانه "التجديد"... لكن ما يحدث الآن يستلزم أن أقول له ذلك وأطلب أن يبحث عن أدوار فنية بعيداً عن "مدرسة الكاريكتر"، لأنه ليس من أصحاب القدرات المحدودة، بل إمكانياته الفنية أكبر... ولأنه يكفينا خسارة محمد سعد، الذي بحّ صوتنا لكي يعود ويتذكر أنه محمد سعد قبل أن يكون "اللمبي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...