حسب معاجم اللغة العربية، الأسطورة هي "قصة أو حكاية تمتزج فيها مبتدعات الخيال بالتقاليد الشعبية وبالواقع، أو حديث لا أصل له"، والأسطوري هو غير الواقعي أو غير الحقيقي. تجذب الأساطير السامعين، أو القراء، إليها، ما يجعلها أداة تستعمل في التعليم، التوجيه أو لتمرير فكر معين.
نجد الأساطير ترافقنا في مراحل حياتنا المتعددة ولها أوجه مختلفة، منها أيضاً السياسية. مثلاً، تنشر سياسات الاحتلال الإسرائيلي الكثير من الخرافات والأساطير، للهيمنة على المجتمع الفلسطيني، يظهر فيها المحتل كبطل منقذ للفلسطيني من مآسيه، ومنها ما يعود سبب وجودها أصلاً، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لوجود الاحتلال وسياساته.
من الأساطير التي تكثف إسرائيل نشرها، هي أسطورة حماية المثليين/ـات أو المتحولين/ـات جنسياً. حسبها، توفّر اسرائيل الحماية لكل مثليّ/ـة أو متحول/ـة جنسياً يحتاج/تحتاج إلى مساعدة، بالأخص الفلسطينيين.
من الأساطير التي تكثف إسرائيل نشرها، هي أسطورة حماية المثليين/ـات أو المتحولين/ـات جنسياً. حسبها، توفّر اسرائيل الحماية لكل مثليّ/ـة أو متحول/ـة جنسياً، بالأخص الفلسطينيين.
هذه الأسطورة هي واحدة فقط من الأدوات التي تستعملها إسرائيل في حملة الغسيل الوردي، التي تسعى إلى تبييض وجه الاحتلال والترويج لإسرائيل بأنها دولة متسامحة وحامية للمثليين/ـات، تصورها كـ"جنة" للمثليين/ـات في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى أسطورة الحماية، هناك كذلك عمل مستمر على تعزيز فكرة أن المجتمع العربي الفلسطيني بأكمله لا يتقبل المثليين/ـات ويسعى باستمرار إلى تعنيفهم، لتبقى إسرائيل هي المفر الوحيد.
الواقع يختلف، فهناك مثلاً جمعيات ومؤسسات فلسطينية تدعم التنوّع الجنسي، تبادر لمشاريع متنوعة في المجال وتقدم الاستشارة والمساعدات الممكنة لأفراد ذوي ميول جنسية مختلفة، منها جمعية "القوس للتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني"، مجموعة من الناشطات والناشطين، تقوم على أسس وقيم نسوية وكويرية مناهضة للاستعمار وكافة أشكال التمييز، تعمل على إحداث تغيير مجتمعي جذري.
تعمل جمعية القوس بالتفاعل مع قضايا المجتمع الفلسطيني الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية والثقافية، وتطمح إلى العمل على نطاق فلسطين التاريخية، بالرغم من سياسات التجزئة والفصل العنصري الإسرائيلية.
أحد مشاريع "القوس" المتعددة، هو ملتقى "هوامش"، مبادرة بدأت مع بداية سنة 2014 وما زالت مستمرة حتى اليوم. إن "هوامش" هو لقاء فكري اجتماعي، يضع القضايا الاجتماعية والسياسية المرتبطة بقضايا التعددية الجنسية والجندرية في الواجهة، لينقلها من أمور موجودة على الهامش، إلى محط اهتمام مجتمعي عام، كونها تمسّ المجتمع بأكمله. تقام اللقاءات في مناطق ومدن فلسطينية مختلفة، منها حيفا، رام الله، نابلس ويافا.
"استغلال إسرائيل لقضايا التعددية الجنسية والجندرية ليس جديداً"
مؤخراً، نظمت "القوس" لقاء في مدينة يافا الفلسطينية، تحت عنوان "أسطورة حماية المثليين وصناعة اللجوء الإسرائيلية"، لمناقشة الطرق التي تعزّز فيها المنظومة القانونية حلقة العنف الممارَس على فلسطينيين يعيشون توجهات جنسية وجندرية مختلفة، والأبعاد الاجتماعية والنفسية لصناعة اللجوء وأسطورة الحماية التي تخلقها في المخيّلة الفلسطينية.
بالإضافة إلى توسيع النقاش حول مقال أصدرته "القوس" بعنوان: "تل أبيب تحمي المثليين؟ عن الهروب إلى أسطورة إسرائيليّة"، بالشراكة مع موقع متراس. يعرض المقال أسطورة الحماية هذه ويتطرق إلى تغييرات وأحداث حصلت مؤخراً، عززت الخطاب الاسرائيلي حولها.
ذكرت "القوس" في دعوتها للقاء بأن: "النقاشات حول الغسيل الوردي والاستغلال الإسرائيلي لقضايا التعددية الجنسية والجندرية لمكاسب استعمارية ليست جديدة، إلا أنه مع تطور توجه المؤسسات الإسرائيلية واستراتيجيات وصولها لفلسطينيين يعيشون توجهات جنسية وجندرية مختلفة، تحول خطاب الغسيل الوردي إلى "صناعة" سياسية واقتصادية واجتماعية لـ"اللاجئ الفلسطيني المثلي"، والترويج لأسطورة تدّعي توفير الحماية له، إلا أن للواقع صورة مختلفة تماماً".
الجانب السياسي للأسطورة
بدأ اللقاء مع حنين معيكي، مديرة مؤسسة القوس، التي تحدثت عن الجانب السياسي "لأسطورة" الحماية وسياق عمل الحراك الكويري مع هذا الموضوع، حسب المقال الذي أصدرته "القوس": "الكوير مصطلح يضم مختلف التوجهات الجنسية والجندرية المتعددة، كما يشكل اليوم توجهاً سياسياً يشير إلى نشطاء يخالفون السلطة والمنظومة الاجتماعية السائدة".
تعمل جمعية القوس بالتفاعل مع قضايا المجتمع الفلسطيني الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية والثقافية، وتطمح إلى العمل على نطاق فلسطين التاريخية، بالرغم من سياسات التجزئة والفصل العنصري الإسرائيلية.
قامت معيكي بداية بعرض تسلسل الأحداث تاريخياً منذ بداية سرد هذه الأسطورة، وبحسبها، فقد بدأت هذه الأسطورة تتبلور بعد الانتفاضة الأولى واتفاقية أوسلو. في تلك الفترة، سكن بعض الفلسطينيين من مناطق الضفة الغربية في تل-أبيب ويافا، منهم المثليون/ـات وغيرهم من الفلسطينيين لأسباب مختلفة، كالعمل أو الاستكشاف والبحث عن فرص جديدة.
ما أدى إلى ظهور تساؤلات حول هذه الحركة ووجود فلسطينيين في تل-أبيب، فأصبحت القضية سياسية – أمنية، ليس فقط من المنظور الإسرائيلي، وأيضاً بالنسبة للأجهزة الفلسطينية. وجود فلسطينيين/ـات مثليين/ـات في تل-أبيب في تلك الفترة، حفز بداية الحديث عن اللجوء الكويري وتصوير مدينة تل-أبيب كفقاعة آمنة تحمي من ينجح بالوصول إليها، بالذات المثليين/ـات والمتحولين/ـات جنسياً.
أضافت معيكي بأن: "خطاب المؤسسات الإسرائيلية المثلية الوحيد الموجود، هو أن هناك وجود لمؤسسات إسرائيلية مثلية تعتقد وتؤمن بأن الفلسطينيين الموجودين في الضفة الغربية مقموعون، وهي التي سوف تنقذهم. هذا الخطاب يمحى وجود أي حراك مثلي فلسطيني. ففي الإعلام المحلي والعالمي، تعمل هذه المؤسسات الإسرائيلية على تعزيز وصايتها وحضورها كالمنقذة، أولاً، عن طريق نفي وجود أي حراك فلسطيني من هذا النوع. ثانياً، عن طريق الترويج لحوادث يمارس فيها عنف مجتمعي على أشخاص مثليين فلسطينيين، لتخدم السياسيات الإسرائيلية".
الجانب القانوني للأسطورة
في الجزء التالي من اللقاء، عرض علاء خاطر، محام وناشط في القوس، الجانب القانوني لأسطورة الحماية هذه، بداية بأن: "القانون الإسرائيلي لا يشمل تعريفاً لمن هو لاجئ، بل يعتمد على "الاتفاقية الدولية لحقوق اللاجئين"، بحسب الاتفاقية وموقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: "اللاجئ هو شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل/ تستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد".
بحسب هذا التعريف، أكمل خاطر: "يحق لمثلي/ـة أو متحول/ـة جنسياً، الملاحق/ة في دولته بسبب ميوله/ا الجنسية، تقديم طلب اللجوء حسب الاتفاقية الدولية تحت بند الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة".
بشكل عام، ومن خبرة خاطر في العمل كمحام لقضايا اللاجئين، إن "عدد الأفراد الحاصلين على اللجوء في إسرائيل منذ قيامها حتى اليوم، لا يزيد عن 65 شخصاً، ما يوازي أقل من 1% من عدد طالبي اللجوء. كثيرون من طالبي اللجوء، يأتون من أريتريا والسودان في أفريقيا، بعد أن وصلتهم أساطير عن دولة إسرائيل، فيها تصوّر سياستها كديموقراطية حامية للاجئين إليها. تستند منظومة اللجوء الإسرائيلية كثيراً في رفضها طلبات اللجوء على بنود الإقصاء المذكورة في الاتفاقية الدولية لحقوق اللاجئين، بالأساس بنود الإقصاء الأول والثاني".
كما وضّح خاطر، فإن بند الإقصاء الأول ينص بذلك أن طلب اللجوء يُنفى إذ كان/ـت طالب/ـة اللجوء يحصل على مساعدة من أي منظومة تابعة للأمم المتحدة. يُستغل هذا البند من قبل منظومة اللجوء الإسرائيلية لرفض طلبات لجوء يقدمها فلسطينيون/ـات، بحجة وجود مؤسسات الأونروا التي تقدم المساعدات للفلسطينيين "أجمعهم".
ويضيف: "في الواقع، للأونروا قابلية تقديم المساعدات لحوالي 20% فقط من سكان الضفة الغربية، إضافة إلى ذلك، بحسب القانون الدولي وإرشادات الأمم المتحدة، إذا انتقل الشخص من المكان الذي يقدم له فيه مساعدات من مؤسسات معينة، إلى مكان آخر فيه لا تقدّم له هذه المساعدات، يحق له تقديم طلب اللجوء".
أما بند الإقصاء الثاني، كما أكمل خاطر، ينص أن على الشخص طالب اللجوء إثبات أنه لا توجد عنده إمكانية التنقل في دولته إلى مكان بعيد عن الخطر، يكون فيه بأمان. تستغل منظومة اللجوء الإسرائيلية هذا البند أيضاً عند نفي طلبات لجوء قدمها فلسطينيون، بحجة أنه بإمكانهم الانتقال إلى مكان آخر، بالرغم من كون الاحتلال الاسرائيلي مستعمراً ومسيطراً على جميع مجالات الحياة الفلسطينية، منها حرية التنقل.
وتابع خاطر: "الاستعمار ينتج لاجئين ويخلخل الأمان داخل المجتمع الفلسطيني، من ناحية أخرى يَعِد بالأمان ووجود الحلول التي يرفض في نفس الوقت منحها". من هنا، حسب رأيه، يتوضح كذلك من ناحية قانونية كون حماية اللاجئين/ـات مثليين/ـات، أسطورة، وليس واقعاً.
تروّج إسرائيل نفسها بأنها متسامحة وحامية للمثليين/ـات، كأنها "جنة" للمثليين/ـات في الشرق الأوسط. كما أنها تعمل باستمرار على تعزيز فكرة أن المجتمع الفلسطيني لا يتقبل المثليين/ـات ويسعى باستمرار إلى تعنيفهم، لتبقى دولة إسرائيل هي المفر الوحيد
بدأت أسطورة إسرائيل حامية للمثليين/ات جنسياً بالتبلوّر بعد الانتفاضة الأولى واتفاقية أوسلو، ما أدى إلى ظهور تساؤلات حول وجود فلسطينيين في تل-أبيب، فأصبحت القضية سياسية – أمنية، ليس فقط من المنظور الإسرائيلي، إنما أيضاً بالنسبة للأجهزة الفلسطينية.
التحديات أمام الاستعمار
قبل الوصول إلى الجزء الأخير من اللقاء الذي شمل نقاشاً مفتوحاً مع المشاركين، قامت الناشطة الاجتماعية، راية منّاع، بمداخلة تطرّقت فيها إلى الصعوبات والمعضلات التي يواجهها الأفراد، المجموعات والمؤسسات، في هذا السياق. حتى في الحالات التي يسعى فيها الفلسطينيون المساعدة، يقف الاستعمار في وجههم ويزيد الصعوبات.
مثلاً، عندما يتوجه/تتوجه فلسطيني/ـة من الضفة الغربية شخصياً إلى فلسطيني/ـة من الداخل، لطلب المساعدة في الهرب من وضع يهدده، يجد/تجد فلسطيني/ـة الداخل نفسه/ـا في معضلة، لأنه حسب القانون الإسرائيلي، مساعدة شخص في الدخول من الضفة الغربية إلى الداخل من دون تصريح من الجيش الإسرائيلي، عقابه السجن.
إن الجمعيات والحركات الشعبية تواجه كذلك الكثير من التضييقات والمحدودية، بسبب القانون الإسرائيلي والمنظومات السياسية التي تضيّق مجالات عملهم وإمكانيات الوصول إلى كافة أجزاء المجتمع الفلسطيني.
فُتح النقاش وطُرحت العديد من التساؤلات حول الإمكانيات المتوفرة للفلسطينيين، بغض النظر عن مكانهم الجغرافي، في العمل على تخطي المعضلات التي يواجهونها كمجتمع وكأفراد. كثرة التناقضات والتخبطات، التي يواجهها الفلسطينيون يومياً في مجالات الحياة المختلفة ظاهرة بشكل واضح، وما ذُكر هنا هو فقط جزء صغير منها.
من خلال هذا اللقاء وحلقة النقاش، من التأمل بالمشاركين/ـات وسماع مداخلاتهم/ن وتعليقاتهم/ن، ظهر شيء آخر بوضوح، هو التعددية الموجودة بين المشاركين/ات، التي يجمعها الأمل بالتغيير الإيجابي والسعي إلى ما هو أفضل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...