شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"معرفة التاريخ مهمّة حتّى لو كرهناه"... كميليا جبران في حديث لرصيف22

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 16 ديسمبر 201907:03 م

مؤخراً، أصدرت الموسيقية الفلسطينية كميليا جبران (1963)، بالاشتراك مع الموسيقي والمنتج السويسري فرنر هاسلر، ألبومها الجديد: "و"، وهو الألبوم الرسمي السادس لجبران، وقد بدءا هذه الأيام جولة عروض أوروبية، على أن يُعلن عن جولات العروض العربية قريباً.

مع صدور الألبوم، الذي نُشر رقمياً أيضاً، كان لرصيف22 هذا الحوار الخاصّ مع كميليا جبران، والتي وُلدت في عكّا لأم وأبٍ من قرية الرامة في الجليل الفلسطيني، وعاشت فيما بعد في القدس والآن تقيم في العاصمة الفرنسية، باريس.

"و" هو الألبوم الثالث المشترك ما بين كميليا جبران وفرنر هاسلر، بالنسبة لكميليا، فإن إنتاج ثلاثة ألبومات فقط مع هاسلر، على الرغم من الحوار الموسيقي التي يمتد إلى 17 عاماً، "هو قليل".

"لأنه مش الإشي الوحيد اللي أنا بساويه أو هو بساويه، كل واحد عنده مشاريعه الأخرى، كل مرة أنتجنا إشي كان بسبب إنه لاقينا شي جديد نحكيه لبعض، لو مش مقتنعين، ما طلعنا شي… بس منعزف مع بعض، منعمل عروض وفي تناغم وانسجام"، قالت في حديث لرصيف22.

وحول اختيار الاسم "و"، قالت: "يحضر حرف "الواو" في مسيرتنا الموسيقية، حضر في "وميض" وكذلك في "ونبني"، وتقريباً كل مقطوعة من المشروع الجديد بدأت بحرف الواو. وعندما وصلنا إلى بداية عملنا على مشروعنا الجديدة، ببساطة حضر حرف "الواو" أولاً، "إجا وجاب اسمه معه".

يضم ألبوم "وَ" أغاني بمعظمها من كلمات كميليا جبران، عدا أغنية واحدة من كلمات الشاعر أبو عبد الله الحميدي. بالنسبة لجبران، هذه خطوة جديدة تخوضها مع "و"، عن هذا تقول: "أصلاً أخذني وقت أتجرّأ وأكتب كلام لأغاني، كل موسيقتي كانت مرفقة بنصوص شعرية مكتوبة من شعراء مهنتهم يكتبوا شعر ونصوص أدبية، خاصة معاصرة، وكنت دايماً بقول طالما في ناس بتكتب وهاي مهنتها وبعجبني كلامها، ومبسوطة كثير بأنها بتحكي اللي أنا ممكن نفسي أقوله، بس ما بعرف أكتب".



وهذا ما حصل قبل ألبوم "و"، إلا أن طرح مسألة الكتابة كتساؤل، غير جديد بالنسبة كميليا، التي تسأل نفسها: "فيني أقول شي تاني؟"، وتتابع: "فيني أتجرأ أكسر التابو تبع الرهبة هاي اللي إحنا عنا تجاه اللغة العربية؟ كان عندي حوار مع صديق بكتب كلمات أغاني، عملنا جلسة وتدريب وشجعني كثير على الكتابة الشخصية/ الذاتية".

"فيني أتجرأ أكسر التابو تبع الرهبة هاي اللي إحنا عنا تجاه اللغة العربية؟"

وتتابع: "كل واحد فينا عنده هاجسه الداخلي، ليش ما يطلعه من جوّاته؟ هاد الحكي صار من فترة وحطيته على جنب، ولما بلشنا أنا وفرنر نشتغل، سألني ليش ما بتطّلعي كلمات من عندك؟ وتشجعت".

مع الاستماع لأغاني الألبوم، هنالك تعامل "مختلف" مع الكتابة والكلمات. بالنسبة لي كمستمعة، أكثر ما يعبر عن كيفية تجسّد ألبوم "و" هو أغنية "لغة وثقة"، حيث حوار كميليا مع الكلمتين، أو حوار الكلمتين مع بعضهما البعض على موسيقى كميليا وفرنر. هنالك شعور أن كلمات الأغاني هي كلمة مرتبة على إيقاع ذاتي ينتجه العقل بحريته وعفويته.



عن هذا تقول كميليا: "الكلام اللي جاي هو فعلاً مفردات، وكل كلمة إلها صورة، نوعاً ما. كيف المخ بشتغل، اخترت كلام كل حدا فينا بشوفه وبعيشه وبمرق عليه بشكل أو بآخر، فأنا جبتهن وحطيتهن"، وتتابع: "الشعر في اللغة، في ناس بتكتب بشاعرية، وفي نصوص شعرية، وفي كل هاد الكلام الجميل… وفي حيّز آخر. طيب في مناطق فيها اللغة بتلعب دور مختلف. وهاد مثل ما بعمل بالموسيقى، النوتات رايحة في مساحة أخرى، الإشي اللي صار هون مع الكلمة هو من تفكير بنفس المنطق تبع الموسيقى".

"لما منختار مكان معيّن مننفي وجود مكان آخر"

من هذه الفكرة، ترى كميليا أن رحلة الدخول في مناطق مغايرة، بدأت مع تجربة فرقة "صابرين" الفلسطينية، والتي تأسست عام 1980 في القدس، وكانت كميليا عضواً أساسياً فيها حتى بداية سنوات الألفين، عن هذا تقول: "بالفترة الأولى اللي بلشت موسيقى صابرين تتبلور وتتنشر بين الناس، برضه كانت إشي غريب وخارج عن المألوف والسائد بهديك الحقبة. في ناس لإسّا عم تكتشف شغل الفرقة، وفي مساحة وحي للشباب عم بتوفّره بعدها، خاصة بالجرأة اللي أخدناها أوّل التمانينات بهاد التوجه، وهاد أعطاني حصانة، وبنفس الوقت، أعطاني جوع كبير: إنه شو بعدين؟ طبيعي بالنسبة إلي لوين رحت بعد صابرين، ولوين بدي أروح…".



يأخذني هذا إلى ما قالته كميليا جبران في مقابلة معها لمجلة "معازف"، مفاده أن "أنا ماعنديش قاعدة ولا رسالة أوجهها لأحد. أنا أحكي من منطلق اهتمامي الفردي"، وفي إجابة عن سؤال "كيف ترى ارتباط هذه الفكرة بالمألوف عربياً، وهل هنالك ثمن ما تدفعه ضمن هذا الخيار؟"، قالت كميليا: "لما الواحد بختار مكان معين بس، وقتها بينفي إنه يكون في مكان آخر… الموضوع هو خيار إحنا منعمله وفي إله إذا بدنا نسميه - ثمن، بعرف إنه هاد النوع من التوجه، من حيث مصداقيته المادية مش عامل قوي، بس برضه هاد خيار، أنا انجبرت اعمله، بعرف إنه هو هيك، بس معنديش طعم مرارة منه… إنه أوكِ، هاد النوع من الفن أو الإنتاج أو نمط الحياة، أفقه المادي محدود وصعب جداً، مقابل سوق كبير عم بصير فيه كثير أشياء ومليون شغلة يتم إنتاجها بلحظة واحدة، بتصفّي الأشياء ضايعة… لكن طالما شغفي موجود، رح أضل هيك".

إجابة على سؤالي المتابع: "شو اللي بغذّي هاد الشغف؟"، قالت كميليا: "اللي بغذيه إشي عميق، بعرفش من وين جاي، شي محرّك داخلي قوي، بخلّيني أعمل هيك".



"لما بعمل موسيقى، بكون مقتنعة فيها"

امتداداً لمسألة "الأفق المادي"، التي هي بشكل أو بآخر مربوطة بالجمهور من جهة، أو بالجهات التي تُعنى بالدعم الموسيقي سواء المباشر، أو من خلال تنظيم مهرجانات، وفيما يتعلق بسؤال الجمهور، وبالتفكير حول المراهنة على هذا الشق من المعادلة الإنتاجية، وفي إجابة على السؤال هل تشعر بأن الجمهور الذي عرفها في "صابرين" لم يمنحها "فرصة" مواصلة البحث عن شيء آخر؟

قالت كميليا: "الناس بدها وقت لما تسمع أشيا جديدة، مش الكل، في ناس بكونوا جاهزين، وفي ناس بدهن وقت يسمعوا ويقولوا رأيهن. هاد الإشي عشته مع صابرين من الألبوم الثاني (موت النبي 1987)، كان بوخد وقت لحد ما الناس تواكب".



وتتابع: "نفس الإشي اللي بعمله إسّا. خاصة بعد تجربة صابرين، في ناس بتفضل تسمع هديك الموسيقى اللي تعوّدت عليها، وبالنسبة إلها اللي بعمله إسّا كثير بارد أو برقص، ومش دافي، ومش هالقد وجبة سريعة… مش عم بقول إنه موسيقى فرقة صابرين هي سريعة، بس هي الإشي اللي رأساً بتسمعيه وبتقولي: كول. وفي ناس فضّلت اللي بعمله إسّا، ومش صابرين، وفي ناس قبلوا الشكلين وشافوا الاستمرارية".

استمراراً للحديث عن الجمهور، قالت: "لما بعمل موسيقى، بكون مقتنعة فيها، وهاد بخلّي الناس تقتنع وناس لا. في مسؤولية حملتها، وفي صدق ما، وهاد اللي بمشي وقت ما بقرر أشارك إشي مع الناس، بغض النظر إذا حبّوه أو لا، وإذا ما حبّوه بكون مبسوطة، لأنه بدل على شي بالنسبة إلي".

وتضيف: "في ناس لإسّا بتذكرني بأغاني من صابرين، وأنا كمان بحبّها، لأنها جزء من ماضيي القريب، وبشوفوا إنه المرجع بالنسبة إلهن، بس بنفس الوقت، أنا موجودة بمحل ثاني، عم بحكي إشي عم بطلع معي هالفترة، والمرحلة اللي موجودة فيها عمرياً وكمان الأمور في العالم بتتغيّر… فش إشي ثابت، مع إنه في محور معيّن وماسكني وماشي فيه، وهاد المحور لما يدور بطلع شي أوسع. هاد استمرار طبيعي والجمهور يمكن ما يكون بنفس السرعة ماشي بهاد الدوران، بس هاد الإشي طبيعي وعادي".

"بحس كثير منطقي اللي بعمله"

في نفس المقابلة، ذكرت كميليا جبران رغبتها بأن لا توضع بخانة موسيقية معينة، وفي إجابة على السؤال حول ارتباط هذه الرغبة أيضاً بالخروج من خانة التعريف المباشر للهوية عموماً، قالت: "بحس إنه راح علينا كثير أشياء، إحنا متأخرين كثير، على عدّة مستويات، وكأنه حاسة الوقت عم بخلص... يمكن هاد جزء من الدافع اللي بخلّيني كل الوقت عندي طاقة وحابة أشتغل، حابة أنتج طالما عم بطلع معي أشياء. وهاد بعطيني يمكن الجرأة على إنه... على شو بدي أخاف؟".

وتتابع: "طالما إنه أنا إذا سامعة وحاسة إنه في هيك شي، بحب كثير أعبّر عنه، وبفكر إنه في كمان كثير ناس بشاركوا هاد التوجّه بشكل أو بآخر، وإحنا بحاجة إنه هالمشاركة تحصل، ولو في أماكن مختلفة وبعيدة… في ترابطات بتصير، وهاد بخلي اللقاءات/ المشاركة تعوّض عن أشياء راحت علينا ونحنا قاعدين منتأمل لقدام".

وتضيف: "في كثير عتمة حوالينا اليوم، فش حدا مبسوط، كل الدول اللي عم بتصير فيها تحركات، وحتى شعوب بتعتبر حالها واصلة وقوية، شوفي شو عم بصير عندهم... كل هاد بلعب دور أكيد إنه أنا حاسة مش بس بدي أكون مختلفة، إنه هاد اللي بدي أعمله، كثير منطقي اللي بعمله... منطقي راكب على الوضع".

 أصدرت الموسيقية الفلسطينية كميليا جبران بالاشتراك مع الموسيقي والمنتج السويسري فرنر هاسلر، ألبومها الجديد: "و"، وقد بدءا هذه الأيام جولة عروض أوروبية، على أن يُعلن عن جولات العروض العربية قريباً... ولهذا كان لرصيف22 حوار خاصّ معها

"أوكِ، هاد النوع من الفن أو الإنتاج أو نمط الحياة  تبعي، أفقه المادي محدود وصعب جداً، مقابل سوق كبير في مليون شغلة يتم إنتاجها بلحظة واحدة، بتصفّي الأشياء ضايعة… لكن طالما شغفي موجود، رح أضل هيك"... كميليا جبران في حديث خاص لرصيف22

"الظروف السياسية مش صديقة الشعوب"

امتداداً للحديث حول ما يحدث حولنا من حراكات وثورات شعبية، وفي إجابة عن السؤال كيف ترى تأثير الثورات العربية على الإنتاج الموسيقي بالمنطقة؟ قالت كميليا: "منقول كل الوقت أن هناك موسيقى عربية، وهذا خاطئ، على الرغم من الرابط الديني والتاريخي واللغوي، في فروق أكثر بيناتنا ولازم نشوفها، ونقدر نطلع أكثر أشياء من هذا الثراء".

وتتابع: "اليوم، مع الثورة الرقمية، في تعبير موسيقي مختلف، في أشياء تسارعت مليون مرة من حيث الإمكانيات، لأنه الإمكانيات اللي زادت هي اللي خلت يكون في تسهيل أكثر بالتعامل مع الإنتاج والتواصل والتعبير، هاد ما بقول إنه صار في تسارع على المستوى الفكري بالضرورة".

وتضيف: "بالعكس، مرات بشوف في شروخات كبيرة، لأننا مجتمعات مستهلكة وغير منتجة، اللي بستهلكوه ما إله علاقة بالثورة الرقمية، هو استيراد وتملك ومنفكر حالنا إحنا اخترعناه. الناس اللي بتخترع شي، بتكون علاقتها معه مختلفة عن اللي بستهلكه. لأنه هاي تفاصيل ويمكن يكون إلها أهمية".

استكمالاً لهذه الفكرة، تقول كميليا: "مش معناته إنه فش عنا شباب موسيقيين بياخدوا آلات إلكترونية وببدعوا فيها، وعم منشوف، ولكن التعامل مختلف، النتيحة مختلفة، وخطورة ما نفكر كثير، هاي دايماً موجودة".



ترى كميليا أنه بسبب الثورة الرقمية وما سهّلته، هنالك إنتاجات موسيقية غزيرة، لكنها بنفس الوقت تُغطي على أشياء كثيرة أخرى، عن هذا تضيف: "ما زلت متمسكة بمبدأ إنه لسّه إنه التاريخ مهم، الأشياء التي اعتبرت يوماً ما مهمة، سواء أدبية أو موسيقية، لازم نرجعلها ونفكر فيها، حتى لو كرهناها".

وتتابع: "في عصر السرعة، ولأنه راح علينا كثير، بدنا نلحق ونركض لنكون مناح، هاد كمان بخلّينا ما عنا وقت نشوف ونطلع ونتأمل. وبالطبع، الظروف السياسية مش صديقة الشعوب، اللي كلها عندها رغبة واحدة تحس بالكرامة وبنوع من المواطنة المحرومة منها وما زالت، إحنا ما منحس أننا مواطنين أصحاب كرامة زي شعوب ثاني. هاد النقص اللي عم منحاول ننادي فيه ونعبّر عنه دايماً، وأكيد في مقاومة كبيرة، والمعركة مش بسيطة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image