"أردت دوماً أن أعود إلى المنزل في وقت متأخر مساء، دون أن يعتريني الخوف من الظلام وما يخفيه، فطبيعة عملي، في مركز خدمة تابع لواحدة من شركات الاتصالات بمدينة القاهرة، تحتّم عليّ أوقات عمل متأخرة في بعض الأحيان. كنت أخاف سابقاً من ركوب وسائل النقل العامة، أما الآن فمن دخل أي تطبيق لسيارات الأجرة فهو آمن".
بهذه الوضوح تعبر بسنت ع. (26 عاماً) لرصيف22، عما وفرته تطبيقات المواصلات الهاتفية من أمان كانت يفتقده مصريون كثر ممن تضطرهم ظروف عملهم للعودة في ساعات متأخرة إلى منازلهم، حيث تنزع شريحة كبرى من الفتيات المصريات وأيضاً الشبان، لاستخدام هذه التطبيقات، نظراً لحالة الأمان الكبيرة التي توفرها.
وانتشرت هذه التطبيقات وعلى رأسها "أوبر" و"كريم" و"سويفيل" و"وينجو" في مصر خلال السنوات الأخيرة، منطلقة من التركيز على أزمات المواطنين في هذا البلد المزدحم، وكأنها تقول للمصريين ضمنياً "أنها ستحل الكثير من المشكلات التي تتعلق بفكرة الازدحام وآثاره النفسية والجسدية"، خصوصاً مع تقديم العديد من المميزات لعملائها، واختيار أكثر الهواجس التي تثيرهم للتركيز على إمكانية حلها.
من تلك الهواجس التحرش أثناء الركوب وسط الازدحام، حوادث الاختطاف والبلطجة التي قد تدفع أحد السائقين للسرقة إن كان الراكب وحيداً في منتصف الليل، إلى الخوف من الموت على الطرق السريعة بسبب جرعة مخدرات زائدة قد يتناولها سائق حافلة ما، دون أن يراعي أهمية الحفاظ على حياته وحياة الركاب الذين يرافقونه في كل رحلة.
كل هذه أسباب دفعت مصريين للبحث عن أمانهم الذي وجدوه ربما في هذه التطبيقات الجديدة، والتي تمنح معلومات عن السائق والرحلة قد تكون كافية ليشعر الركاب بالكثير من الطمأنينة والراحة النفسية الضرورية لهم.
ميزات تقنية تعني الأمان
توفّر تطبيقات المواصلات نسبة كبيرة من الحماية من خلال إمكانية إخبار المقربين بالطريق الذي ستسلكه السيارة ومدة الرحلة المقدرة، عن طريق نظام GPS الذي يمنح إمكانية توصيل الرحلة لهاتف آخر، ما يسهل تتبع مسار الراكبين ومعرفة أي حادث قد يتعرضون له.
وترى بسنت خلال حديثها لرصيف22، أن هذه التطبيقات احتلت مكانتها في اختيارات المصريين، خصوصاً الفتيات منهم، رغم ارتفاع أسعار ركوب السيارات التي تؤمنها مقارنة بالمواصلات العادية، وذلك نتيجة ما توفره من طمأنينة لا تقدر بثمن، من خلال معرفة السائق وتفاصيل الرحلة ونوع السيارة، والربط مع شركة لديها المعلومات الوافية عن سائقيها ما يجعل مسألة الوصول إليهم سهلاً في حال حدوث أي مكروه.
وفي حين أنه لا يمكن تعميم كل ما ذكر من هواجس على جميع سائقي المواصلات العامة في مصر، إلا أن السمعة السيئة باتت هي الطاغية عليها، مع تعرض كثير من المواطنين لتجارب قاسية فيها، كالتحرش والسرقة ومحاولات القتل، ومع سهولة انتهاك قوانين السير التي لا يبدو أنها تطبق بصرامة. كل ذلك أفقد شريحة كبيرة من المصريين الثقة بوسائل النقل بشكل عام، والتي باتوا يتوقعون من سائقيها "أي تصرف كان"، وفق تعبيرات كثير منهم.
"ضحايا أو قاتلات!"
تتحدث نورا عصام محمد (23 عاماً)، عن حادثة قتل سائق الميكروباص على يد الفتاة أميرة بعد أن حاول الاعتداء عليها، وهي الحادثة التي عُرفت في مصر باسم قضية "فتاة العياط"، وتشير إلى أنها من الحوادث الجديدة التي تدل على تحول الكثير من العاملين في هذه المهنة إلى "ذئاب بشرية"، على حد تعبيرها، مستثنية البعض منهم.
وتؤكد الفتاة، وهي طالبة جامعية، أن مجتمعاً كالمجتمع المصري يفرض على الفتيات أن يكنّ ضحايا صامتات أو قاتلات يدافعن عن أنفسهن في سبيل الحفاظ على أجسادهن، في مجتمع تصفه بأنه "متناقض، يّدعي المحافظة وتنتشر فيه تصرفات مغايرة تماماً"، في إشارة لانتشار ظاهرة التحرش بشكل كبير.
وتتساءل نورا خلال حديثها مع رصيف22، عما يكفل الأمان والطمأنينة لها ولقريناتها، فلا تجد أي جواب شافٍ لذلك، خصوصاً أن إجمالي حوادث التحرش قد يكون أكبر بكثير مما تعرضه وسائل الإعلام، معتبرة أن أميرة من الفتيات المحظوظات اللواتي استطعن الدفاع عن أنفسهن، "متخلصة من الذي حاول سلبها أعز ما تملك".
وتضيف الفتاة بأن هناك الكثير من الحكايا التي تختفي وراء الخوف من الفضيحة، أو البحث عن الستر الزائف الذي يمنح الفاعل بوليصة تأمين تشجعه على تكرار ما يفعله دون أي رادع.
الخروج من البيت بسلاسة أكثر
رغم المعاناة اليومية في المواصلات التقليدية في منزلها الكائن بمنطقة شبرا - أحد، لم يكن بإمكان آية سامي أن تستقل سيارة خاصة من التطبيقات للذهاب بشكل يومي إلى عملها بمدينة المصانع في السادس من أكتوبر، بسبب ارتفاع الأجرة بما يفوق قدرتها، حيث يتوجب عليها دفع ما لا يقل عن 30 جنيهاً يومياً ما يعادل شهرياً ربع دخلها.
تغير الأمر كثيراً بالنسبة للفتاة العشرينية بعد أن أحدثت شركات تطبيقات المواصلات خياراً لركوب مواصلات مجمعة تشبه الميكروباص، إلا أنها أخف ازدحاماً وأكثر راحة.
وتؤكد آية لرصيف22 أن مثل هذه الخدمات تساعد الفتيات على وجه الخصوص، حيث تصبح مسألة الخروج من المنزل أكثر سلاسة، مشيرة إلى أن هذه التطبيقات صارت للجميع ولم تعد حكراً على فئة معينة بأسعارها المرتفعة في فئات السيارات الخاصة، فتقديم خدمة مجمعة يمنح الجميع فرصة الراحة النسبية دون الحاجة لدفع زيادة كبيرة عن المعقول.
وتضيف آية بأن تكلفة هذه الخدمة قد تقل أحياناً عن المواصلات التقليدية، نظراً لما تقدمه الشركات من عروض وخصومات لركابها، وكأنها تقول لعملائها "نحن بخدمتكم جميعاً!".
انتشرت تطبيقات المواصلات في مصر خلال السنوات الأخيرة، منطلقة من التركيز على أزمات المواطنين في بلد مزدحم، وكأنها تقول للمصريين ضمنياً "أنها ستحل الكثير من المشكلات التي تتعلق بفكرة الازدحام وآثاره النفسية والجسدية"
في حين أنه لا يمكن تعميم كل ما ذكر من هواجس على جميع سائقي المواصلات العامة في مصر، إلا أن السمعة السيئة باتت هي الطاغية عليها، مع تعرض كثير من المواطنين لتجارب قاسية فيها، كالتحرش والسرقة ومحاولات القتل، ومع سهولة انتهاك قوانين السير التي لا يبدو أنها تطبق بصرامة
الرجال يبحثون عن أمانهم أيضاً
"لا يكثر استخدام هذه التطبيقات في مصر بين الفتيات فحسب، فالرجال أيضاً يبحثون عن راحتهم وأمانهم"، هذا ما يقوله أمجد (27 عاماً)، الذي يعمل سائق تاكسي باستخدام تطبيق أوبر.
ويؤكد أمجد أثناء لقاء مع رصيف22، أن الكثير من الشباب الذين ركبوا معه خلال عامين من عمله، أوضحوا له أن ما يحملهم على استخدام أوبر أو كريم أو أي تطبيق مواصلات آخر، ليس فقط الراحة الجسدية المتمثلة في الركوب لوحدهم دون إزعاج، أو إمكانية تشغيل المكيف في درجات الحرارة العالية، أو إقفال الموسيقى إن تطلب الأمر، فهذه أمور ثانوية، لكن الأمان بعيداً عن حالات النشل أو البلطجة أو التشليح التي قد يتعرضون لها في وسائل المواصلات التقليدية، خاصة خلال ساعات اليوم المتأخرة، قد يكون العامل الفصل.
ويرى أمجد -الذي فضل الحديث باسمه الأول فقط- أن ما تقدمه تطبيقات المواصلات لعملائها من تقدير وراحة يجعلها محل ثقة دائمة لديهم، حيث يصبح فرق عدة جنيهات عن وسائل المواصلات العادية غير ذي أثر، خصوصاً أن الكثير من العملاء يعتقدون أنهم يشترون راحتهم بهذه الجنيهات، فضلاً عن أن هذه التطبيقات تمنح العملاء بشكل شبه دائم تخفيضات على أجرة التوصيل، بحيث يصبح الفرق بينها وبين المواصلات التقليدية بسيطاً لدرجة لا تذكر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون