قبل أسابيع قليلة، سافرتُ إلى عمّان في رحلة عمل. قبل سفري بأيام زارتني صديقة من أصل عراقي، تقيم عائلتها في الأردن.أرادت أن ترسل لهم بعض الأشياء معي.
تحدثنا قليلاً عن الحياة في عمّان وعن ثورة العراق. قالت لي إن تدوينتي الأخيرة عن العراق وعن أمي العراقية والتي نُشرت في رصيف22 تحت عنوان "للمرة الأولى في حياتي.. وعدتُ خالتي بأن أزور العراق"، والتي أْعيد نشرها في جريدة التكتك، جريدة متظاهري ساحة التحرير البغدادية، جعلتها تبكي، وقد أرسلتْ رابط المقالة إلى أمها.
هذا الكلام أخذنا إلى الحديث عن الكتابة حول العراق. قالت لي صديقتي إنها غارقة في رواية اسمها "طشّاري"، وقالت إنها تشعر، مثلي، بأنها أصبحت تنتمي للعراق أكثر بفضل ثورة العراقيات والعراقيين الشجعان. قالت إن علي قراءة هذه الرواية.
في عمان، بحثت عن كتب عربية اشتريها وأحملها معي إلى الشمال الأوروبي الرمادي البارد. الحصول على الكتب العربية في أوروبا ترف لا يقدر عليه الكثيرون. واحدة من صدف عمّان الجميلة، كانت زيارتي لمكان، لا أذكر اسمه، يتكوّن من طابقين: في الطابق الأولى مكتبة فيها كتب كثيرة، معظمها بالإنجليزية، وبعض الكتب العربية. لم تعجبني معظم الكتب الموجودة، وما أعجبني كنت قد قرأت معظمه مسبقاً. رأيت روايتيك هناك؛ "طشاري" و"النبيذة". اشتريت الكتابين فقط، وفكرت بصديقتي مبتسماُ.
كنت قد سمعتُ باسمكِ قبل وصولك إلى القوائم القصيرة في جوائز البوكر في سنوات مختلفة. بعض منشورات أصدقاء مشتركين في موقع فيسبوك تحكي عنكِ وعن دماثة أخلاقك وعن لطفكِ، علق الاسم في ذهني لكنني لم أقرأ لكِ من قبل. لم أقرأ لكثير من الكتاب العرب إلا متأخراً، رغم أن أمي شاعرة عراقية تكتب بالعربية.
كبرت في بيت ذي ميول يسارية. أهل درسوا وعاشوا في دول الاتحاد السوفيتي، فكبرت وأنا أقرأ مكسيم غوركي ودوستويفسكي وبوشكين وغيرهم من عظماء الأدب الروسي، لكنني تهت عن باقي العالم إلى أن أصبحت طالباً جامعياً وأصبحت أقرر توجهاتي في القراءة. اكتشفت العالم الأكبر. اكتشفت أدباً أمريكياً، لاتينياً، ألمانياً، فرنسياً، فارسياً…. وعربياً.
روايات كثيرة أثرت بي وأصبحت شخصياتها جزءاً من تكويني، حتى أصبحت أحس أنني جزء من رواية وأن حياتي رواية. ألا يقول الياس خوري بما معناه، إن الرواية تأخذ من الحياة الحقيقية بينما يعيد القرّاء إنتاج هذه الشخصيات في حيواتهم بعد أن يتأثروا بها؟ هكذا تدور الدوائر، وأنا أحس بنفسي في دائرة روائية لا أخرج منها.
قرأت "طشاري" وأنا في طريق العودة من عمّان إلى بيتي في برلين. أنهيت الرواية في قراءة واحدة دون توقف: مطار عمّان. الطائرة وصولاً إلى مطار فيينا. الانتظار في مطار العاصمة النمساوية. الطائرة الواصلة إلى برلين. الطريق من المطار إلى البيت. انتهت الرواية وصرتُ أحبّ العراق أكثر.
قرأت "طشاري" وأنا في طريق العودة من عمّان إلى بيتي في برلين. أنهيت الرواية في قراءة واحدة دون توقف: مطار عمّان. الطائرة وصولاً إلى مطار فيينا. الانتظار في مطار العاصمة النمساوية. الطائرة الواصلة إلى برلين. الطريق من المطار إلى البيت. انتهت الرواية وصرتُ أحبّ العراق أكثر.
حين أقرأ تعابير مثل "صَدَقَة لأللّه" أتذكر طفولتي ولهجة أمي الكربلائية. وأنا أقرأ كنت أشعر بنصفي العراقي الذي كنت قد نسيته رغم أن أمي كانت قد زرعته فيّ وفي قلوب إخوتي. لم انتبه لوجود هذا النصف إلا مؤخراً، مع قصائد أمي وقصصها القصيرة ومع أخبار ثورة العراق
قررت أنا وشريكتي أن نغيّر قليلاً في ديكور بيتنا الصغير، كي نُفسح مساحة أكبر لابنتنا الصغيرة ذات العامين. سنعيد بناء مكتبتنا الصغيرة التي تضم بضع مئات من الكتب. كنت قد أنهيت لتوي قراءة ثلاثية إبراهيم نصر الله الأخيرة. أحب هذا الكاتب. لا يخاف من الكتابة. أستطيع أن أشعر بشجاعته وأنا أقرأ له.
قلت لنفسي بأن دور إنعام كجه جي قد حان وسأقرأ "النبيذة" بينما أُركّب الرفوف الخشبية وأمسح الغبار عن الكتب. حملت الكتاب وقرأت السطر الأخير: "كم يخسر الجمال لو اكتمل!". هذا ما أفعله مع كل كتاب أقرأه. أبدأ من السطر الأخير ومن ثم أعود إلى البداية. لكل منا عادات، يكتشفها كلما كبر بالعمر، ويتصالح معها مع مرور الوقت.
أخذتني الرواية معها إلى أماكن بعيدة. حين أقرأ تعابير مثل "صَدَقَة لأللّه" أتذكر طفولتي ولهجة أمي الكربلائية. وأنا أقرأ كنت أشعر بنصفي العراقي الذي كنت قد نسيته رغم أن أمي كانت قد زرعته فيّ وفي قلوب إخوتي. لم انتبه لوجود هذا النصف إلا مؤخراً، مع قصائد أمي وقصصها القصيرة ومع أخبار ثورة العراق… ومع قراءة أشياء أخرى مثل رواياتك. جلت معك البلاد والأماكن وتعرفت على الشخصيات. بحثت عن قصائد للجواهري. استمعتُ إلى سليمة باشا وناظم الغزالي وزهور حسين. بعد أن أنهيت قراءة الكتاب… قبّلته قبل أن أضعه جانباً.
إنعام كجه جي. بوسة لروحك وفدوة لگلبج.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع