شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
سمعت هتافات تشبهني من مظاهرات العراق… ليطمئن قلبي البعيد عنه

سمعت هتافات تشبهني من مظاهرات العراق… ليطمئن قلبي البعيد عنه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 4 أكتوبر 201903:25 م

لم تكن المظاهرات الجارية حالياً في العراق هي الأولى، وفي كل مرة لم أكن قادرة على التفاعل مهما كان شكل المظاهرات، لكوني خرجت من العراق في 2005، ولم أعد إليه منذ ذلك الحين، فأي حق فيه أملكه؟ إن عبّرت عن أفكاري سأواجه رفضاً مرفقاً بحكم قاطع: "انتي شمعرفج؟".

قبل الفيسبوك، عندما كنت أسجّل في المنتديات العراقية لأبقى على تواصل مع أهل بلدي، كنا أطفالاً ونناقش أي حدث بطفولية، وكانت أفكارنا مأخوذة عن أفكار عائلاتنا ومناطقنا وطوائفنا، وبمرور الوقت كانوا قد كبروا كعراقيين ويعرفون كل تفصيل، في حين أنني بقيت في مكاني. كعراقية بقي عمري 12 عاماً، ولم أملك الحق في النقاش بعدها، كل ما كنت أمتلكه كان الأغاني الوطنية، خصوصاً وأن عائلتي لم تكن تتحدث في السياسة أو شؤون البلاد، كانت أحاديث كهذه مرفوضة تماماً. شيئاً فشيئاً لم أعد أعرف ماذا يحدث هناك.

 بإمكاني أن أقول للعالم أن هذه الانتفاضة هي حراك العراق، بإمكاننا جميعاً أن نقف في وجه أي تسمية توصم الثورة، حتى وإن لم نكن داخل العراق

المظاهرة الأولى التي سمعت بها كانت في الأنبار، عرفت بأمرها لأن شاباً من أقاربي قتل فيها على يد النظام العراقي، ودوهمت بيوت آخرين واعتقلوا عدّة أيام. وفي بيتنا الذي لا يشاهد فيه أحد الأخبار، لم أعرف ما الذي يحصل تماماً، لذا عدت إلى الإنترنت وأخبرت أصدقائي الافتراضيين هناك، كنت أريد إخبارهم أنها دولة إجرامية، فجاءني الرد جاهزاً: "هذه لم تكن ثورة، هؤلاء بقايا بعث يريدون إعادته".

حاولت أن أخبرهم بأن الشاب الذي مات لا يعنيه البعث، لكن لم يصدقني أحد منهم، وتلك كانت المرة الأولى التي أفهم فيها ما الذي قد يفعله الإعلام بأي حراك. التزمت الصمت والانسحاب بعدها، رأيت أننا صرنا مجرد أصوات لآخرين: أنا صوت أقاربي، وهم صوت أقاربهم أو الإعلام العراقي. ومع بداية دخول داعش الأراضي العراقية عرفت أن كل حركة ضد النظام ستحسب مع داعش، ولا أبرّئ هنا من كانوا بالفعل مع داعش، لكن الوصفات الإعلامية والفيسبوكية الجاهزة قضت على مصداقية أي حراك يصدر من المناطق التي ظهرت فيها داعش. نجحت الحكومة العراقية في التخلص من صوت جزء من الشعب، وسيطرت بالمصطلحات نفسها على الآخر الذي سيخضع لخوفه من عودة صدام. ومجدداً عرفت أن لا حيلة لي، فأنا لا أملك القوة ضد القوالب التي حددتنا كشعب عراقي، ولا أملك أحقية من يعيش هناك.

فوجئتُ بمظاهرات عراقية تختلف عن سابقتها، مظاهرات لا يعلو فيها صوت حزب ديني أو مدني، مظاهرات شعبية بالكامل، أعداد كبيرة تهتف: "الشعب يريد إسقاط النظام".

لاحقت منشورات تدعو للتظاهرات، بالأخص دعوة لمظاهرة نسوية خرجت فيها العديد من العراقيات. أردت أن أشجعهن، وأن أتعاطف معهن عندما عرفت أنهن قُمعن بالقوة. شابات لا يتبعن لأحزاب سياسية، ولا يحملن أفكاراً دينية في ثورتهن، شابات أردن حياة كريمة للوطن الذي يعشن فيه. 

في اليومين الأخيرين، فوجئتُ بمظاهرات عراقية تختلف عن سابقتها، مظاهرات لا يعلو فيها صوت حزب ديني أو مدني، مظاهرات شعبية بالكامل، أعداد كبيرة تهتف: "الشعب يريد إسقاط النظام". شعرت أن قلبي قفز من مكانه، أنا التي صدّقت سابقاً أنني لا أملك الحق، أردت أن أمتلكه طالما أنني لم أنم وأنا أتابعهم. أسأل نفسي ما الذي قد أفعله؟ هل أغيّر صورة بروفايلي؟ هذا لا يعني شيئاً ولا يغير أي شيء. لاحقت المنشورات التي تدعو للتظاهرات، بالأخص دعوة لمظاهرة نسوية خرجت فيها العديد من العراقيات اللواتي أتابع صفحاتهن على الفيسبوك. أردت أن أشجعهن، وأن أتعاطف معهن عندما عرفت أنهن قُمعن بالقوة. شابات لا يتبعن لأحزاب سياسية، ولا يحملن أفكاراً دينية في ثورتهن، شابات أردن حياة كريمة للوطن الذي يعشن فيه. أحببتهن، تمنيت لو كنت معهن.

لم أستطع النوم وأنا أحاول إشراك روحي في هذه الثورة، لن أسمح لأحد بأن يسلبني حقي، فعبّرت على الفيسبوك عن استيائي من تسمية البعض "ثورة الحسين" أو "أخلاق الحسين الحقيقية"، بالطبع كان بعض المتظاهرين يرددون أفكاراً كهذه وهذا حقهم، لكنني عندها تذكرت التسميات التي وصمت باسم البعث أو داعش، فما الفرق؟ خفت من ألا يدرك أحد خطورة تبني الإعلام للتسمية الدينية. تذكرت الشابات في المظاهرة وتخيلت كم يتأذين من السلطة الدينية، تذكرت أن أرواحاً في السابق سقطت ووصمت بعار البعث دون أن تدرك. قد تبدو فكرة مبالغ بها إذا ما أخذنا الحسين كمأساة إنسانية دون الجانب الديني فيها، لكن هل نستطيع فعل ذلك بالفعل؟ هل ستنجو الثورة من حصرها بفكر أو طائفة؟

أسمع الهتاف في تظاهرة مدينة العمارة، من الفيديو الذي انتشر على الفيسبوك: "الشعب يريد إسقاط النظام"، ليطمئن قلبي. خفت أن أهاجَم لأنني عبرت عن رأيي، لكن لم يفعلها أحد، لم يعترض أحد هذه المرة لأنني أتكلم وأنا خارج العراق. أردت أن أفرح لأنني أرى ثورة، أردت أن أسمع أغاني عراقية وأعود لأمسك بهويتي، فخفت مجدداً. كل الأغاني تحمل فكراً دينياً أو سياسياً أو أنها حزينة فقط، إحدى الأغاني تقول "مو كاعي ضريح شلون تنداس؟"، وأخرى يرتدي مغنوها الزي العسكري لحزب البعث العراقي، تذكرت أنني ما زلت عالقة هناك، أردت أغنية لا تمجّد أيديولوجية بقصد أو بدون، لم أجد في يوتيوب، لكنني وجدت واحدة غناها شاب عراقي في المظاهرات. نعم ربما هناك أمل هذه المرة، أمل في أن نكون عراقيين فحسب.


أثناء كتابتي لهذا قرأت أن أسامة النجيفي قال في اتصال مع العربية: "هذه الانتفاضة هي حراك الشيعة ضد حكامهم الشيعة فقط"، وهنا تأكدت أن بإمكاني المشاركة، بإمكاني أن أقول للعالم أن هذه الانتفاضة هي حراك العراق، بإمكاننا جميعاً أن نقف في وجه أي تسمية توصم الثورة، حتى وإن لم نكن داخل العراق.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image